وسط دوامات اللهب اللافح وموجات الحر شديدة القسوة وبحار الرطوبة الخانقة،..، والظواهر الجوية والتقلبات المناخية المفاجئة وغير المعتادة ولا المتوقعة، نعيش مع العالم الآن أيامًا قاسية بعد أن سقط الجميع فريسة للمتغيرات المناخية، شديدة الوطأة، التى خرجت عن نطاق السيطرة بفعل فاعل وانفلت عيارها، وراحت تضرب فى كل مكان وتهدد بنشر الدمار فى كل بقاع الأرض، فى فوضى مناخية عارمة لم يسبق لها مثيل. وأحسب أننا لا نأتى بجديد على الإطلاق إذا ما قلنا إن ما شهدته الإسكندرية والعديد من الأماكن الأخرى منذ عدة أسابيع، من رياح شديدة وغير معتادة وأمطار رعدية غزيرة ومفاجئة، وما صاحبها من كرات ثلجية ثقيلة وغير مألوفة، وما شهدته القاهرة وبعض المحافظات الأخرى من أمطار مفاجئة منذ أسابيع،..، هى جميعها ظواهر غير طبيعية وغير معتادة بالنسبة لنا ولكنها فى مجملها تؤكد الحقيقة الواضحة التى يجب علينا أن نعترف بها نحن وغيرنا من باقى البشر الأحياء على الأرض فى منطقتنا وفى غيرها من المناطق أيضًا، بطول وعرض الكرة الأرضية. متغيرات حادة هذه الحقيقة تحتم علينا جميعًا عدم تجاهلها أو إنكارها.. لأنها فى الواقع أصبحت واقعًا نعيشه ونعانى منه من خلال موجات الحر اللافح التى تتعرض لها فى أحيان كثيرة والتى نعيشها حاليًا، وموجات البرد القارس التى تتعرض لها فى أحيان أخرى مثل التى عانينا منها خلال شهور الشتاء المنصرم،..، وهذا للأسف ما أصبح واقعًا متكررًا خلال السنوات الأخيرة وحتى الآن. وفى ظل ما وقع عندنا بالإسكندرية فجر السبت فى نهاية شهر مايو ومع بدايات شهر يونيو الماضى، من رياح عاتية تجاوزت سرعتها التسعين كيلو مترًا فى الساعة، وما صاحبها من اقتلاع للأشجار واللوحات الإعلانية وتحطيم لشرفات المبانى القديمة وغيرها من المظاهر التدميرية غير المألوفة بطريق الكورنيش وغيره من المناطق القريبة والمواجهة للشاطئ. وكل ذلك مؤشرات واضحة ومُؤكدة على أننا أصبحنا بالفعل فى قلب دائرة التغير المناخى، الذى أحاط بالمنطقة وبالعالم كله ونحن فى غفلة من أمرنا. وفى هذا السياق من المهم أن ندرك بكل الوعى أن المتغيرات المناخية المحسوسة والظاهرة التى طرأت علينا وعلى المنطقة والعالم أيضًا ليست مجرد ظاهرة طارئة أو وقتية غير قابلة للتكرار،..، هذا غير صحيح.. بل يجب أن نتعامل معها نحن والعالم أيضًا بكل الجدية وبالأسلوب العلمى الصحيح، حتى لا نصبح ضحية للأخطار والتهديدات المناخية الناجمة عنها. رؤية العلماء والجدية هنا تعنى أن نتعامل معها بما خلص إليه العلماء وخبراء المناخ، فى المؤتمرات الدولية المهمة التى انعقدت فى «باريس»، و«جلاسجو» و«شرم الشيخ» و«دبى» و«أذربيجان» وغيرها من مدن وعواصم العالم المختلفة، التى أكدت كلها على ضرورة وقف الممارسات البشرية الملوثة للبيئة. وفى هذا السياق علينا أن ننتبه وندرك أهمية ما طالب به العلماء فى كل المؤتمرات الدولية، بضرورة وقف أو خفض الانبعاثات الكربونية الملوثة للهواء، والتوقف عن تدمير وحرق الغابات وإبادة الأشجار، والسعى المكثف والجاد لخفض وتقليل نسبة الاحتباس الحرارى فى الجو وذلك بالسيطرة على الزيادة المطردة لنسبة التلوث، وهو ما يؤدى إلى الارتفاع المستمر والمتزايد لدرجة حرارة الأرض، فى ظل الاستمرار فى الاستخدام العشوائى للمحروقات الهيدروكربونية وتدمير الغابات والمساحات الخضراء، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام المتغيرات الحادة وشديدة الوطأة فى المناخ. وفى هذا الخصوص علينا أن نأخذ رؤية العلماء مأخذ الجد، خاصة فيما اتفقوا عليه، من أن الأخطار لن تتوقف عند حد التقلبات الجوية الحادة والجسيمة فى الطقس فقط، مثل: الارتفاع أو الانخفاض الحاد فى درجات الحرارة، وهبوب العواصف الشديدة، وحدوث جفاف وقلة أو ندرة سقوط الأمطار فى أماكن كثيرة،..، أو هطول أمطار غزيرة ومفاجئة فى أماكن أخرى مصحوبة بعواصف شديدة وحادة فى أماكن أخرى. وفى هذا الإطار تأتى التحذيرات الصادرة عن الأممالمتحدة إلى العالم كله، والتى تنبه وتحذر فيها على لسان الخبراء المتخصصين فى شئون المناخ، من أن كوكب الأرض سيشهد زيادة غير مسبوقة فى الظواهر الجوية الحادة والمفاجئة، مثل: الانخفاض الشديد والحاد فى درجات الحرارة أو الارتفاع الحرارى إلى مستويات غير مسبوقة، والتعرض لعواصف عاتية وأمطار وفيضانات مدمرة فى أماكن أخرى.. وندرة فى الأمطار وتصحر فى بعض الأماكن. الخطر الأعظم وقبل أن ندخل بالتفصيل فيما وصل إليه العلماء فى أبحاثهم ودراساتهم من توقعات واستنتاجات يرونها مؤكدة، فلابد أن أشير إلى أننى لا أهدف من ذكر ذلك إلى إثارة الفزع أو بث الرعب فى نفوس القراء.. بل الهدف هو دق ناقوس الخطر والتنبيه إلى أهمية ما يقوله العلماء، خاصة وأنهم يستخلصونه من الوقائع الجارية على الأرض، وكلها للأسف حقائق لا تبعث على الإطمئنان. وفى ذلك تجدر الإشارة إلى ما يؤكد هؤلاء العلماء والخبراء، بأن الخطر الأكبر والأعظم يتركز فى منطقة الشمال الإفريقى وقارة إفريقيا والشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط،..، وأن القضية الأخطر ليست مجرد ارتفاع درجة حرارة الأرض فقط، بل ما يتبع ذلك بالضرورة من الارتفاع المتوقع لمنسوب المياه فى البحار والمحيطات، وهو ما يمكن أن يهدد مناطق عديدة فى العالم بالغرق تحت مياه البحار والمحيطات،..، وتلك كارثة يجب أن يتم تلافيها بقدر الإمكان. وفى هذا الخصوص علينا أن نتذكر التحذيرات التى صدرت خلال المؤتمرات العالمية للتغيرات المناخية، والتى أكدت على ضرورة التنبه إلى الخطورة المُحدقة بالعالم كله والمتربصة بكل سكان الأرض، إذا لم يلتفت ويتنبه إلى الخطر الناجم عن التغيرات المناخية الجسيمة التى أصبحت واقعًا،..، وإذا لم ندرك أن كوكب الأرض الذى نحيا ونعيش عليه قد أوشك أن يفقد صلاحيته للحياة البشرية، تحت وقع المتغيرات المناخية الحادة التى تجتاحه كله الآن ومنذ فترة ليست بالوجيزة، نتيجة الكم الهائل من السموم والملوثات التى يضخها البشر فيه كل يوم وليلة، بل كل ساعة ودقيقة من خلال السلوكيات المُعوجة للبشر من سكان الأرض، الذين لا يتوقفون عن تدمير سبل الحياة على الكوكب الذى يعيشون عليه. مسئولية مَنّ؟! وفى ظل هذا الخطر الذى أصبح قائمًا ومُتوقعًا بالفعل خلال السنوات القادمة، إذا ما ظلت الممارسات المُعوجة للبشر على ما هى عليه، واستمرت موجة التلوث البيئى والاحتباس الحرارى على ما هى عليه فى الارتفاع فإن الوضع سيكون بالغ الخطورة للعالم على وجه العموم وبالنسبة إلينا فى منطقة الشمال الإفريقى وحوض البحر المتوسط بالتحديد.. وهو ما لا يجب السكوت عليه والانتظار حتى يقع. ومن هنا يجب ألا نتجاهل أو نغض الطرف عن الحقيقة المؤكدة التى يعلمها القاصى والدانى من سكان هذا الكوكب البائس الذى نحيا عليه،..، وهى أن المسئولية الرئيسية تعود وتقع بالكلية على الدول الصناعية الكبرى عن المأساة التى تعيشها الأرض الآن من تلوث يكاد أن يفتك بها ويدمرها نتيجة ما كانت ومازالت تقوم به هذه الدول من استخدام كثيف للمحروقات من المواد «الهيدروكربونية» الملوثة والمدمرة للبيئة طوال ما يزيد على قرنين من الزمان منذ بدء الثورة الصناعية وحتى اليوم. وعلى رأس هذه الدول الكبرى: الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية والدول الاسكندنافية وروسيا وأضيفت إليها الصين والهند وأستراليا واليابان وغيرها.. وهذه الدول هى التى تتحمل الوزر الأكبر فى تلوث البيئة والمناخ فى كوكب الأرض. ولا تزال هذه الدول تقوم حتى الآن بإحراق تريليونات من الأطنان من المحروقات الهيدروكربونية «البترول والفحم وغيرهما» وتضخ نسبة هائلة من الميثان وثانى أكسيد الكربون فى جو الكوكب.. وهو ما يؤدى إلى زيادة نسبة الاحتباس الحرارى ورفع درجة حرارة الأرض وزيادة نسبة ذوبان الثلوج فى القطبين وارتفاع منسوب المياه فى المحيطات والبحار.. وهو الخطر الأعظم الذى يهدد الأرض وما عليها.