قبل أشهر قليلة، تلقّت وحدة أوكرانية متخصصة في التصدي للطائرات الروسية بدون طيار سلاحًا أمريكيًا نوعيًا عبارة عن: مدفع رشاش "براوننج" قادر على إصابة أهداف على بعد أكثر من ميل. كان ذلك بمثابة هدية ثمينة تعكس التزام واشنطن تجاه كييف، ولكن، المشهد انقلب تمامًا. ففي إعلان صادم يوم الثلاثاء، أوقفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤقتًا تسليم أنظمة دفاع جوي وصواريخ دقيقة كانت ضمن حزمة دعم عسكرية ضخمة أُقرّت في عهد بايدن، وتُقدّر قيمتها ب 11 مليار دولار. ومن بين الأسلحة المعلّقة: صواريخ باتريوت لاعتراض الهجمات الجوية، وذخائر مدفعية موجهة، وصواريخ تُطلق من مقاتلات F-16 التي استلمتها أوكرانيا حديثًا. وفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، صرح قائد الوحدة الأوكرانية، أوليه فوروشيلوفسكي، بأن هذا القرار سيؤثر بشدة على قدرتنا القتالية". ولم يكن وحده من أعرب عن القلق؛ بل بدت كييف بأكملها في حالة ارتباك، خاصة وأن وزارة الدفاع الأوكرانية لم تتلقَّ أي إشعار رسمي، وطلبت توضيحات عاجلة من نظيرتها الأمريكية. من دعم مباشر إلى تراجع تدريجي لم يُقرّ ترامب، حتى الآن أي حزمة مساعدات جديدة، ما يُوحي بتوجه استراتيجي نحو الانسحاب من المشهد. وقالت البرلمانية الأوكرانية سولوميا بوبروفسكا: "إن أوكرانيا لم تعد أولوية، على الأقل ترامب صادق في ذلك". وبحسب الصحيفة الأمريكية ذاتها، فإن القلق بلغ ذروته حين استدعت أوكرانيا نائب رئيس البعثة الأمريكية في كييف، لمناقشة تداعيات تعليق الدعم، مؤكدة أن أي تأخير "لن يشجّع إلا المعتدي". تكرار متعمد أم مناورة مؤقتة؟ هذه ليست المرة الأولى، ففي مارس الماضي، أوقف البيت الأبيض المساعدات مؤقتًا بعد لقاء متوتر بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، ثم أعاد تفعيلها لاحقًا. ومنذ ذلك الحين، تتصاعد مؤشرات الانسحاب الأمريكي، بين ترديد إدارة ترامب لنقاط تتطابق مع خطاب الكرملين. وتراجع أوكرانيا في جدول أولويات قمة "الناتو" الأخيرة في لاهاي. بدوره، رحّب الكرملين بقرار واشنطن، واعتبره فرصة ل"نهاية أسرع للعملية العسكرية الخاصة"، كما قال المتحدث باسمه دميتري بيسكوف. الدفاع الأوكراني تحت الضغط تمتلك أوكرانيا حاليًا ثمانية أنظمة باتريوت، ستة منها تعمل بكفاءة، وتُركّز على حماية العاصمة كييف. لكنّ الذخائر تنفد، مما يصعّب صدّ الهجمات الروسية المتكررة، التي غالبًا تبدأ بمئات الطائرات المسيرة، تليها صواريخ باليستية قوية لا يمكن اعتراضها إلا بصواريخ باتريوت. ووصفت بوبروفسكا، الوضع ب"الحرج"، بينما أشارت إلى أن التوقف في تسليم بعض الأسلحة مثل المدفعية يمكن تعويضه من الإنتاج المحلي والدعم الأوروبي. بدائل وإستراتيجيات جديدة وفقًا للرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، تغطي الصناعة الدفاعية الأوكرانية الآن أكثر من 40% من احتياجات الحرب. كما بدأت كييف بتوقيع شراكات إنتاج مشترك مع بريطانيا، والدنمارك، والنرويج، تتيح تصنيع السلاح في أوروبا أو أوكرانيا، بتمويل الحلفاء وخبرة أوكرانية. وفي أبريل، صرّح زيلينسكي، أن بلاده مستعدة لشراء 10 أنظمة باتريوت مقابل نحو 15 مليار دولار، في تحول مهم من تلقي المساعدات إلى الشراء المباشر. ما القادم؟ رغم مؤشرات الانسحاب، قال ترامب في قمة الناتو إنه منفتح على إرسال مزيد من صواريخ باتريوت. لكن لم يتضح بعد هل ستكون ذخائر أم بطاريات كاملة، وهل سيتم التبرع بها أم بيعها. وفي هذه الأثناء، يحاول القادة العسكريون، أمثال فوروشيلوفسكي، الحفاظ على المعنويات. وقال من موقعه في ضواحي كييف: "يمكننا الصمود، لكن الكلفة ستكون باهظة"، حيث تواصل الطائرات الروسية التحليق... والرد ما زال معلقًا بين قرار سياسي وذخيرة قد لا تصل.