الذكاء الاصطناعي (AI) يُحدث نقلة نوعية في علم جينوم النباتات، فاتحًا آفاقًا غير مسبوقة لتحسين المحاصيل وضمان استدامة الإنتاج الزراعي في مواجهة تحديات المناخ المتزايدة. - نماذج اللغة الكبيرة ومفتاح فك الشيفرة الجينية للنباتات في عصر تتسارع فيه وتيرة الابتكارات الرقمية، برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي، خصوصًا نماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، كأدوات تحويلية في العديد من المجالات العلمية. في سياق الأبحاث البيولوجية، وبالأخص علم جينوم النباتات، أحدثت هذه النماذج ثورة حقيقية في تحليل البيانات المعقدة للمعلومات الحيوية. باتت نماذج الذكاء الاصطناعي قادرة على التنبؤ بوظائف الجينات، وتحديد شبكات التنظيم الجيني، وفهم تفاعلات البروتينات بدقة لم تكن ممكنة بالأساليب التقليدية. تكمن قوة هذه النماذج في قدرتها الفريدة على التعلم من كميات هائلة من البيانات غير المصنفة، ثم التكيف بفعالية مع مهام محددة باستخدام كميات محدودة من البيانات المصنفة. هذا ما يتيح تطبيقًا أوسع وأكثر دقة في دراسة التنوع الجيني للنباتات، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم أعمق لتركيب ووظائف الجينات النباتية. ◄ اقرأ أيضًا| «الألغام والدفاعات البحرية».. سباق تسلح خفي يشتد في الأعماق - إنجاز علمي صيني: فهم أعمق للوراثة النباتية في خطوة علمية بارزة، نجح فريق بحثي من جامعة هاينان الصينية في تحقيق تقدم نوعي من خلال استخدام نماذج اللغة الكبيرة لفك الشيفرة الجينية للنباتات. وقد استغل الباحثون التشابه البنيوي بين تسلسل الجينوم واللغة الطبيعية، فقاموا بتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على مجموعات ضخمة من بيانات الجينوم النباتي. مكّنت هذه النماذج من التنبؤ بوظائف الجينات بدقة عالية، والتعرف على الأنماط والعلاقات المعقدة ضمن الشيفرة الوراثية، بما في ذلك العناصر التنظيمية مثل المحفزات والمعززات. كما تنبأت هذه النماذج بأنماط التعبير الجيني في أنسجة نباتية مختلفة، وهي خطوة حاسمة لفهم كيفية تحكم الجينوم بعمليات النمو والتكيف لدى النبات. نُشرت نتائج هذه الدراسة الرائدة في عدد 2 يونيو 2025 من دورية «Tropical Plants». - نماذج ذكاء اصطناعي متخصصة.. دقة وكفاءة غير مسبوقة نجح الفريق الصيني في تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متخصصة مثل «AgroNT» و**«FloraBERT»**. وقد أظهرت هذه النماذج أداءً متفوقًا مقارنة بالنماذج العامة، خاصة في تفسير تعبير الجينات في أنسجة نباتية محددة. هذا النجاح يُبرز الأهمية البالغة لتصميم نماذج مخصصة تراعي الخصائص الفريدة لجينومات الأنواع النباتية المختلفة، مما يضمن دقة وكفاءة أعلى في التحليل. - تحسين المحاصيل والأمن الغذائي .. رؤية مستقبلية ترى الباحثة الرئيسية للدراسة، الدكتورة ميلينغ زو من كلية الزراعة والغابات الاستوائية بجامعة هاينان الصينية، أن الفهم الأعمق للجينات ووظائفها عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسرّع وتيرة تحسين المحاصيل. سواء كان ذلك عبر الهندسة الوراثية أو أساليب الانتقاء التقليدي، يهدف هذا التقدم إلى تعزيز مقاومة النباتات للأمراض، والجفاف، والملوحة، مما يضمن استدامة الإنتاج الزراعي في ظل التحديات المناخية المتزايدة. تؤكد الدكتورة زو أن دمج نماذج اللغة الكبيرة في علم الجينوم الزراعي يُعد خطوة محورية نحو تسريع عمليات تحسين المحاصيل، لما توفره هذه النماذج من قدرة على التنبؤ الدقيق بوظائف الجينات، وهو مفتاح أساسي لفهم السمات المرتبطة بالإنتاجية، ومقاومة الإجهاد، والقيمة الغذائية للنباتات. وأضافت أن هذه النماذج "تستطيع الكشف عن أنماط جينية وعلاقات معقدة لم يكن من الممكن رصدها من قبل؛ مما يمنح الباحثين أدوات قوية لتحليل كميات هائلة من البيانات الجينومية بسرعة وكفاءة، بما في ذلك البيانات الخاصة بالنباتات الاستوائية والأنواع التي لم تحظَ بتمثيل كافٍ في الدراسات السابقة. هذا يسهّل تطوير أصناف زراعية أكثر مقاومة وإنتاجية". ◄ اقرأ أيضًا| دراسة علمية صادمة.. «السجائر الإلكترونية» تُغيّر جينات الفم وتُهدد الصحة بصمت! - آفاق واسعة لدعم الأمن الغذائي العالمي يُسهم هذا التقدم بشكل مباشر في دعم الأمن الغذائي العالمي، لا سيما في ظل التغيرات المناخية المتسارعة والطلب المتزايد على الغذاء. يفتح هذا النهج الباب أمام فوائد طويلة المدى، أبرزها: تحقيق فهم أعمق وشامل لبيولوجيا النبات، وتحسين دقة التنبؤ بوظائف الجينات، وتعزيز القدرة على اكتشاف الصفات الوراثية المهمة. كما يتيح هذا المجال تطوير استراتيجيات تربية نباتية مخصصة، ويدعم تطبيق ممارسات زراعية مستدامة. على المدى البعيد، يمكن أن يؤدي هذا الدمج بين الذكاء الاصطناعي وعلوم النبات إلى إحداث طفرة نوعية في مجالات التكنولوجيا الحيوية والحفاظ على التنوع البيولوجي، بما يدعم الجهود العالمية الرامية إلى بناء أنظمة غذائية أكثر استدامة وكفاءة.