وجدتنى استحضر التاريخ كله وأنا أستعد للمشاركة فى الندوة المهمة التى أقيمت بالأكاديمية المصرية للفنون بروما تحت عنوان «الأدب المصرى بين الماضى والحاضر»، قصة إنشاء الأكاديمية تبعث فى النفس أشواقًا وحنينًا لزمن الرواد الذين تركوا لنا قبل رحيلهم عن دنيانا أثرا ثقافيًا وإنسانيًا باقيًا، خالدًا، مؤثرًا. «راغب عياد» الشاب الذى سافر مبعوثا إلى روما عام 1924 على نفقة الأمير يوسف كمال. لاحظ الشاب الشغوف بالفن، المعجون بالوطنية وحب مصر أن الدول الأوروبية تقيم أكاديميات للفنون فى روما. حيث يجد الموهوبون فرصا للتعلم والاحتكاك بالثقافة والفنون فى بلد الفن إيطاليا. كتب الشاب الصغير إلى أحمد ذو الفقار وزير مصر المفوض فى روما يشرح له الفكرة، ويطلب منه تبنى هذا المشروع مع الحكومة المصرية. لاقى الخطاب استحسان الوزير المصرى المفوض فى روما لأنه كان مكتوبا بقوة الإحساس والإيمان الشديد بالفكرة، هكذا بدأت الأكاديمية المصرية للفنون بروما منذ مائة عام على يد فنان رائد فكر فى بلده وتحرك سريعا ليحول الحلم إلى حقيقة رائعة شامخة حتى اليوم. استدعيت كل هذا وأنا أتنقل بعينى فى منطقة «حدائق بورجيزي» التى تعد من أغلى وأرقى الأحياء فى روما. تقف الأكاديمية المصرية بأناقة وشموخ وسط 16 أكاديمية أخرى لبلدان متقدمة منها: الأكاديمية الفرنسية واليابانية والدنماركية والرومانية وغيرها. شعاع ثقافى مهم يضيء سماء روما ليقول إن قوة مصر الناعمة مستمرة وجذورها عريقة وممتدة، لم يكن هذا هو أول مقر للأكاديمية بل كان الأول مبنى قديما وصغيرا، ثم تشاء الأقدار أن تحصل مصر على فرصة عظيمة لتغيير مكان أكاديميتها فى أفخم حى فى روما ودون أن تدفع مقابله مليما واحدا!. كيف حدث ذلك؟ إليكم القصة الجميلة الملهمة: قدمت البعثة الدبلوماسية الإيطالية بالقاهرة مذكرة للحكومة المصرية ذكرت فيها: «أن حكومة صاحب الجلالة ملك إيطاليا مستعدة لمنح مساحة من الأرض فى وادى جوليا، حيث توجد مبانى معظم الأكاديميات، وذلك لبناء الأكاديمية المصرية، مقابل مساحة أرض تمنح من حكومة صاحب الجلالة ملك مصر لإيطاليا لإقامة معهد لدراسة الحفريات فى القاهرة». هكذا أصبحنا نملك صرحا ثقافيا يدعو للفخر والاعتزاز. تعاقب على إدارته شخصيات مصرية مرموقة والآن تتولى إدارتها بحب وتفان الدكتورة رانيا يحيى التى استطاعت أن تحيى الأكاديمية بعد فترة ركود وأن تعيد إليها الوهج والتأثير. أما الندوة والمعرض الفنى والحفل الموسيقى. تلك الفاعليات الثلاث التى تضمنتها أمسية الخميس الماضى السادس والعشرين من يونيو فسوف أفرد لها مقالى القادم إن شاء الله.