لا شك أن ثورة 30 يونيو كانت وما زالت لحظة فارقة سياسيًا واجتماعيًا فى تاريخ مصر الحديث، ولها تأثير عميق ومتشعب على السينما والدراما التليفزيونية، التى تعرضت لصدمة عنيفة عقب أحداث يناير مباشرة، حيث عانت من عثرات ودخلت فى أزمات، لدرجة أنه تم اتهامها بأنها تعمل على طمس الهوية المصرية، بعد أن خرجت عن نطاقها الطبيعى بشكل كبير فى محتوى النص، وما يحمله من نماذج اجتماعية غريبة عن مجتمعنا، مثل شخصيات «البلطجى والشرير والفاسد»، والتركيز على أوضاع الطبقة العشوائية، واستغل بعض صناع الدراما حالة الفوضى التى أعقبت 25 يناير فى التركيز على تلك التوعية من المسلسلات والأفلام، ولكن عندما جاءت ثورة 30 يونيو أدركت منذ اللحظات الأولى أهمية الفنون بصفة عامة، والدراما بصفة خاصة كقوى ناعمة وأداة لتوصيل أفكارها وآرائها للجماهير، وإقناعهم بتوجهاتها الجديدة وإعادة تشكيل الوعي، فحدثت حالة من التغيير فى المضمون والاتجاهات، فنجد صعود خطاب الدولة الوطنية، وبرزت الأعمال التى تؤكد على هوية الدولة المصرية ودور الجيش والشرطة فى حماية الوطن من التهديدات الإرهابية والإخوانية، فجاء مسلسل الاختيار- بأجزائه- ليوثق دراميا مرحلة مهمة من تاريخ مصر، ثم فيلم «الممر» الذى يقدم نموذجا للبطولات التى قدمتها القوات المسلحة المصرية على مدار تاريخها ومسلسل «هجمة مرتدة» والذى قدم للمشاهد صورة حقيقية للحرب الذى تخوضها مصر للحفاظ على الدولة المصرية وهويتها، ومسلسل «العائدون». والذى تنبأ بما سوف يحدث فى سوريا، وفيلم «السرب» الذى تناول حدثًا حقيقيًا فى الأراضى الليبية وثأر القوات الجوية المصرية لاستشهاد عدد من المصريين هناك على يد تنظيم داعش، فهذه الأعمال تبنّت رؤية سياسية تتفق مع توجهات الدولة بعد الثورة، وهدفت إلى بناء صورة «المواطن البطل» و«الجيش الحامي»، مما خلق نوعًا جديدًا من الدراما السياسية شبه التوثيقية، من خلال تمويل ضخم وجودة إنتاج عالية فأصبحت الدراما منبرًا توعويًا ونافذة لمخاطبة الجمهور برسائل توعية سياسية، تعتمد على جودة الإنتاج «تقنيات، ملابس، تصوير» وعودة البطولة الجماعية فى أعمال مثل «الاختيار والعائدون» مما جذب فئات جديدة من الجمهور نحو الأعمال الوطنية، مما أعاد السينما المصرية إلى «الخط الوطني» كما حدث فى الستينيات، لكن على حساب أفلام السينما المستقلة أو التى تناقش قضايا معيشية حساسة. ثورة 30 يونيو أحدثت تحولًا جذريًا فى ملامح الدراما والسينما المصرية، حيث تصدرت أعمال الأمن والهوية الوطنية، وظهرت سياسات إنتاج جديدة تعكس توجه الدولة، لكن التحدى المستقبلى يبقى فى تحقيق التوازن بين تقديم خطاب وطنى محترف، وعدم قتل التنوع والجرأة الفكرية والفنية.