صدر حديثًا عن إحدى دور النشر في مصر، رواية "البحث عن مصطفى سعيد" للكاتب السوداني عماد البليك، التي تشكل محاولة سردية متجددة لفهم واقع المثقف السوداني في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي عصفت بالبلاد خلال السنوات الأخيرة. في هذه الرواية التي استغرق الكاتب في تحضيرها أكثر من سبع سنوات، يقدم البليك قراءة معاصرة لشبح شخصية مصطفى سعيد الشهيرة في "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، لكنه لا يعيد إنتاج البطل السابق بل يسعى إلى تجاوزه عبر شخصية جديدة هي "محمود سيد أحمد"، المثقف العائد من الغربة بعد الثورة، والذي يجد نفسه محاصرًا بين الحلم الوطني والواقع المؤلم للفساد والحرب. يقول عماد البليك في تصريح خاص: "جاءت فكرة الرواية أثناء تواجدي في سلطنة عمان قبل سنوات، لكني لم أتمكن من إنهائها إلا بعد أن استقريت في لندن، حيث شكلت التجربة الجديدة وتطورات السودان الأخيرة وقودًا لإعادة الكتابة والتفكير في النص." تبدأ الرواية مع عودة محمود إلى الخرطوم بعد الثورة، مؤمنًا بأن بإمكانه المشاركة في بناء الوطن، لكنه سرعان ما يواجه خيبات متكررة، فسادًا مستشريًا، وحربًا مدمرة. تدفعه هذه المعاناة إلى المنفى مجددًا، وهذه المرة إلى لندن، حيث يتلاحقه "شبح" مصطفى سعيد ليس فقط كرمز أدبي، بل كحالة نفسية تمثل مأساة جيل كامل عالق بين وطن مهدد وهجرة لا تُجدي. ينقل البليك من خلال لغة سردية تجمع بين المونولوج الداخلي والتداعي الزمني تفاصيل رحلة البطل النفسية والفكرية، التي تتشابك فيها الذكريات، الكوابيس، وأحداث الوطن المضطرب. تستحضر الرواية بذلك الحيرة الوجودية للمثقف في زمن الفوضى، وتسائل إمكانيات النجاة في عالم مكسور. ويرى النقاد أن "البحث عن مصطفى سعيد" ليست مجرد استذكار لشخصية أدبية محورية، بل قراءة نقدية تعيد طرح أسئلة الهوية، المنفى، ومسؤولية المثقف تجاه وطنه. حيث يعكس البطل محمود حالة "الظل" التي يعيشها جيل بعد الحلم والثورة، مليء بالخسائر والانكسارات، محاولاً البحث عن ذاته وسط ركام الوطن. تأتي الرواية في وقت يمر فيه السودان بمرحلة عصيبة من الصراعات السياسية والاجتماعية، مما يجعلها شهادة سردية على زمن يتداخل فيه الخاص والعام، الفردي والجماعي، الحلم والواقع. كما تطرح تساؤلات عميقة حول حدود المثقف ودوره في مواجهة الانهيار، وتطرح سؤالًا وجوديًا حول معنى الاستمرار في عالم مليء بالخيبات. يمكن اعتبار "البحث عن مصطفى سعيد" مساهمة أدبية بارزة تعكس عمق الأزمة السودانية من خلال تجربة شخصية، ولغة سردية تحاكي تيار الوعي، بأسلوب يمزج بين الفلسفة، الألم، والأمل الخافت. الرواية متاحة الآن في المكتبات وعلى المنصات الرقمية، وتُعد إضافة نوعية لمشهد الأدب السوداني الحديث، وخاصة في معالجة قضايا الهوية، المنفى، والتاريخ السياسي المعاصر.