صاح: امسكوا المحرر ده هو مافيش غيره ، اعتقدت جديته فى تهديده وهربت صاعدا للطابق العاشر بدون المصعد! . حتى الآن لن أنسى أننى كنت السبب وراء المرة الوحيدة التى تمرد فيها أعضاء قسم التصوير فى منتصف الثمانينات عندما قرروا جميعا رفضهم الذهاب معى إلى مشرحة زينهم لحضور تشريح جثة مريض الإيدز الذى قُتل أثناء محاولة الهروب من مستشفى الحميات. كان الذعر الذى اجتاح العالم وقتها عن انتشار العدوى وأن الموت النهاية الوحيدة للإصابة به سببا فى تمرد قسم التصوير ولكن أنقذ الموقف المرحوم عادل حسنى رئيس القسم بمبادرته مصاحبتى للمشرحة . العمل الصحفى خاصة الميدانى لا يكتمل فعليا إلا بالصورة، خاصة عندما يكون صاحبها مبدع وموهوب فيقدم صورة تشرح الكلام المكتوب وتفسره للقارئ وما كان أكثر هؤلاء المبدعين والموهبين من رواد قسم التصوير الصحفى فى دار أخبار اليوم الذى قدم نجوما يفتخر بهم تاريخ الصحافة فى مصر وبمرو الوقت توطدت علاقتى بهؤلاء على مدى 40 عاما وأصبح لى مع كل واحد منهم حكايات صنعت لى قصص نجاح موضوعاتى الصحفية.. فاروق إبراهيم نجم النجوم الصديق المقرب لعمالقة الفن من أم كلثوم وعبد الحليم وكثير من الرؤساء والملوك ..عندما كان ينزل فى مهمة ينسى كل ما ذكرته ويصبح همه فقط فى الصورة الحلوة. حتى لو كان الصحفى صاحب الموضوع محررا تحت التمرين لا يخجل ولا يتكبر أن يصعد فوق سطح عمارة على قدميه أو يسير فوق تل مخلفات حتى يلتقط الصورة المعبرة ...هذا العملاق كان يحمل فى جوفه قلب طفل ..لا أنسى يوم صاحبنى للفيوم لتغطية جلسة النطق بالحكم فى قضية مقتل زوجين فى جريمة هزت الرأى العام .. وأثناء الجلسة كان ممثل الادعاء يشير لفظاعة الجريمة التى خلفت وراءها رضيعا لم ينتبه القاتل لوجوده وتقدمت خالة الرضيع تحمله فى القاعة وكان لا يكف عن البكاء وتأثر فاروق إبراهيم بمشهد الرضيع الذى يتمته الجريمة وارتفع صوت فاروق إبراهيم بالبكاء لتشاركه القاعة كلها البكاء والنحيب واضطر القاضى صديقى الحميم لرفع الجلسة مؤقتا ويستدعينى لغرفة المداولة قائلا: إيه يا أستاذ حسين أنت جايب لنا فاروق إبراهيم يبوظ الجلسة قالها مبتسما مقدرا مشاعر فاروق إبراهيم الذى يعرف قدره جيدا ليعود للقاعة ويحكم بإعدام القاتل النذل.. رضا مصطفى الطيبة والجدعنة كانت سمة جيل الرواد الذين بدأت معهم مشوار العمل منذ البداية، حيث كنت مصابا بفرط النشاط فشبكة علاقاتى الواسعة التى تكونت مع مصادر أمنية وغيرهم كانت تقدم أفكار موضوعات تنفيذها يكون ميدانيا وسريعا وكان ذلك إرهاقا على قسم التصوير حتى إن مهمات العمل كانت تصل أحيانا إلى مرتين أو ثلاث فى اليوم .. فى بداية التحاقى بأخبار اليوم كان يوم الجمعة ذروة العمل وكان رئيس القسم المرحوم رضا مصطفى كان بجانب موهبته مشهورا بجدعنته وطيبته لم أكن أعرفه جيدا حينما قدمت له ثالث بون تصوير لم أدرك أنه يمزح معى حينما صاح امسكوا المحرر ده هو مافيش غيره اعتقدت جديته فى تهديده وهربت صاعدا للطابق العاشر بدون المصعد ليلتف حولى الجميع فى دهشة لم يقطعها سوى وصول المرحوم رضا وهو يضحك وهو يربت على كتفى قائلا: أيوه ياللاه على الشغل أنا اللى معاك. محمد يوسف العنانى للمرة الثانية يحدث التوتر مع الزملاء لم يكن قد مر على التحاقى متدربا بالجريدة سوى أسابيع حينما كلفت بتحقيق عن ظاهرة قيام بعض المقاهى فى مناطق عشوائية بعرض أفلام فيديو اباحية لجذب الشباب تحصيل مبالغ كبيرة نظير المشاهدة. اكتشفت أن أماكن ليست سوى غرز فى مناطق نائية وعشوائية تحت سيطرة عتاة الإجرام ولا مانع لديهم قتل من تسول له نفسه فضح نشاطهم وهو ما يدركه كل الزملاء. ورغم ذلك كان قرار المرحوم محمد يوسف العنانى مشاركتى العملية الانتحارية فى منطقة الفرز بالشرابية ليستخدم كل موهبته فى تطويع كاميرته للتصوير دون أن يشعر أحد بحقيقة ما يقوم به وتضطر الجريدة بنشر كل صوره والاكتفاء بمقدمة عن الموضوع وتعليقات مختصرة للصور ليتسبب النشر فى توجيه الداخلية لحملات مكثفة قضت وقتها على ظاهرة الغرز والمقاهى التى تعرض أفلاما مخلة ... خالد الباجورى كنت من الصحفيين الذين شاركوا الشرطة فى اقتحام النخيلة والقضاء على أسطورة عزت حنفي.. كان بصحبتى زميلى المصور خالد الباجورى.. من البداية حينما قررنا الذهاب للمستشفى حيث نقل عزت حنفى بعد إصابته بالرصاص استغللت علاقتى بقيادات الشرطة لمقابلة عزت الذى كان يرفض فى البداية أية لقاءات بمجرد دخولنا لغرفته فوجئت بخالد الباجورى يقنع عزت حنفى أن ربنا بيحبه بأن حسين عبد القادر هو اللى حضر لمقابلته وظل يحكى لعزت كيف أننى رفضت فضح كثير من حياته الشخصية بإهمال أوراق ومستندات وأخبره كيف استوليت على استمارة تقديمه الالتحاق بكلية الشرطة حتى أؤكد أنه إنسان مثقف ويحب وطنه ليسيطر خالد على مشاعر عزت حنفى بحكاياته المتلاحقة عن تصرفاتى نحو ما عثرت عليه بمنزله ليصبح عزت تحت سيطرتنا تماما بل ويختار زوايا تصويره ويسهب فى اعترفاته فى أجرأ حوار له انفردت بنشره أخبار اليوم.. عبد الهادى كامل مصور من طراز مختلف ساقه لى القدر ليشاركنى أخطر المهام الصحفية داخل البلاد وخارج الحدود لا يتكلم كثيرا كان أكثر مخادع قبل كل مهمة يكفى أن أشرح له طبيعة الموضوع والغرض منه لينطبع أى تواصل معه أن أرصدة واكتب وهو يتحرك بكاميرته فى حركة مكوكية وفى كل مرة يوهمنى أنه فاته تصوير كل المطلوب ولكن بمراجعة صوره اكتشف ملعوبه الدائم وكيف أن ولد موهوبا ..كان معى فى الجبهات فى الحرب الإرتيرية وإثيوبيا تعرضنا للموت أكثر من مرة اضطررنا لتغطية أجسادنا بدماء الجنود القتلى حتى لا يقتلنا الجنود الإثيوبيون لو اكتشفوا أننا أحياء.. وأفلت من الموت بأعجوبة حينما رصده الإثيوبيون فوق هضبة وهو يصوب كاميرته لموقعهم فأطلقوا قذيفة نحوه أنقذته الصدفة بترك موقعه فى نفس اللحظة ليلحق بنيجاتف الفيلم الذى سقط منه.. ولا أنسى عندما قضينا ساعات الليل نبكى سويا عندما اقتربت القوات الإثيوبية لتقتحم العاصمة أسمرة وكان معروفا عنهم الوحشية والهمجية بقتل كل من يدركوه حيا كان ما يقلقنا أننا سنقتل ولن يعثر على جثثنا لتدفن فى الوطن ولم ينقذ مصيرنا سوى قرار السفارة استضافتنا بها وأرسل السفير القنصل سيارته لينقلنا لمقر السفارة. لنبقى تحت حمايتها الدبلوماسية ثم كان صدور قرار وقف إطلاق النار... ولكن أطرف موقف تعرضنا له هو وقوع قصة حب وإعجاب من موظفة فندقنا الخالى من الزبائن بعبد الهادى وافتضح الأمر باعتراضها على تناولى البيضة الوحيدة بالفندق وكانت قد خصت به عبد الهادى وجن جنونها التهامى لها .. وظل عبد الهادى أنه إعجاب من جانب واحد وهى التى ظلت تطارده بنظرات الإعجاب.. ومرة أخرى ولكن هذه المرة فى مصر تعرضنا للموت المحقق مرات عديدة تحت دفعات رصاص الإرهابيين من أنجاس بيت المقدس فى سيناء ونحن نغطى ميدانيا بطولات الشرطة فى مواجهة وتصفية الإرهاب بسيناء كانت ذكريات مغموسة بالحب والإخلاص فكان النجاح .