البطريرك يونان يتفقّد كنيسة مار إلياس في دمشق بعد التفجير الإرهابي    الدولار يتراجع 15 قرشا ويسجل 49.95 جنيه    البنك الدولي يوافق على منحة 146 مليون دولار لدعم كهرباء سوريا    وكالة أنباء الأناضول ترصد مبان استهدف فيها علماء نوويون في طهران    أردوغان يلتقي رئيس الوزراء البريطاني على هامش قمة الناتو    فيفا يحقق في أزمة روديجر بمونديال الأندية    السجن المؤبد لعاطل تعدى على شقيقه القاصر داخل منزلهما في الإسكندرية    حتى 29 يونيو.. عروض مسرحية النداهة ضمن الموسم المسرحي بالوادي الجديد    في أسبوعين..تامر حسني يكسر حاجز ال 12 مليون مشاهدة ب حلال فيك    الرئيس السيسي يصدر 4 قرارات رئاسية جديدة    اليوم.. «المحامين» تعلن موعد الإضراب العام اعتراضًا على الرسوم القضائية    شكوك بقدرة نتنياهو على استغلال تأييد الإسرائيليين الحرب على إيران    «العربية لحقوق الإنسان»: مراكز المساعدات لمؤسسة غزةتشكل انتهاكاً خطيراً لمبادئ القانون الإنساني    الأمم المتحدة: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران فرصة لتفادي تصعيد كارثي    محافظ بورسعيد يكشف سبب هدم قرية الفردوس    بيراميدز يعطي فيستون ماييلي الضوء الأخضر للرحيل.. ويوضح موقف مصطفى محمد من الانضمام للفريق    محمد شريف: أتفاوض مع 3 أندية من بينها الزمالك وبيراميدز    شبانة: جسلة منتظرة بين الخطيب وريبيرو لحسم موجة التعاقدات الثانية بالأهلي    «تمركزه خاطئ.. ويتحمل 3 أهداف».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على محمد الشناوي    ميسي يواجه باريس سان جيرمان بذكريات سيئة    جهاز تنمية المشروعات يطلق الموسم الرابع من مسابقة Startup Power    محافظ الفيوم يتابع تنفيذ المرحلة الثالثة من الموجة 26 لإزالة التعديات على أملاك الدولة    البورصة المصرية تربح 27.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الأربعاء    نانسي عجرم ومارسيل خليفة يشاركان في مهرجان صيدا الدولي أغسطس المقبل    عبلة كامل تتصدر التريند بعد أحدث ظهور لها    لقاء عاطفي وترقية بالعمل.. حظ برج السرطان في الأسبوع الأخير من يونيو 2025    «حمى القراءة.. دوار الكتابة».. جديد الروائي الأردني جلال برجس    التقويم الهجري: من الهجرة إلى الحساب القمري.. قصة زمنية من عهد عمر بن الخطاب حتى اليوم    هيئة التأمين الصحي توقع بروتوكول تعاون لتعزيز التحول الرقمي في خدمات رعاية المرضى    عاجل- مدبولي يستعرض نتائج تعاون جامعة أكسفورد ومستشفى 500500 لتطوير العلاج الجيني للسرطان    البطريرك يوحنا العاشر يتلقى تعازي بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا    محافظ الفيوم يهنئ الرئيس عبدالفتاح السيسي بالعام الهجري الجديد    الرئيس السيسي يؤكد لنظيره الإيراني رفض مصر للهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف قطر    المشاط تبحث مع المنتدى الاقتصادي العالمي تفعيل خطاب نوايا «محفز النمو الاقتصادي والتنمية»    تطور قضائي بشأن السيدة المتسببة في حادث دهس "النرجس"    محافظ الجيزة يتابع ميدانياً جهود إطفاء حريق بمخزن دهانات بمنطقة البراجيل بأوسيم    القبض على صاحب فيديو سرقة سلسلة ذهبية من محل صاغة بالجيزة    اليوم.. محمد ثروت ضيف برنامج "فضفضت أوي" على Watch It    كشف غموض اندلاع حريق في مخزن مواسير بلاستيك بسوهاج    أستاذ بالأزهر يحذر من انتشار المرض النفسي خاصة بين البنات والسيدات    النيابة العامة تؤكد استمرار تصديها للوقائع المتضمنة انتهاكات للقيم والمجتمع    قرار جمهوري بتعيين سلافة جويلي مديرا للأكاديمية الوطنية للتدريب    رابط رسمي.. نتائج امتحانات نهاية العام في كليات جامعة أسيوط    المؤتمر الطبى الأفريقى .. عبدالغفار يشيد بجهود"الرعاية الصحية" في السياحة العلاجية والتحول الرقمي    توريد 3 أجهزة طبية لمعامل مستشفى الأطفال بأبو حمص بتكلفة 4 ملايين جنيه    بحكم القانون.. كيف يمكنك الغياب عن العمل وتقاضي أجرك كاملًا؟    طفرة تسليحية بأيدٍ مصرية تدريب تخصصى وفقًا لأحدث الأساليب العلمية    «دعاء السنة الهجرية».. ماذا يقال في بداية العام الهجري؟    وزير الرياضة: منتخب اليد يستحق جهازا فنيا على أعلى مستوى    وزيرة التخطيط تلتقى ممثلى مجتمع الأعمال الصينى خلال المنتدى الاقتصادي العالمي    تحرير 145 محضرًا للمحال المخالفة لقرارات ترشيد الكهرباء    الترجي ضد تشيلسي.. الجماهير التونسية تتألق برسائل فلسطين في مونديال الأندية    محافظ القاهرة يبحث مع وزير الثقافة تحويل حديقة الأندلس لمركز فنى وثقافى    صور جديدة تظهر الأضرار اللاحقة بمنشآت فوردو وأصفهان ونطنز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 25-6-2025 في محافظة قنا    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة.. مواجهات نارية في كأس العالم للأندية    رسميًا درجات تنسيق الثانوية العامة 2025 في بورسعيد.. سجل الآن (رابط مباشر)    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منطق العازف فى مشهد النهاية

فى طريقها من طهران إلى تل أبيب أضاءت الصواريخ السماء لتُسجَّل لفترة مقبلة فى ذاكرة الصور الأيقونية، ورغم الرمزية العالية لهذه الصورة، إلا أن تأثيرها الواقعى على مآلات الحرب يبقى أضعف مما يبدو؛ لكن هذا النوع من الصراعات له أوجه متعددة تتغلغل فى المجالات كافة، وكل يدخل إلى النقاش من زاويته وانحيازاته: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أن البعد الدينى يبرز هنا كعامل أخطر يُبقى الصراع مشتعلًا حتى بعد توقف الأعمال العسكرية.
خلال سير المعارك، وبين إجهاد متابعة الأرقام والإحصائيات، وبين محاولات منهكة وتكاد تكون عبثية لتمييز الحقيقى من المزيف، لا بد أن مشاهد إطلاق الصواريخ كانت الأكثر تشويقًا، ومن بينها شدَّنى فيديو لمجموعة من الناس يسهرون فى الهواء الطلق. هواتفهم توثق لحظة مرور الصواريخ الإيرانية كالبرق فى السماء باتجاه تل أبيب، بينما عازف ساكسفون يتمايل على إيقاع لحنه.
شاهدت الفيديو مرات، معجبًا بأن كل تفصيلة وحركة كانت فى مكانها الملائم بالضبط حتى أن الشك ساورنى أنه إنتاج محترف من الذكاء الاصطناعي، لكن ليست الرغبة فى معرفة حقيقته ما جعلنى أعيد المشاهدة مرات، بل لأن المعنى العام من وراء العمل، التلقائي، كان مريحًا نفسيًا فى لحظة توتر قصوى، والفضل يعود للعازف الذى لم يكن مطلوبًا منه فى تلك اللحظة إلا أن يلتزم بما يفعله، أى تصرف آخر كان ليفسد المشهد والفيديو بأكمله، وهو سواء كان إنتاجًا بشريًا أم آليًا فدلالته الإنسانية فى الحالتين واضحة وضوح المعنى فى قصص الأطفال والكارتون الخالية من التعقيدات.
كان الصداع والإرهاق قد تمكنا منى من كثرة ما تابعت من أخبار وتحليلات إلى أن وجدت ضالتى عند العازف، أسعى بإلهام منه لتذكر قصص مرت علىّ سابقًا من التراث الإنساني.. أفعال فردية وقت الحروب تبدو وكأنها لا معنى لها، أو بلا أهمية مقارنة مع الأحداث الجارية، رسم لوحة مثلًا وسط حرب مهلكة، زراعة نبتة فى أرض محروقة، قصة حب لا تبالى بإنذارات النهاية!
مؤكد أن كل فعل فردى وقت الحروب يقف وراءه منطق قوى وقناعات راسخة، تختلف عن تردّد التصرفات فى الأيام العادية، وعليه تُنسج الأساطير فيما بعد حول قصص الحروب، والتفضيلات الشخصية وحدها ما يبقى قصة وتمحو أخرى، وعليه فتخيل منطق العازف هنا لا يعتمد إلا على تصور لا علاقة له بالحرب نفسها، ولا بمشروعية طرف فى الدفاع عن نفسه، ولا بحق مواطنين فى تبنى خطابات الدفاع عن الأرض والوطن.
منطق العازف لا يغفل كل ذلك ولا يتجاهله، وموقفه لا ينبنى بالتأكيد على اللامبالاة. فعزف مقطوعة موسيقية وسط حرب يتطلب مجهودًا مضاعفًا؛ لا يتعلق الأمر بالفن وحسب، بل بالوعى التام بتفاصيل الصراع وأطرافه وأهدافه. من هنا، يأتى اختيار العازف للترفع الكامل عن المشاركة إلا بفعل فردى ينبع من وجهة نظر شخصية. فى حالتنا هذه، وفى حالات مماثلة سابقة، ينأى العازف بنفسه عن أن يكون مجرد مفردة فى نسيج عصر عبثى، رافضًا الانسياق خلف عمى يهدد الحياة نفسها.
وسط الأطراف المختلفة يقف العازف يؤدى دوره الخاص فى الأحداث بمقطوعته الموسيقية، يمكن تخيل أنه سيحافظ على أدائها إلى أن يصيبه صاروخ ما، وليس فى ذلك شجاعة ما، كما أنه ليس هروبًا من الواقع بقدر ما هو فهم لطبيعة وحدود دوره، فمثلما لدينا صناع للموت والدمار، ومشجعون على الناحيتين يصرخون طالبين المزيد، فلدينا تعبير رمزى عن قدرة الحياة على مواصلة تدفقها حتى وإن كانت بنغمات خافتة مقارنة بالإيقاع الكريه لأصوات الانفجارات.
وهنا، يبرز التناقض الصارخ بين هذا المنطق الذى يمثله العازف، وبين النداء المعتاد فى مثل هذه الحالات: «اختر فريقًا.» هذا النداء المصحوب بانفعالات قد تخرج عن السيطرة، حيث تصبح الحقيقة أحادية ولا تحتمل التجزئة، والكلمة غير المتيقنة قد تسقط صاحبها فى شبهة انحياز خاطئ.
فى خضم هذا الجنون، قد يبدو فى تحليل منطق العازف بينما البوارج والقطع الحربية فى طريقها إلينا صرفًا للوقت فى غير محله، لكنه فى الحقيقة سؤال عن معنى الإنسانية فى زمن العبث، فمع أن الحروب كلها لا منطق لها إلا أن ما نحن بصدده ليس معركة عادية، وليس صراع مصالح وأطماع مما ألفناه، بل صراع وجودى يهدد فيه كل طرف بفناء الآخر، وتتزايد فيه تعبئة الرموز الدينية واستدعاؤها إلى أرض الواقع، بإلزامات لا لبس فيها.
لا يعد منطق العازف بتقديم حل ما، لا يسعى لأن يكون تحليلًا ينافس التحليلات الأخرى، ثم إنه ليس قراءة أو استبصارًا، ولكنه يقدم منظورًا ضروريًا للبقاء أو على الأقل للتماسك فى عالم مضطرب، ليس ترفًا ولا هو مجرد خلفية مناسبة لأعمال الحرب بل طريقة للتفكير، وفق مبدأ فلسفة الزن التى ترى أن الانتباه الكافى إلى أفكارنا يمكن أن يحررنا من سيطرتها، مما يمكننا من التصرف بوعى تام ومنطق يتناسب مع الحاضر.
يقرر العازف الاستسلام التام لمقطوعته الموسيقية، بلا انشغال كبير بتأثير فعله على من حوله، على المستمعين الذين أصبحوا مراقبين وشهودًا على مرور الصواريخ، يتماهى عزفه بشكل ما مع اللحظة بأكملها، يتوقف الزمن بالنسبة إليه فى تلك اللحظة تحديدًا، يصبح قادرًا على رؤية الأمور بصورة واضحة ومن دون أن يبذل مجهودًا فى التفكير فيها أو تحليلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.