الشرقية: إسلام عبد الخالق وسط مدينة الزقازيق، وبينما تنير الألوان المكان وتعلو الزغاريد ويصدح صوت الموسيقى الصاخبة ابتهاجًا بالعُرس، كان بين الجموع واحدة فقط لم تساير ما يحدث رغم أنها من المفترض أن تكون صاحبته.. «العروس الباكية»؛ هكذا شاهدها الجميع رغم عدم مغادرة دموعها عينيها، لكن ملامحها والوجوم الذي بدا عليها ليصبغها بصبغة التوهان وهي إلى جوار عريسها تتلقى التهاني و»التبريكات» أكد أن في الأمر شيئًا لا يساير البهجة، خاصةً وأن العروس كان إلى جوارها عريسها يؤتي بحركات انفعالية من تلك التي اعتادها من هم مثله ممن ابتلاهم الله ب «متلازمة داون»، وسريعا ما بدأ الجميع يسأل عن سر العروس الصامتة الحزينة ليلة عُرسها. مقطع فيديو لا يتجاوز سبع وعشرون ثانية على السوشيال ميديا أحدث ضجيجًا لم يسبق للناس أن أحدثوه وهم يشاهدون عروسًا بملامح باردة، وكأنها تزف إلى موتها بدلًا من بيت الزوجية، لتبدأ دائرة ردود الأفعال في الاتساع وتشمل أهل المدينة والمحافظة وصولًا إلى الملايين من متابعي وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة الذين جذبهم مقطع الذي التقطه أحد المدعوين ونشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، وسط سيل من التعليقات الغاضبة التي تطالب جميعها المسئولين وكافة الجهات المعنية بالتدخل، خاصةً وأن العروس الشاب بدت ملامحها – رغم جمود حزنها - طفلة لم تغادر سنوات صغرها بعدْ، أو تصل إلى تلك السن التي تسمح لها بالزواج وتحمل المسؤولية. جذبت الواقعة وما آثاره مقطع الفيديو اهتمام القائمين على رعاية الطفولة والأمومة في محافظة الشرقية، الذين بدورهم أهابوا بالنائب العام ومكتب حماية الطفل بالتدخل الفوري لرفع الضرر عن العروس، وسط تأكيد من جانب المسئولين على أن العروس قاصر لم تتجاوز عمر الطفولة بعد، ولم تصل إلى السن القانونية للزواج. والد العريس بالتزامن مع تحرك المجلس القومي للطفولة والأمومة خرج «عبدالعاطي» المزارع العجوز صاحب السبعين عامًا، والد العريس «محمد» ليؤكد على طيبة قلب نجله وأن حديث الناس قد أفسد عليهم فرحتهم، قبل أن يستكمل حديثه دون إشارة إلى معاناة ابنه من «متلازمة داون»، إذاكتفى الأب بالتأكيد على أن العريس أصغر أولاده الستة لكنه أطيبهم وأبرهم به. الأب أكد خلال حديثه: أن الزواج قد حدث بين العروسين بعد قصة حب دامت لعدة أشهر قبل ارتباطهما بصورة رسمية، لافتًا إلى أن نجله كان يعمل فى محل قطع غيار وصيانة دراجات نارية بثلاث عجلات (تكاتك) في مدينة الصالحية الجديدة، حيث يتولى الشاب الإنفاق على نفسه، وأثناء عمله هناك تعرف على العروس «ماجدة» وبدأت بينهما قصة الحب التي تطورت إلى خطوبة استمرت نحو ثمانية أشهر قبل أن يتم زواجهما بحضور الأهل والأحباب. حديث الأب رغم ما حمله من مشاعر ودودة، إلا أن القانون كانت له الكلمة العليا في غضون ساعات؛ إذ أمر النائب العام بفتح تحقيقات موسعة في الواقعة وما تحمله من كافة ملابسات، ليتم استدعاء العروسين ووالدي كلٍ منهما إلى سراي النيابة في مدينة الصالحية الجديدة، خاصةً وأن المجلس القومي للطفولة والأمومة قد أكد على عدم أهلية العروس للزواج كونها لم تبلغ عامها الثامن عشر بعدْ. بلاغ الواقعة كان المجلس القومي للطفولة والأمومة، أبلغ مكتب النائب العام ومكتب حماية الطفل بشأن رصد فيديو زواج فتاة قاصر في مدينة الصالحية الجديدة؛ إذ انتشر مقطع الفيديو خلال ساعات من حفل الزفاف على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» تظهر خلاله العروس «الطفلة» قاصر دون الثامنة عشر من عمرها، وهي ترتدي فستان الزفاف إلى جوار عريسها (شاب مصاب بمتلازمة داون)، فيما تسبب انتشار مقطع الفيديو الذي لم تتجاوز مدته نصف الدقيقة حالة من الجدل. وحمل البلاغ الوارد إلى خط نجدة الطفل بشأن الواقعة رقم 102031، يفيد بتداول مقطع فيديو الواقعة (مدته 27 ثانية) تظهر خلاله العروس في حالة حزن لا تتناسب مع زفافها، وسط تأكيد على أن العروس التي ظهرت خلال الفيديو قاصر لم تبلغ الثامنة عشر من عمرها، وأنه قد تم تزويجها قبل بلوغها السن القانونية للزواج، لشاب مصاب بمتلازمة دوان. وبينت المعلومات الأولية التي أشار إليها بلاغ الواقعة الوارد إلى خط نجدة الطفل، أن العروسين من مدينة الصالحية الجديدة بمحافظة الشرقية، وسط حالة من الرفض من جانب بعض الأهالي، والذين شككوا في أهلية العريس العقلية معتبرين أن حالته قد تؤثر على صحة العقد من الناحيتين الشرعية والقانونية، فضلًا عن أن العروس قاصر لم تبلغ سن الزواج بعدْ، وسط مطالبات بضرورة تدخل الجهات المختصة للتحقق من مدى استيفاء الزواج لشروطه القانونية، وعلى رأسها توفر الإدراك الكامل والرضا التام من الطرفين. وحدة حماية الطفل ومن جهتها كشفت هبة حمد، مدير الوحدة العامة لحماية الطفل في محافظة الشرقية، تفاصيل تعامل الوحدة مع الواقعة وما أحدثته من ردود أفعال واسعة، وسط تأكيد على أن دورهم في حماية الطفولة لم ينتظر ردود الأفعال للتحرك؛ بل كان التحرك فوريًا وقت انتشار مقطع الفيديوالخاص بالواقعة وكان أفراد الوحدة متواجدين بصورة مسئولة لحفظ حقوق العروس «الطفلة» وضمانة عدم استمرار معاناتها من جهة، ومحاسبة من تسبب فيما لاقته وتزويجها دون السن القانونية للزواج من جهة أخرى. مدير الوحدة العامة لحماية الطفل في محافظة الشرقية، أكدت خلال حديثها، على أن أفراد الوحدة كانوا متواجدين بالتزامن مع تحقيقات النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن ترفع الخطر عن الطفلة، خاصةً وأن الزواج الذي تم غير قانوني، قبل أن تؤكد على أنهم قد تحدثوا مع العروس الطفلة لإعطائها الإرشادات اللازمة. اقرأ أيضا: أمل مبدي: الشخص المصاب بمتلازمة داون مؤهل لتكوين أسرة بشرط كواليس الزواج وعن كواليس الواقعة، أكدت مدير الوحدة العامة لحماية الطفل في محافظة الشرقية، على أن جهود البحث وتحريات أفراد حماية الطفل قد بينت أن الواقعة عبارة عن إهمال من جانب الأهل، نافية وجود أي غصب أو شبهة مالية، قبل أن تشير إلى أن التوصيات النهائية لوحدة حماية الطفل، والتي أكدت على أن الزواج غير قانوني ويجب اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال كافة الأطراف المتسببة فيه، وأن وحدة حماية الطفل تدعم الطفلة عن طريق تقديم الدعم النفسي والإرشادي، فضلًا عن التوصية باستخراج بطاقة رقم قومي لها. استمعت النيابة العامة لجميع أطراف الزيجة التي تحولت إلى قضية رأي عام حملت الرقم 991 لسنة 2025 إداري قسم شرطة الصالحية الجديدة، قبل أن تصدر النيابة العامة عدة قرارات؛ إذ أمرت ب تسليم العروس الطفلة «ماجدة ع إ ع خ» إلى والدتها «صباح م ع إ»، وذلك عقب أخذ التعهد اللازم على الأم بالحفاظ على ابنتها وحسن رعايتها وعدم تعريض حياتها للخطر وعدم عقد قرانها قبل بلوغ السن القانونية للزواج. كما قررت النيابة العامة صرف العريس المدعو «محمد عبدالعاطي ع ح ع» - بصورة مؤقتة - من ديوان قسم شرطة الصالحية الجديدة رفقة شقيقه المدعو «عطية». قرارات النيابة العامة تضمنت إخلاء سبيل والدي العروسين على ذمة التحقيقات بضمان محل إقامة كلٍ منهما، فيما طلبت النيابة العامة تحريات المباحث حول الواقعة وظروفها وملابساتها وصولًا لحقيقتها وطرفيها، مع تحديد طبيعة العلاقة فيما بينهما وكيفية عقد قرانهما، وكذا الاستعلام عن المأذون الشرعي القائم على تحرير العقد - والذي تبين أنه يقيم بناحية مركز شرطة ديرب نجم - وعن قصد جميع أطراف الواقعة من تحرير عقد الزواج، وكذا بيان عما إذا كان العريس قد عاشر عروسته الطفلة معاشرة الأزواج أو شرع في ذلك أم لا.