يجئ مسلسل "فات الميعاد"، ليشكل محطة درامية متميزة في موسم "الأوف سيزون"، بل ويعد عملا متكاملا بمفرداته الفنية الجاذبة من الحلقات الأولى، حيث يجمع بين الدراما الاجتماعية والنفسية في قالب إنساني معاصر تشكل الواقعية به سياق مهم، وهو الأسلوب الذي اتخذه المخرج سعد هنداوي متوحدا مع سيناريو وحوار عاطف ناشد، إسلام أدهم وناصر عبدالحميد، والقطع كان الحضور الطاغي المتسم بالتلقائية والوعي لأداء أبطاله دور كبير في خلق تلك الحالة الوجدانية التي ربطت بين الجمهور وما يطرحه المسلسل، وفي مقدمتهم أحمد مجدي، أسماء أبو اليزيد ومحمد علي رزق، ذلك الثلاثي الذي فجر ملامح القصة واقتحمها بهدوء وسلاسة. تدور أحداث المسلسل حول مجموعة من الشخصيات التي تواجه تحديات اجتماعية ونفسية في حياتها اليومية، وتُسلط الضوء على العلاقات الإنسانية المعقدة، والتوترات اليومية بين الأبطال وعوالمهم، مما يزيد من تعقيد العلاقات بينهم ويبرز التحديات الاجتماعية التي يواجهونها، وسط مزيج من الحب والرومانسية والتناقضات الإنسانية بين الشجاعة والخوف، من مدخل شاعري لأغنية أم كلثوم "فات الميعاد"، وهي لمحة ذكية من هنداوي. العلاقة المتشابكة تبدأ من عند الزوجين بسمة "أسماء أبو اليزيد"، ومسعد "أحمد مجدي"، الأولى تبحث عن تحقيق كيانها واستقلال حياتها، والثاني ينهمك في حل أزمة شقيقه المديون والمهدد بالحبس "محمد علي رزق"، ليطغى الزوج على أموال الزوجة، نقودها التي ادخرتها لمقدم الشقة، وذهب ليساعد شقيقه ليخرج من السجن بعدما يسدد له دينه، فاتحا جراحا كبيرة في قلب زوجته الحامل، وسط تساؤلات مهمة حول الأزمة المالية للزوجة التىي اعترضت وانهارت وانكسرت وسط مشهد قاسي بعد الإعتداء عليها بالضرب، في مشهد مؤثر تم تصويره في الشارع، ما أضفى عليه واقعية مؤلمة، وهذا التصرف يأتي بعد وعد سابق من الزوج بعدم تكرار مثل هذه الأفعال، ليكشف عن هشاشة العلاقة بينهما، ويفتح الباب أمام المزيد من التساؤلات حول مستقبل هذه العلاقة المتوترة. الانفجار ينطلق من طلب الطلاق بعد أن وصلت العلاقة بينهما إلى طريق مسدود نتيجة تراكم الخلافات والصراعات، عبر السيناريو المحكم وهو الذي يعكس واقع المجتمع المصري، مع تقديم شخصيات متعددة الأبعاد تتفاعل مع الأحداث بشكل طبيعي ومؤثر، بما تحمله من تقلبات، مشاعر مكبوتة، وصراعات نفسية واجتماعية، خاصة مع ذلك الأداء التمثيلي من قبل أحمد مجدي وأسماء أبو اليزيد، اللذان يجسدان شخصيات معقدة تتراوح بين القوة والضعف.. أحمد مجدي، الذي يُفضل تقديم الأدوار المعاصرة التي تناقش قضايا جيله، يُظهر براعة في تجسيد شخصية تتعامل مع تحديات الحياة اليومية، مما أضفى توترًا دائمًا على الأحداث أما أسماء أبو اليزيد، فتُقدم أداءً عاطفيًا متقنًا يعكس صراع الشخصية الداخلية تعيش صراعًا بين الحب والخذلان، بالإضافة إلى ذلك، يساهم باقي الفريق، مثل أحمد صفوت وهاجر عفيفي، في إثراء العمل بأداء شاعرى. الإخراج كان من أبرز نقاط قوة العمل، حيث استخدم المخرج زوايا تصوير ذكية للتعبير عن الحالة النفسية للشخصيات، مع توظيف ملهم للإضاءة والموسيقى التصويرية، ما أضفى طابعًا خاصًا للمسلسل، وجعله مختلفًا عن الأعمال التقليدية، الإيقاع البصري والرمزية في بعض المشاهد ساعدت في تعميق الرسائل الدرامية كما أن التصوير في مواقع متعددة، مثل الشارع والشقة والعمارة في منطقة وسط البلد، أضاف طابعًا واقعيًا للأحداث، مما جعل المشاهد يشعر وكأنه جزء من القصة. اقرأ أيضا: مدحت العدل يعلن موافقة المؤلفين والملحنين على استخدام صوت أم كلثوم في «فات الميعاد» | خاص فيما كانت الموسيقى التصويرية لعزيز الشافعي عنصرًا مكمّلًا للجو العام للمسلسل، واختيرت بعناية لتُبرز مشاعر الحزن والحنين والندم، مما أضاف لمسة وجدانية تركت أثرًا قويًا في نفس المشاهد. يحمل "فات الميعاد" رسائل قوية تتعلق بالمصالحة مع الذات، وأهمية المواجهة بدلاً من الهروب، كما يناقش آثار القرارات التي نتخذها تحت ضغط اللحظة، وكيف أن تأجيل المواجهة أحيانًا قد يجعل "الميعاد" يفوت فعلًا، ويُظهر المسلسل كيف يمكن للتحديات اليومية أن تؤثر على العلاقات الإنسانية، ويُبرز أهمية التواصل والتفاهم في بناء علاقات صحية. بالمجمل، يعتبر مسلسل "فات الميعاد" تجربة درامية ناضجة وثرية فنيًا وإنسانيًا، ونجح في مزج العاطفة بالواقعية، وطرح أسئلة وجودية دون تقديم إجابات جاهزة، وهو ما يميز الأعمال الدرامية العميقة، ورغم بعض الملاحظات الطفيفة على الإيقاع، إلا أن العمل يستحق المتابعة ويؤكد على أن الدراما العربية قادرة على تقديم محتوى راقٍ ومؤثر وهو يحمل طموح كبير لمخرجه سعد هنداوي وبطله أحمد مجدي.