في وقت يخيم فيه الغموض على مستقبل المواجهة مع إيران، يلوح شبح الحرب الشاملة في الأفق، حاملا معه تحذيرات من "صندوق باندورا" قد يفتح إذا قررت الولاياتالمتحدة الانضمام رسميا إلى الضربات العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية، حسب CNN الأمريكية فإن هناك نقاشات حاسمة خلف الكواليس في واشنطن، ومخاوف متصاعدة لدى الخبراء من تداعيات قرار قد يغير ملامح الشرق الأوسط لعقود قادمة. و"باندورا" هي شخصة أسطورية تروي قصة فتاة قررت أن تفتحها صندوقا حذرها الجميع من فتح، وبمجرد فتحه لثوانٍ معدودة لتعرف ما فيه حتى شمت رائحة كريهة، وسمعت أصوات ضوضاء، حيث كان "صندوق باندورا" يحتوي على كل شرور وأمراض العالم من الموت، والحروب، والأوبئة، والجشع، والكراهية، وكل ما يمكن أن يسمّم حياة الإنسان، وفق ما تروي الأسطورة. تأرجح ترامب بحسب ما نقلته شبكة CNN عن مسؤولين مطلعين على نقاشات الإدارة الأمريكية، فإن الرئيس دونالد ترامب أصبح أكثر ميلاً لاستخدام القوة العسكرية لضرب منشآت نووية إيرانية، على رأسها منشأة فوردو المحصنة داخل الجبال، بدلاً من المضي في مسار الحل الدبلوماسي. ورغم أن ترامب لم يُصدر قرارًا واضحًا حتى الآن، إلا أن تصريحاته من البيت الأبيض يوم الأربعاء ألمحت إلى احتمالية التصعيد، قائلاً: "قد أفعل ذلك، وقد لا أفعله، لا أحد يعلم ما سأفعله... إيران تواجه مشاكل كثيرة وتريد التفاوض، كان عليهم التفاوض معي قبل كل هذا الموت والدمار". تحذيرات من حرب يرى محللون أن انخراط الولاياتالمتحدة عسكريًا في مواجهة مع إيران لن يكون عملية محدودة، إذ حذر تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي في واشنطن، من أن "أي هجوم أميركي سيقود إلى ردود إيرانية مكثفة ضد القواعد الأميركية في المنطقة، وربما إلى اندلاع حرب شاملة". وأضاف بارسي أن طهران، رغم عدم قدرتها على الصمود في مواجهة طويلة ضد واشنطن، إلا أن حجم إيران الجغرافي وتعقيد بنيتها العسكرية يعني أن أي مواجهة ستكون مكلفة ومعقدة للغاية للولايات المتحدة. من جهتها، صرحت إيلي جيرانمايه، الخبيرة في الشأن الإيراني بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن توجيه ضربة إلى إيران قد "يفتح صندوق باندورا ويستهلك ما تبقى من رئاسة ترامب"، محذرة من أن "لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك". طهران تردّ: "لن نستسلم" في المقابل، استبق المرشد الإيراني، علي خامنئي، أي تحرك أميركي بتصريحات نارية، مؤكدًا أن "إيران لن تتراجع"، وأن أي تدخل عسكري من قبل واشنطن "سيؤدي إلى أضرار لا يمكن إصلاحها". وتنظر طهران إلى الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على منشآتها على أنها جزء من تنسيق أميركي-إسرائيلي، خاصة وأن الأسلحة المستخدمة تُعتقد أنها أميركية المنشأ، بحسب تصريحات مسؤولين إيرانيين نقلتها CNN. حرب استنزاف نظرًا للتفاوت في القدرات العسكرية، يُرجّح بعض الخبراء أن تلجأ إيران إلى استراتيجية الاستنزاف بدلاً من خوض حرب شاملة، ويشير بارسي إلى أن طهران قد تسعى إلى إنهاك العدو على المدى الطويل، تمامًا كما فعلت في حربها الطويلة مع العراق في الثمانينيات. وتعزز هذا السيناريو بكتابات عبد الرسول ديفسالار، الباحث في معهد الأممالمتحدة لنزع السلاح، الذي رأى أن دخول الولاياتالمتحدة الحرب سيكون "قرارًا كارثيًا ومكلفًا"، مؤكدًا أن طهران تراهن على قدرتها على استنزاف القوة الأميركية-الإسرائيلية المشتركة. فوردو لا تنهي البرنامج النووي منشأة فوردو، والتي تُعد الهدف الأكثر صعوبة بالنسبة لإسرائيل، تمثل تحديًا عسكريًا وتقنيًا لأي قوة تسعى لتدميرها، فهي مدفونة تحت ما يقارب 90 مترًا من الصخور، ما يجعل تدميرها مسألة معقدة للغاية. ويحذر حسين موسويان، المفاوض النووي الإيراني السابق والمقيم حاليًا في نيوجيرسي، من أن استهداف فوردو قد يدفع إيران إلى التحول الكامل نحو إنتاج القنبلة النووية، وقال في رسالة مفتوحة على منصة X: "قد لا تكون مسؤولاً فقط عن قرار إيران ببناء القنبلة، بل عن إدخال أميركا في حرب عواقبها أخطر من أفغانستانوالعراق". ويؤكد بارسي هذا التحذير بقوله: "إيران تملك المعرفة والقدرة لإعادة بناء البرنامج من جديد، وكل ما ستفعله الضربة هو تأخير المشروع، مع تضخيم دوافع إيران نحو امتلاك السلاح النووي". مخاوف إشعاعية محدودة أثارت الضربات الإسرائيلية المتكررة مخاوف من تسرب إشعاعي، إلا أن منشأة فوردو لا تحتوي على مفاعل نشط، ما يقلل من احتمالية وقوع كارثة إشعاعية واسعة النطاق. سكوت روكر، نائب رئيس أمن المواد النووية في مبادرة التهديد النووي، أوضح أن "اليورانيوم الموجود في فوردو ما يزال طازجًا ولم يُستخدم في مفاعل، لذا فإن الخطر الإشعاعي محدود ومحلي"، ووافقه الرأي بهنام بن طالبلو من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، معتبرًا أن الأضرار المتوقعة ستكون "كيميائية أكثر منها إشعاعية". لا نهاية وشيكة للبرنامج النووي حتى وإن نُفّذت الضربة، فإنها لن تعني بالضرورة نهاية البرنامج النووي الإيراني، فالمعلومات الاستخباراتية حول محتويات فوردو غير مكتملة، ويُعتقد أن إيران قد نقلت بعض أنشطتها إلى مواقع أخرى سرية. وفي ظل غياب دعم سياسي أميركي واسع لحرب جديدة، يبقى السؤال الأهم مطروحًا: هل يتخذ ترامب القرار الذي قد يغيّر الشرق الأوسط إلى الأبد، أم أنه، كما حدث سابقًا، سيتراجع عن حافة الحرب؟ ا