فى أكتوبر 2010 وطئت قدما النائب البريطانى جورج جالاوى أرض مصر على رأس ما سُمِّى ب «قافلة شريان الحياة»، متذرعًا بفك الحصار عن غزة، بينما كان هدفه الحقيقى استعراضًا إعلاميًا فجًّا ومزايدة سياسية رخيصة على حساب سيادة الدولة المصرية واستقرارها الداخلي. لم يكن جالاوى مناضلًا كما حاول أن يظهر، بل كان مقامرًا بالقضية الفلسطينية لحساب مصالحه الشخصية، يقتات على عواطف الشعوب ويستخدم معاناة غزة وقودًا لمغامراته الاستعراضية. واليوم، وبعد مرور خمسة عشر عامًا، يُعاد المشهد بصورة أكثر ابتذالًا فيما يسمى ب«قافلة الصمود». الوجوه تتغير، لكن الأسلوب واحد: الاتجار بالمآسي، وركوب موجة التعاطف الشعبي، لا لفك حصار، بل لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية، وتسجيل النقاط فى مباريات بطولات زائفة تفتقد إلى الصدق والإنسانية. قوافل مشبوهة تحاول الوصول إلى معبر رفح، ليس بدافع دعم غزة بل لتحقيق مكاسب سياسية، غالبًا ما تنتهى فى نشرات الأخبار أو على صفحات مواقع التواصل، دون أن يصل إلى أهل القطاع حتى الفتات. من يستخدمون القضية الفلسطينية منصة للقفز إلى الأضواء، هم أنفسهم من يصدّرون الأزمات ويشعلون الفوضى أينما حلوا، تحت شعارات جوفاء ورايات ملوّثة بالأنانية والنفاق. وبين «شريان الحياة» و «قافلة الصمود»، تقع فلسطين ضحية لمهرجانات الشعارات الكاذبة ومسرحيات البطولات الورقية، تُستنزف دماؤها فى دهاليز السياسة، وتُستغل مأساتها لخدمة أجندات لا تمت إلى النضال بصلة. فى 2010 لم تكن غزة فى حاجة إلى الأدوية الفاسدة أو الأغذية الرديئة أو «أكفان «أرسلتها إحدى الدول العربية، واليوم تزداد الحاجة إلى وقف إطلاق النار وحقن الدماء ورفع الحصار وإعادة الإعمار، وليس التمثيل على معبر رفح. جالاوى وأمثاله لم يكن هدفهم أبداً فك الحصار، بل استغلال القضية لتسجيل مواقف ، وأُبلغ رسميًا بأنه شخص غير مرغوب فيه، لأنه يسيء أكثر مما يُفيد، ويثير الفوضى ولا يحترم السيادة، ويفهم التسامح ضعفًا . ولم نُلدغ من نفس الجحر ،وما يحدث لا يخرج كثيرًا عن نفس الإطار، ومجموعات تحاول فرض تحركاتها، دون اعتبار لحقيقة الوضع على الأرض، أو للجهود التى تبذل فى ظل ظروف معقدة، وهؤلاء لا يواجهون إسرائيل، ويعرفون أن مصر لن «تؤدبهم» بوحشية كما تفعل إسرائيل ، لكنها لن تسمح باستغلال أراضيها إلا وفقا للقوانين المصرية. من جالاوى إلى مغامرى اليوم، يبقى المبدأ ثابتًا: لا تسامح مع من يحاول أن يتخذ من أراضى مصر منصة لصراعاته، أو من يخطط لإحراجها على حساب أمنها القومي، وكشف لصوص القضية الفلسطينية أولا بأول. وفى ذكرى ثورة 30 يونيو حين نسترجع مجد الكرامة، مصر لن تسمح بمحاولات رخيصة للبطولة، وإذا علمنا الماضى شيئًا، فهو أن من يستهين بحدودها وسيادتها، لا مكان له على ترابها.