حلق بى الشوق نحو أروع رحلة فى العمر: الحج، ومناسكه، ولا أعرف لماذا تداعى أمام عينى رمى الجمرات، ربما بفعل ما تابعته على شاشة التلفاز، والحجيج يدحرون الشيطان بجمارهم، ردعًا له، وقد اعتبر وذريته أنهم فى مهمة مقدسة تتمثل فى صرف ذرية آدم عن طاعة الله إلى قيام الساعة! اختلج فى صدرى تجليات رمى الجمرات، وكيف أن الرجم يجسد منهجًا جماعيًا، فى اقتضاء هدى الخالق، فى شعيرة تلتقى فيها الروح والمادة، بحركة تترجم لحظات إيمانية خالصة. تساءلت: لكن هل يكف الشيطان عن توعده لنا؟ بالطبع لن يهمد، إذ هو روح شرير مفسد، تمرد على خالقه، فما بالنا بمخلوقاته، وتحديدًا الإنسان الذى فضله على كل خلقه؟ غير أن الأشكالية هنا تتجاوز شياطين الجن، إلى أغواء شياطين الإنس، لاسيما فى لحظات الضعف الإنسانى. وإذا كان رمى الجمار، استهدافًا لأخطر مصادر الشر، أى الشيطان، فى أداء رمزى واضح الدلالة، يتكرر كل عام لتمام أداء الفريضة، فإن على المؤمن ألا يكف عن الالتزام المعنوى والعملى برجم شياطين الإنس كل يوم، فهم لا يكفون عن الحض على الشر والمعصية، كلما حانت لهم فرصة، وربما أجادوا استثمارها بأبرع مما يحيكه شياطين الجن! وسوسة شياطين الإنس قد تلازم الإنسان على مدار الساعة، وإذا كانت الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ترده خاسئًا مدحورًا، فإن شيطان الإنس لا يمل من التسلل فى غفلة من الإنسان، عبر إلحاح عنيد، من ثم يستدعى ردعه يقظة دائمة، وانتباه مستمر، وتلك بحد ذاتها صور من الرجم بالوعى. عدم الخضوع لغواية شيطان الإنس، وما يسوله للنفس من مغريات تفتنها، بمثابة رجم معنوى يطهر قلب المؤمن، وينأى به عن الاستسلام لنزغات نفر من البشر أبشع فى طبائعهم من الشيطان! إذا سلم الإنسان نفسه لله، وحرص على أن يحظى برضاه، فإن هذا التسليم، وذاك الحرص، كأنهما رجم متواصل لكل شياطين الجن والإنس على السواء، مهما كانت الابتلاءات المحيطة بالمؤمن التقى، اليقظ الذى لا يكف عن رجم أى شيطان بجمرات قوامها الفطرة السليمة، والعمل الصالح، والضمير الحى، والقلب الخاشع، والنفس اللوامة أبداً. ما أجملها من جمرات يتسلح بها المؤمن، فى مواجهة شياطين الإنسن المارقة. جمار قد تكون ناعمة، لكنها باترة ترد كيد شيطان الإنسن إلى نحره.