لم تكن الأضاحي في مصر القديمة مجرّد طقوس دينية، بل كانت وسيلة عميقة للتقرب من الآلهة والتعبير عن الشكر والامتنان للنِعم. وقد تجسدت هذه الممارسات في مشاهد محفورة بدقة على جدران المعابد والمقابر، حيث يظهر الكهنة وهم يؤدون طقوس الذبح أمام تماثيل الآلهة في إطار من الرهبة والتنظيم المقدّس. وفي هذا السياق، يكشف الدكتور مصطفى وزيري، عالم الآثار والمصريات ، عن رؤى فريدة حول رمزية هذه الأضاحي وأهميتها في العقيدة المصرية القديمة، وذلك في تصريح خاص ل"بوابة أخبار اليوم". اقرأ أيضًا | مصر تسترد 11 قطعة أثرية من الولاياتالمتحدةالأمريكية| صور ** فحوصات دقيقة للأضاحي وطقوس الذبح عند المصري القديم كانت الحيوانات المقدمة كأضاحي تمر بفحوصات دقيقة، إذ ينبغي أن تكون خالية من العيوب الجسدية، لأن المصري القديم آمن بأن الأضحية يجب أن تكون طاهرة لتُقبل من قبل الآلهة. ولم يكن الذبح عشوائيًا، بل كان يتم وفق طقوس دقيقة تبدأ بالتطهير، مرورًا بعملية الذبح نفسها، وانتهاءً بتقديم الأجزاء للآلهة أو حرقها كقرابين. ** اختلاف الأضاحي باختلاف الآلهة ومكانتها الرمزية واختلفت الأضاحي بحسب الإله الذي تُقدم إليه، فالإله "آمون" رب مدينة "طيبة"، ارتبط كثيرًا بتقديم الكبش الذي يعد رمزًا للخصوبة والقوة، أما الإله "بتاح" فى مدينة "ممفيس" فكان يُقدم له الثور "آبيس" الذي احتل مكانة عظيمة فى التاريخ المصري القديم. ** الطيور ضمن طقوس الذبح وأهميتها في الأعياد والمقابر ولم تكن الطيور أيضًا غائبة عن طقوس الذبح، وخاصةً الإوز الذي عُرف بتقديمه فى الأعياد الدينية والعائلية، أو ضمن القرابين الخاصة فى المقابر والتي كانت تُقدم إلى الروح بعد الموت. ** الذبح كرمز لإعادة التوازن الكوني وتجديد الحياة وقد رأى المصري القديم فى الذبح نوعًا من إعادة ضبط للتوازن الكوني، حيث يُرمز به إلى الانتصار على الفوضى (المُتمثلة أحيانًا فى الحيوان المذبوح) وإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي، وكان الملك والكهنة يضطلعون بدور رئيسي فى هذه الطقوس، إذ يمثلون الوسيط بين عالم البشر والآلهة، بل إن بعض هذه الطقوس قد ارتبطت بمفهوم الخلق نفسه، حيث اعتقد المصريون أن إراقة الدم المقدس فى وقت معين يعيد تجديد الحياة ويضمن استمرار دورة الزمن. ** الأضاحي في المناسبات الاجتماعية وأبعادها الروحية ولم تقتصر الأضاحي على المعابد والمقابر، بل كانت حاضرة فى المناسبات الاجتماعية الكبرى كالزواج والولادة والحصاد وحتى الموت، وكان لكل مناسبة نوع مُحدد من الذبائح يقدم بنية الشكر أو التقديس أو طلب البركة. ** الأعياد الكبرى وتكافل المجتمع حول الأضحية وفى الأعياد الكبرى ك "عيد الأوبت" كانت تُقام موائد عامة يشارك فيها الناس اللحم المُضحى به، فى مظهر يعكس التكافل والتقوى والفرح الجماعي، وما يُثير التأمل أن كثيرًا من الطقوس المُرتبطة بالذبح فى مصر القديمة ما زالت حيّة فى الوجدان الشعبي المصري، بل وتظهر بصور قريبة فى طقوس عيد الأضحى المبارك، من حيث العناية باختيار الأضحية ومراعاة الطهارة والنية فى الذبح وحتى توزيع اللحم على الفقراء. ** استمرارية الطقوس المصرية القديمة في الوجدان الشعبي فلقد أسس المصري القديم بفكره الروحي العميق طقوسًا تجاوزت الزمن، لتبقى شاهدة على حضارة عظيمة احترمت الحياة والموت، وعرفت كيف تجعل من الأضحية رمزًا للتجدد والبذل والطهارة.