«فى زمن الحرب يعرف الجميع من أطلق الرصاصة الأولى، ولكن لا يعلم أحد من يطلق الرصاصة الأخيرة».. اختلفت الآراء حول صاحب هذه المقولة واتفقت على صحتها، ويترقب العالم رد فعل الرئيس بوتين على هجوم المسيرات فى عملية «شبكة العنكبوت «. التاريخ العسكرى للرئيس بوتين يشير الى أنه يولى أهمية كبرى للهيبة والقوة، ولن يتسامح مع الهجمات الاوكرانية فى العمق الروسي، والعالم ينتظر. وتميل بعض التحليلات الى ان بوتين ليس متهورًا فى قراراته العسكرية الكبيرة، ويميل إلى الردود البطيئة لكن الحاسمة، ويستوعب الضربات أولًا، ثم يرد بطريقة تُظهر أنه المسيطر.. والأرجح أن يأمر بضرب البنية التحتية الأوكرانية، الكهرباء والسكة الحديد والصناعات العسكرية، لإيصال الرعب الى كل مواطن أوكرانى. وهذا معناه أن يتجنب الخطوات التى تجرّ روسيا لصدام مباشر مع الغرب، بما يفوق حدود القوة الروسية اقتصاديًا وعسكريًا مقارنة بالغرب، ولن يهاجم دول الناتو مباشرة، ولكن قد يستخدم حملات هجومية إلكترونية ونفسية واستبعاد الرد النووى أو الشامل. فى 24 فبراير 2022 انطلقت الرصاصة الأولى، واجتاحت القوات الروسية الأراضى الأوكرانية، والعالم بأسره كان شاهدًا، وبعد أكثر من ثلاث سنوات، لا أحد يعرف متى تسكت البنادق ولا من يطلق الرصاصة الأخيرة. وبعد عملية «شبكة العنكبوت»، بدأت خريطة الصراع تأخذ بُعدًا جديدًا، ولم تعد الحرب بين جيوش تقاتل على الأرض، بل بين أجهزة استخبارات وجيوش إلكترونية، وأذرع إعلامية تسابق الرصاص فى رسم الحقيقة أو تزويرها. «شبكة العنكبوت» توصيف دقيق لعملية خفية معقدة الخيوط، وتسريبات استخباراتية حول تجنيد مزدوجين، واختراق أنظمة عسكرية، واستخدام الذكاء الاصطناعى لتوجيه الضربات، ومعلومات اخرى مضللة بقصد إشعال الفوضى داخل العمق الروسى والاوكرانى. وفى ظل التشابك المتصاعد والدور الخفى للولايات المتحدة، اصبحت اوكرانيا ساحة اختبار استراتيجى لنفوذ روسيا من جهة، وأطماع الغرب من جهة أخرى، ويبدو أن الرصاصة الأخيرة لن تُطلق فى ساحة المعركة، بل فى غرفة مغلقة، بين رجال لا يحملون سلاحًا، بل يوقّعون اتفاقًا قد يُنهى الحرب أو يفتح فصلًا جديدا اكثر تدميرا. وتأتى العملية عشية محادثات السلام فى إسطنبول، الوفدان الروسى والأوكرانى سيلتقيان فى مباحثات أمس 2 يونيو، لكن الطاولة التى يجلسون إليها تحمل تهديدات أكثر من الأوراق، أوكرانيا تدخل المحادثات بأقوى موقف لها منذ بدء الحرب، لكنها تدرك أن موسكو لن تقبل بهذه الإهانة دون رد. المطالب الأوكرانية تشمل وقف إطلاق النار لمدة شهر، وتبادل الأسرى، وإعادة الأطفال المرحّلين، وقد تُجهض إذا انفجر الغضب الروسي. وفى كل الأحوال، بعد عملية «شبكة العنكبوت» النهاية لم تأت بعد، بل فصل جديد فى صراع مفتوح على كل الاحتمالات، بعد أن غيرت أوكرانيا قواعد اللعبة، وفى انتظار أن تقول روسيا كلمتها الاخيرة، ويقف العالم على حافة حرائق لا يُعرف متى تنطفئ.