لم يخيّب «الكرماء» ظنى يومًا، وكلما ضاقت واستحكمت فرجت، وفرجه قريب، وكما فاضت شنط رمضان كرمًا، ستفيض الأضاحى فى عيد الأضحى المبارك كرمًا. الكرماء يتبعهم الطيبون، وفيهم (فى الكرماء) قيل «أكرم من حاتم الطائى»، وهى مقولة شهيرة لرجل عاش فى القرن السادس وبلغت سمعته بلاد الهند وطالت بلاد الروم، وذكره النبى -محمد صلى الله عليه وسلم- فى بعض حديثه، وكان الجود والكرم صفات متأصلة فيه وفى قومه. الطائى أمير طيئ من أشهر شعراء العرب فى الجاهلية قبل الإسلام، وزيادة فى الكرم والسخاء، المصريون مفطورون على الكرم، ويصدق فيهم القول «أكرم من حاتم الطائى» ومن جودهم وكرمهم حتى ظننت أن حاتم من جلدة المصريين، ولم يخب ظنى أبدًا. والمصريون اشتقاقًا من حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وتباركًا بعظيم كلماته، فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. عيد الأضحى فرصة تسنح سنويًا لإظهار آيات الكرم والجود، فلا تبخلوا على الطيبين المتعففين بكرمكم، وأكرموهم بطيب أضحياتكم، ولا تقتروا عليهم، ولا تتركوا يوم العيد بيتًا ليس فيه من الإدام (المرق)، هذا أتقى ويجلب البشر والسرور. على ذكر الكرماء، كتبت ذات مرة عن «الكرماء»، وتمنيت على كاتب كريم أن يسجل آيات من كرم المصريين، مفطورون على الكرم، والخير فيهم إلى يوم القيامة. وكما سجل «الجاحظ» ما تيسر من سيرة «البخلاء» فى كتابه الشهير، من حق «الكرماء» كتاب يسجل متون الكرم عند الكرماء، قدوة وأسوة حسنة بعظيم الكرماء، نبينا الحبيب -محمد صلى الله عليه وسلم-، (كان أجود من الريح المرسلة). للأسف، بخلت المكتبة العربية بكتاب عن «الكُرَماءُ» فى شهرة كتاب الجاحظ، ويستحقون كتابًا يوثق آيات الكرم، والكَرَمُ بمعنى الجُود، السَّخَاء، ومنه كَرَمُ الأَخْلاَقِ، نُبْلُهُ، سُمُوُّ النَّفْسِ، وكُرَماءُ جمع كَريم، ورَجُلٌ كَرَمٌ بمعنى كريم، وأَرضٌ كَرَمٌ أَرضٌ طيِّبةٌ. ليت كريم يتكرم علينا بكتاب عن الكرماء، وهم بين ظهرانينا كثر، فى شوق إلى كتاب عامر بالحكايات والشخوص والبيوتات الكريمة مفتوحة الأبواب لا ترد سائلًا، بل تسبغ عليه من الكرم. من الأمثال «أما الكريم فيزدهر، ومَن ينعش الآخرين ينتعش..»، ومن أقوال الشاعر والكاتب المسرحى الإنجليزى الشهير «وليم شكسبير»: «زينة الغنى الكرم وزينة الفقير القناعة وزينة المرأة العفة»، وكم من أغنياء زينتهم الكرم. الروائى الشهير «ماريو بارجاس يوسا» يصك تعبيرًا راقيًا: «الكرم هو أن تعطى أكثر من استطاعتك، وعزة النفس هى أن تأخذ أقل مما تحتاج». بين ظهرانينا كرماء مقدرون، وبسطاء متعففون، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل، وبعد فضل الكريم الحنان المنان سبحانه وتعالى، الكرماء فضلهم سابغ، وكرمهم حقيقى، والكرم الحقيقى هو أن تكرم شخصًا (ما) لن يكتشف كرمك أبدًا.