بين أكوام الهدايا المزينة بألوان زاهية ، ومجسمات مبهرة تخطف أنظار الصغار ، ترقد قنابل موقوتة ، تحمل فى داخلها مواد سامة ومكونات مسرطنة ، تخترق أجساد الأطفال من حيث لا يدرى أحد . بينما تعجز أعين الأمهات عن التفرقة بين اللعبة الآمنة والقاتلة ، حتى جاءت الصدمة الكبرى ، حين فوجئت بعض الأمهات بوجود ملصقات على لعب أطفال مستوردة من الخارج مكتوب عليها أنها قد تسبب العقم وأمراضا سرطانية ! فى أحد المحال الكبرى بمنطقة مدينة نصر فى أحد المولات التجارية الكبرى كانت المفاجأة عندما التقطت إحدى الأمهات لعبة بلاستيكية صغيرة على شكل شخصية كرتونية مشهورة لتقرأ على ظهر العلبة ملصقا تحذيريا يحمل عبارة أن المنتج يحتوى على مواد قد تسبب العقم والسرطان وبعد محاولة تتبع مصدر اللعبة تبين أنها مستوردة من إحدى الدول الآسيوية ومن نوعية تباع بكثافة فى الأسواق الشعبية ومحال البضائع المستوردة دون رقابة كافية. ليست الحادثة الوحيدة، بل أيضا فى أحد المحال المتخصصة فى بيع لعب الأطفال فى أكتوبر اكتشفت أم لطفلة تبلغ من العمر 6 سنوات أن العلبة التى تقبع بداخلها دمية ابنتها عليها ملصق السعر والذى أخفى عبارة «قد يسبب العقم والكانسر» وهو ما سبب حالة صدمة لوالدة الطفلة خاصة ان ابنتها تحتضن هذه الدمية يوميا عند النوم من شدة تعلقها بها. كشفت دراسة صادرة عن منظمة الصحة العالمية فى ديسمبر 2024 بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة للبيئة أن خمسين بالمئة من لعب الأطفال المصنوعة من البلاستيك المعاد تدويره تحتوى على نسب مرتفعة من مثبطات اللهب المبرومة وهى مواد كيميائية تؤثر على الجهاز العصبى والتناسلى للطفل وتزيد من خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السرطان واضطرابات الهرمونات..كما أجرى باحثون فى جامعة جوتنبرج السويدية 2022 دراسة خلصت إلى أن 84 بالمئة من ألعاب الأطفال البلاستيكية القديمة، تحتوى على مواد سامة، وأن الألعاب القديمة ومواد التزيين قد تحتوى على مواد كيميائية سامة، يمكن أن تسبب السرطان أو تضر بالحمض النووي. اقرأ أيضًا | لعب الأطفال فى التراب يقوى المناعة قنابل موقوتة ألعاب الأطفال قد تصبح قنابل موقوتة داخل المنازل وبين أيدى الصغار إن لم نحسن اختيار القطع التى تصلح لاقتنائها، وهذا ما يؤكده الدكتور إسلام الديب، إخصائى طب الأطفال وحديثى الولادة، حيث يقول إن اختيار ألعاب الأطفال لابد أن يقوم على معايير صحية وسلامة واضحة، لأن الألعاب قد تؤذى الأطفال وتشكل خطرًا جسيمًا، خصوصًا فى السنوات الأولى من عمرهم نظرًا لحساسية أجسادهم الصغيرة وسلوكهم الفطرى فى وضع كل ما تقع عليه أيديهم فى أفواههم أو ملامسته لجلدهم. وأوضح الديب أن من بين هذه الأضرار مشاكل فى الجهاز التنفسى بسبب استخدام البلاستيك الرديء أو البلاستيك المعاد تدويره من نفايات مثل النفايات الطبية، والتى قد تطلق أبخرة أو جزيئات ضارة، مشيرًا إلى أن بعض الألعاب تنبعث منها روائح نفاذة وتُصنع من خامات معينة مثل الفوم أو العرائس البلاستيكية، وذلك نتيجة احتوائها على مواد كيميائية مثل الفورمالدهيد. أضرار جلدية ويضيف إخصائى طب الأطفال أن هناك أضرارًا جلدية أخرى مثل التهابات الجلد أو الأكزيما، وذلك نتيجة استخدام أصباغ صناعية رخيصة الثمن أو بسبب ملامسة الجلد لمواد بلاستيكية تحتوى على مواد مسرطنة، فضلًا عن أن بعض هذه الألعاب تترك لونًا على اليد، وهو دليل واضح على أن الصبغة المستخدمة فيها غير آمنة على الإطلاق. وأشار أيضًا إلى أن بعض الألعاب المستوردة يُكتب عليها تحذيرات واضحة مثل «قد تُسبب العقم أو السرطان»، ويعود ذلك إلى احتوائها على مواد مثل مادة ال BPA، والتى ثبت علميًا أنها ترتبط باضطرابات هرمونية وقد تؤدى إلى مشكلات فى النمو والتكاثر. وتابع الدكتور إسلام حديثه مؤكدًا أن من أخطر أنواع الألعاب تلك التى تحتوى على أجزاء صغيرة قابلة للانفصال، لأنها تمثل خطرًا حقيقيًا على الأطفال دون سن الثالثة، بالإضافة إلى الألعاب التى تحتوى على حواف حادة أو أجزاء معدنية، والتى قد تُحدث جروحًا أو إصابات بدنية عند الاستخدام. نصائح مهمة وقدّم الدكتور إسلام مجموعة من النصائح التى ينبغى اتباعها عند شراء ألعاب الأطفال، مشددًا على ضرورة الحصول على الألعاب من مصدر موثوق، وعدم شراء الألعاب من الباعة الجائلين أو من الأرصفة، حتى وإن كان السعر مغريًا..كما أكد أهمية قراءة الملصق الموجود على العبوة بعناية، لا سيما بلد المنشأ والتعليمات أو التحذيرات المُدرجة، وإذا وُجد ملصق غريب أو غير مألوف، ينبغى محاولة إزالته للتحقق مما تحته، والتأكد من أن اللعبة مطابقة للمواصفات القياسية مثل علامة CE أو أنها مطابقة للمواصفات الأوروبية أو الأمريكية المعتمدة. وأشار كذلك إلى ضرورة شم اللعبة قبل شرائها، وإذا كانت تنبعث منها رائحة نفاذة أو رائحة بلاستيك قوية، فغالبًا ما تحتوى على مواد كيميائية ضارة قد تؤثر على صحة الطفل. وأضاف أنه يجب على أولياء الأمور مراقبة تفاعل الطفل مع اللعبة بعد استخدامها، فإذا ظهر أى احمرار على الجلد، أو سعال مفاجئ، أو علامات تهيج فى الجهاز التنفسي، فينبغى التعامل مع هذه الأعراض بجدية وسرعة. واختتم الدكتور إسلام الديب حديثه بالتأكيد على أن الألعاب الرخيصة جدًا أو تلك التى لا تحتوى على بيانات واضحة يجب الابتعاد عنها تمامًا، وذلك لحماية صحة أطفالنا من المخاطر التى قد تتخفى خلف مظهر خارجى جذاب أو تصميم لافت. ضرر على النمو حذّرت د. إيمان ضيف، استشارى طب الأطفال وحديثى الولادة ، من خطورة مادة الBPA أو ال»Bisphenol A»، وهى مادة كيميائية تُستخدم فى تصنيع بعض أنواع البلاستيك، بما فى ذلك عدد كبير من ألعاب الأطفال، مؤكدة أن التعرض المستمر لها قد يُشكل خطرًا على صحة الأطفال ونموهم السليم. وقالت د. إيمان إن مادة الBPA يمكن أن تتسرب من البلاستيك خاصة عند تعرضه للحرارة أو مع الاستخدام المتكرر، مشيرة إلى أن الجسم قد يمتص هذه المادة، مما يؤدى إلى تأثيرات ضارة تظهر على المدى الطويل. اضطرابات النمو وأوضحت أن دراسات متعددة أثبتت أن مادة الBPA قد تؤثر على هرمونات الطفل، وهو ما قد يؤدى إلى اضطرابات فى النمو والسلوك. وأضافت أن فى بعض الحالات، لوحظ وجود علاقة بين التعرض المزمن لBPA ومشاكل فى التركيز، وزيادة معدلات التوتر لدى الأطفال، بل وظهور علامات مبكرة للسمنة ومشكلات فى الجهاز التناسلي..وقدمت د. إيمان ضيف، عددًا من النصائح المهمة لحماية الأطفال من مخاطر هذه المادة، فى مقدمتها اختيار الألعاب والمنتجات البلاستيكية التى تحمل علامة «BPA Free»، والتى تعنى أنها خالية من هذه المادة الضارة. وأكدت على ضرورة تجنب تسخين أى عبوات أو أدوات مصنوعة من البلاستيك، حتى لو كانت تُستخدم فى تغذية الطفل، مثل الزجاجات أو الأطباق، لأن الحرارة تزيد من احتمالية تسرب المادة.. وأضافت: «لازم كل أم تستبدل أى لعبة بلاستيك قديمة أو مشروخة فورًا، لأن التلف بيزود من خطورة انتقال المواد الضارة منها. والبديل الآمن دايمًا بيكون اللعب المصنوعة من الخشب الطبيعى أو السيليكون، لأنها أقل ضررًا وأكثر أمانًا لصحة الطفل». واختمت د. إيمان حديثها بالتأكيد على أهمية وعى الأمهات بمكونات لعب الأطفال والمواد المصنوعة منها، لأن الوقاية تبدأ من المعرفة والاختيار السليم. أما عن السموم التى تبثها بعض الألعاب، فقالت الدكتورة ولاء عبد الهادى أبوزيد، مدرس الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية بكلية الطب جامعة القاهرة (قصر العيني)، إننا نعيش فى ما يمكن وصفه علميًا ب»العصر البلاستيكي»، نظرًا للكم الهائل من المنتجات البلاستيكية التى تحيط بنا من كل اتجاه، والتى أصبحت جزءًا من تفاصيل حياتنا اليومية بداية من أدوات المطبخ وحتى ألعاب الأطفال..وأكدت أبوزيد أن المشكلة لا تكمن فقط فى الاستخدام الواسع للبلاستيك، وإنما فى نوعيته، موضحة أن الكثير من المنتجات البلاستيكية الموجودة فى الأسواق مصنوعة من مواد معاد تدويرها، بل وقد تكون نفايات بلاستيكية مجهولة المصدر أو نفايات طبية، وهى الأخطر على الإطلاق. وقالت إن البلاستيك المعاد تدويره قد يطلق أبخرة أو جزيئات سامة، خصوصًا إذا ما تم تعريضه للحرارة أو استخدامه فى الميكروويف.. وأشارت إلى أن مادة «BPA» أو «بيسفينول A» التى تدخل فى صناعة بعض أنواع البلاستيك تمثل خطرًا مؤكدًا على الصحة العامة، لارتباطها بالعديد من المشكلات الصحية، وعلى رأسها الاضطرابات الهرمونية، والتأثيرات السامة على الجهاز التناسلي، وزيادة احتمالات الإصابة بالأورام السرطانية، سواء فى المخ أو الغدد الصماء أو الأعضاء التناسلية. وشددت على أن هذا الخطر لا يقتصر على الأطفال فحسب، بل يشمل الكبار أيضًا، غير أن الأطفال هم الأكثر عرضة للتأثر نظراً لصغر أعمارهم وطول مدة تعرضهم لهذه المواد. تفاعلات كيميائية وحذرت د. ولاء من استخدام الأدوات البلاستيكية فى الميكروويف، حتى وإن كُتب عليها أنها «صالحة للميكروويف»، مشيرة إلى أن الحرارة تُحدث تفاعلات كيميائية داخل البلاستيك، ما يؤدى إلى إطلاق المواد السامة، ومنها البيسفينول، التى تنتقل بدورها إلى الطعام ومنه إلى جسم الإنسان. وأضافت أن الألعاب البلاستيكية لا تقل خطورة، خاصة تلك التى تحتوى على روائح نفاذة أو ألوان زاهية غير مستقرة على سطح اللعبة، مؤكدة أن هذه الألعاب غالبًا ما تحتوى على صبغات أو مركبات كيميائية ضارة أو معاد تدويرها من نفايات بلاستيكية، وهو ما يمثل تهديدًا حقيقيًا لصحة الأطفال، إذ يمكن أن تتسبب فى التهابات جلدية أو أمراض تنفسية، فضلًا عن امتصاص أجسامهم الصغيرة لهذه المواد على المدى الطويل. تقنين استخدام البلاستيك وتابعت: «للأسف، البلاستيك أصبح بديلًا شائعًا للزجاج والخزف فى المنازل، لا سيما فى أدوات المطبخ، نظرًا لرخص ثمنه وسهولة استخدامه، غير أن هذا التفضيل القائم على سهولة الاستعمال والاقتصاد فى التكلفة يتجاهل مخاطر صحية جسيمة تهدد سلامة الإنسان، وتحديدًا الأطفال». وأوضحت أن الحل يكمن فى تقنين استخدام البلاستيك، والتوجه نحو البدائل الآمنة مثل الزجاج، والخشب، أو البلاستيك الخالى من مادة «BPA»، مشيرة إلى أن العديد من المنتجات الأوروبية عادت مؤخرًا إلى استخدام العبوات الزجاجية فى تعبئة الأغذية والمشروبات، بعد اتضاح الآثار الصحية الضارة للبلاستيك.. كما نبهت إلى خطورة البلاستيك المستخدم فى ألعاب الأطفال، خاصة الأنواع الرخيصة التى لا تُذكر عليها بيانات واضحة عن بلد المنشأ أو مكونات الصنع. وأكدت أن بعض تلك الألعاب تُصنّع من بلاستيك معاد تدويره أو يدخل فى تركيبها عناصر ضارة غير معلومة المصدر، ما يجعلها أشد خطورة على صحة الأطفال الذين يتعاملون معها لساعات طويلة يوميًا. ألعاب أمنة وأشارت إلى أن الألعاب القديمة المصنوعة من القماش أو القطن المحشو كانت أكثر أمانًا، موضحة أن العودة لاستخدام مثل هذه الأنواع البسيطة من اللعب، أو الألعاب الخشبية، تُمثل خيارًا صحيًا أكثر أمانًا بكثير من تلك البلاستيكية التى تُغرى الأطفال بألوانها أو أشكالها ولكنها تُخفى وراءها مخاطر صحية متعددة. واختتمت حديثها بالقول: «كلما قل تعرض الطفل للبلاستيك، كلما قل تأثيره السلبى عليه. المشكلة الحقيقية فى الاستهلاك اليومى الطويل الأمد للبلاستيك، وتحديدًا للأطفال الذين تتشكل أجسامهم ومناعتهم فى تلك السنوات المبكرة. والمطلوب ليس فقط تجنب البلاستيك الرديء، بل أيضًا نشر الوعى لدى الأمهات والآباء بضرورة تقنين استخدامه فى المنازل، ومراقبة ما يُحيط بالأطفال من أدوات وألعاب، لأن الخطر قد يتخفى وراء شكل جذاب أو سعر مغرٍ، بينما يحمل فى طياته تهديدًا حقيقيًا للصحة».