فى شتاء عام 1930، دخل عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد السجن بسبب جملة نطق بها فى جلسة البرلمان وأغضبت الملك فؤاد الأول. الموسم الحالى لمحمد صلاح يمكن وصفه بموسم تحطيم الأرقام وكتابة اسمه بحروف من ذهب فى سجلات الساحرة المستديرة. قاد صلاح ليفربول لحصد لقب الدورى الإنجليزى قبل نهاية الموسم بأربعة أسابيع، ليضيف الفريق لقبه العشرين فى تاريخه، والثانى خلال خمس سنوات. رحلة محمد صلاح مع كرة القدم كانت مسيرة تحقيق حلم آمن بقدراته، فاجتهد وترك البقية لرب العباد، الذى لا يخيب من جدّ. لم يكن صلاح مجرد لاعب يعرفه الجمهور المصرى أو العربى ، بل صار نجمًا عالميًا تعرفه جماهير الكرة فى قارات العالم الست. فى صيف عام 2006، كان صلاح ناشئًا فى صفوف المقاولون العرب، بينما كان نجم روما فرانشيسكو توتى يحتفل بفوز منتخب بلاده بكأس العالم. وكأن الأحلام تتحقق؛ لاحقًا رافق صلاح توتى فى روما، وظهر بموسم استثنائى مع الفريق الإيطالي، وضعه على رادار يورجن كلوب، مدرب ليفربول. صلاح لم يخذل كلوب؛ صال وجال فى الملاعب الإنجليزية. خلال مواسمه الثلاثة الأولى، توّج ليفربول بالدورى الإنجليزي، وبلغ نهائى دورى أبطال أوروبا مرتين، وفاز صلاح بالحذاء الذهبى ثلاث مرات. أصعب تحدٍ واجهه صلاح كان الحفاظ على النجاح بعد تذوق طعم البطولات والمجد، خاصة مع غياب منتخب مصر عن كأس العالم بقطر 2022. مع مطلع هذا العام، كانت التوقعات تشير إلى انتقاله لأحد الأندية العربية براتب هو الأكبر فى المنطقة، لكنه فضّل البقاء مع ليفربول لمواصلة تحطيم الأرقام القياسية. اليوم، يعتبر صلاح الورقة الأهم لدى المدرب الهولندى آرنى سلوت، الذى طوّر خططه لتتناسب مع قدرات النجم المصري. صلاح لم يكتفِ بحصد البطولات، بل حطّم أرقامًا عالمية كانت مسجَّلة بأسماء أساطير، متفوقًا على تيرى هنري، واقترب من رقم أندى كول، وقد يقترب الموسم المقبل من رقم واين رونى (208 أهداف)، ثم هارى كين (213 هدفًا). رحلة محمد صلاح مصدر إلهام لكل شاب فى بداية الطريق. من قرية بسيطة، وبفضل اجتهاده وطاعته لربه، صار أشهر نجم فى ملاعب العالم. القدر أبعده عن الأندية الكبرى فى مصر، ولعلنا نحمد الله أن الزمالك رفض ضمه وقتها، ليأتيه عرض بازل السويسري، وتبدأ رحلة تألقه، مفرحًا قلوب المصريين وكل ناطق بالعربية وعاشق لكرة القدم. عشق الزمالك علاقتى بتشجيع نادى الزمالك قاربت على نصف قرن. لا أعرف تحديدًا لماذا مال قلبى إلى هذا الفريق صاحب الرداء الأبيض، رغم أن نصف أسرتى يعشقون الأهلي. بدأت تشجيعه فى فترة كان فيها الفريق عامرًا بالنجوم؛ حسن شحاتة، فاروق جعفر، طه بصري، إبراهيم يوسف، على خليل وغيرهم. دار الزمن من مقاعد الثانوية العامة إلى مدرجات الجامعة، وظل الزمالك فريقى المفضل. كل عقد من الزمان تقريبًا كان يشهد صحوة قصيرة (بطولتين أو ثلاث)، ثم إخفاقًا يمتد بقية السنوات. كنت مثل ملايين الزملكاوية الأوفياء؛ لا تهزنا العثرات ولا تنال منا الهزائم. عشتُ انتصارات الزمالك فى مطلع التسعينيات، حين كان مع الإسماعيلى يقدّمان أمتع كرة قدم فى مصر، حصد الزمالك لقب الدورى مرتين متتاليتين، واقتنص الإسماعيلى اللقب الثالث. كانت فترة ذهبية انتهت سريعًا برحيل نجوم الفريق، وعاد الأهلى ليهيمن على البطولات لسنوات متتالية. لا يمكن لأى مشجع زملكاوى أن ينسى موسم «فريق الأحلام» عام 1997، عندما قدم الزمالك كرة أوروبية. كانت جماهير الدرجة الثالثة تغنى أغنية الدور للشاعر الغنائى عبدالوهاب محمد، لكن الحظ لم يكن حليفنا، وضاع الدورى فى موسم كان فيه الزمالك الأقرب للقب. مطلع الألفية، تجدد الأمل. حصد الزمالك ثلاث بطولات دوري، وأدخل السعادة فى قلوب عشاقه. كان عام 2002 موسمًا استثنائيًا، إذ توّج الفريق ب11 بطولة متنوعة . ثم جاءت «العشرية السوداء»، التى لم يرَ فيها جمهور الزمالك فرحة حقيقية، سوى لحظات عابرة. طوال عشر سنوات لم يدخل درع الدورى إلى ميت عقبة، بل أحيانًا لم يكن الفريق ينافس أصلًا. فرحنا بفترة حسن شحاتة، ثم بموسم حسام حسن، الذى تألق فيه الفتى الأسمر شيكابالا. بعد سنوات العجاف، أهدانا القدر لقب الدورى والكأس فى موسم واحد، لكن سرعان ما اندلعت المشاكل، وغابت البطولات أربع سنوات رغم امتلاك الفريق لتشكيلة قوية. فى عام 2020، كانت الصدمة الكبرى؛ الخسارة فى نهائى دورى أبطال إفريقيا أمام الأهلي، فى مباراة كان الزمالك الأقرب للفوز فيها. ثم جاء تتويج الفريق بالدورى عامين متتاليين، لكن يتجدد العذاب لعشاق الأبيض، ويتبدل حال الفريق، برحيل النجوم. ثلاث سنوات غابت فيها البطولات المحلية، ولا يبدو أن الغياب سينتهى قريبًا. هذا الموسم، أى زملكاوى يخشى مشاهدة مباراة لفريقه، الذى شهد تولى خمسة مدربين خلال 36 لقاءً فقط، ومع كل هذا يبقى الزمالك لجمهوره عشقًا ينبض فى القلوب. العقاد مسجونًا فى شتاء عام 1930، دخل عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد السجن بسبب جملة نطق بها فى جلسة البرلمان وأغضبت الملك فؤاد الأول. العقاد، المعروف بشجاعته، قال خلال مناقشة قانون محاكمة الوزراء: «البرلمان مستعد لأن يسحق أكبر رأس فى البلاد فى سبيل صيانة الدستور وحمايته». فطلب ويصا واصف، رئيس البرلمان، حذف العبارة من المضبطة، لكن الكلام وصل للملك، الذى استشاط غضبًا، ووصف العقاد بالعنيد. استُدعى العقاد للتحقيق بتهمة العيب فى الذات الملكية، وأُحيلت قضيته إلى الجنايات. بعد عدم اطمئنان فريق دفاعه، طلب تأجيل القضية، لكن المحكمة قضت بحبسه تسعة أشهر. داخل السجن، اشتكى العقاد من شدة البرد، وأثبت طبيب السجن حالته، فتم تركيب زجاج لغرفته. بعد أسابيع، زار على ماهر باشا السجن، ودخل غرفة العقاد محاولًا الحديث معه، لكن العقاد التزم الصمت، وغادر ماهر باشا الغرفة. تفاصيل هذه القصة كتبها أمير الصحافة محمد التابعى فى مقال نشرته مجلة آخر ساعة بعنوان «ذكريات من سجن مصر». تكريم قرآنى شباب أصفون المطاعنة «قرية العلماء» اتفقوا فيما بينهم على توحيد مسابقات القرآن الكريم، لتكون مسابقة واحدة يُكرَّم فيها جميع الفائزين فى حفل كبير، بحضور المسئولين وأصحاب الوظائف المرموقة من أبناء القرية الذين تفتخر بهم. عندما وجّه لى الخلوق زكريا الغزالى الدعوة لحضور الحفل، تلتها رسالة من المهندس أحمد عطا، علمت أن شباب أصفون المتطوعين قد بذلوا جهدًا كبيرًا فى الإعداد للحفل، فى الموعد المحدد، كنت بصحبة زملائي. ما إن دخلنا ساحة الحفل حتى تملّكنا الذهول من الحضور الهائل. التنظيم الرائع سهّل علينا التحرك بسلاسة بين الممرات دون أى ارتباك. قابلت أصدقاء وأقارب باعدت بيننا الأيام، والتقيت بصديق الدراسة وابن العم، وائل زكريا، عضو مجلس الشيوخ. اللافت للنظر أن رعاة الحفل الذين قدموا الجوائز الكبرى، اختاروا البقاء بين الحضور، رافضين الصعود إلى المنصة. اكتفوا بمشاهدة نجاح تجارتهم مع الله، فى ختام الحفل، تم تكريم 800 فائز من حفظة كتاب الله. حصل أصحاب المراكز الخمسة الأولى على رحلات عمرة، فيما نال باقى الفائزين مبالغ مالية، فى رسالة واضحة بأن حفظ القرآن هو أعظم استثمار.