أصدر الشاعر والناقد المصري سمير عبد المطلب ديوانه الشعري الجديد "سر التكوين" عن إحدى دور النشر المصرية، في تجربة أدبية جديدة تتقاطع فيها ثيمات الحب، والقدس، والتجربة الصوفية، مقدماً بذلك صوتًا شعريًا ينتمي إلى قصيدة الحداثة العربية، ذات النزعة الروحية والوطنية معًا. جاء الديوان، الذي يقع في أكثر من 100 صفحة من القطع المتوسط، متضمناً مجموعة من القصائد المتنوعة في أسلوبها وبنائها ومضامينها، حيث تبدأ بقصيدة "الحب أكبر"، وتنتهي ب"دنا فتدلى"، مرورًا بمحطات عدة أبرزها: "القدس تحرقه الصلاة"، "حرمٌ أنتِ"، و"خاتمة الأقوال". ويُعد الديوان هو الإصدار الشعري الثالث لعبد المطلب، بعد تجربتين شعريتين سابقتين لاقتا تفاعلًا نقديًا محدودًا، لكن "سر التكوين" يبدو أكثر نضجًا من حيث التكنيك الشعري والتجربة الشعورية والطرح الموضوعي. وقال الناقد محمد عبد الحميد دغيدي: في هدية شعرية تنبض بالإحساس والمعنى، أهداني صديقي الشاعر والناقد سمير عبد المطلب ديوانه الجديد "سر التكوين"، فوجدت نفسي أمام تجربة شعرية تستحق الوقوف، والتأمل، والإشادة. ديوان لا يقتصر على الغنائية، بل يتغلغل في الذات، ويتماس مع القضايا الكبرى، ويبوح بالعشق في أسمى تجلياته. غلافٌ بتأويلين: قصّ الغلاف وسرّ الحب أول ما يشد القارئ في "سر التكوين" هو غلافه الفني المثير للتأمل. تساءلت حين رأيته: هل تأثرت مصممة الغلاف بإهداء الشاعر للديوان، الذي يقول فيه: "إلى الأيام.. التي تقَطِّع فينا بسيفها.. فلا نعترض ولا نألم"؟ أم أن العنوان وحده ألهمها هذا التصميم الذي جاء على شكل مقص يوشك أن يقص أوراقاً متفرقة تحمل كتابات بلغة أجنبية؟ ربما رأت فيه الأيام تقطع أرواحنا كما يقص المقص الورق، أو ربما كان المقص رمزاً لتقاطع الرجل والمرأة، تباعدهما الظاهري وانجذابهما الباطني، ليتحدا ويكونا "سر التكوين" الإنساني والكوني. إنها رمزية لافتة توائم عنوان الديوان وتستحق الإشادة. "الحب أكبر": من العشق الأرضي إلى العشق السماوي في قصيدة الافتتاح "الحب أكبر"، يبدو الشاعر مأخوذاً بالحب في صورته الإنسانية، ثم يصعد به إلى مراتب العشق الأقدس. عبر توظيف ذكي للرمز الديني، يربط الشاعر قصة النبي موسى عليه السلام بقصة العشق الكوني. يقول: "مرر جموع العاشقين إذا انفلق/ لا تخش.. ليس الماء يغدر/ أوصلهمو شط الأمان ولا تخف/ فالحب باسم الله أكبر". إنه توظيف تراثي غير مباشر لكنه دال، يجعل الحب رسالة خلاص، وطريق نجاة. "القدس تحرقه الصلاة": صرخة شعرية ضد الخذلان في قصيدته "القدس تحرقه الصلاة"، يطلق الشاعر صرخة مدوية لا تغيب عنها الحِدّة الفنية ولا الوجدان الوطني. يبدأ بالنعي على حال الأمة، ثم ينتقل إلى توبيخها بأسلوب استنكاري، يتخلله النداء، والأسئلة، والرمز، والسخرية الموجعة: "من ذا سواك/ يجيب مظلوماً دعاه؟" يصل التصعيد الذروي حين يشبّه حجارة الانتفاضة بجيل من المفترض أنه أكثر وعياً، فإذا بالحجارة أكثر إنسانية منه. خطاب مباشر وقوي يتوجه به الشاعر إلى الأطفال، إلى القدس، إلى الوطن، ويختمه بالدعاء، حين لا يتبقى لنا إلا الدعاء. "حرمٌ أنتِ": الحب في صورته الأقدس رغم صغر حجمها، تعد قصيدة "حرمٌ أنتِ" من أكثر قصائد الديوان كثافةً وبلاغة. يصف فيها الحب النقي العف، الذي يعلو بصاحبه عن الدنيوية والمادية. الحب الذي يُطهِّر الروح، ويجعل من المرأة معبداً لا يُدنّس: "آخر أغنيةٍ وجلى في ديوان الحب الأسمى" هكذا يرى نفسه، وهكذا يرى الحبيبة: الحصن، والملجأ، والضوء الباقي في زمن العتمة. "خاتمة الأقوال": دراما الغياب والزمن العابر تظهر في "خاتمة الأقوال" قدرة الشاعر على استحضار المشهد الدرامي الشعري. يخاطب الحبيبة برجاءٍ عذب، ثم يرتد عليه صوتها بالحقيقة الموجعة: أن الزمن لا يرحم، وأن كل حب، مهما عَلا، مهدد بالغياب، والنهاية، والتحول إلى ذكرى. "دنا فتدلى": العشق طريق النبوة في خاتمة الديوان، يقدّم الشاعر واحدة من أعمق قصائد المجموعة: "دنا فتدلى". يعيد فيها رسم مشهد المعراج النبوي، لكن من زاوية الحب والعشق الإلهي. يرى أن الحب هو مفتاح الرفعة، وهو جوهر الرسالة، وأن المحب يخلُد بحبه كما خلُد النبي بمحبته. "قل للمحبين اعلموا/ من مات كى يفدى الحبيب/ فإنما وُهب الخلود بحبه" واختتم: ديوان "سر التكوين" لا يمكن تلخيصه في قراءة عابرة. إنه تجربة شعرية متعددة الطبقات: وجدانية، صوفية، وطنية، وإنسانية. شاعر يتقن الغوص في المعاني، ويستخرج من أعماق اللغة ما يعبر عن داخله، ويجعل قارئه يعيد اكتشاف الشعر كوسيلة بوح، وكشف، وارتقاء.