مؤخرًا أعلن الجهاز القومى للتنسيق الحضارى إطلاق مشروع لحصر وحماية الأشجارة المعمرة والنادرة كخطوة أولى للحفاظ على التراث الطبيعى. ورغم ترحيب المختصين فى مجال البيئة والتراث، بهذه الخطوة إلا أنهم اعتبروا أن المشروع تأخر كثيرًا نتيجة فقد جزء كبير من الحدائق والأشجار النادرة خلال السنوات القليلة الماضية. وفقًا للمهندس محمد أبو سعدة رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى فالهدف من المشروع حفظ وتوثيق الأشجار النادرة وذلك لتحقيق التنوع البيئى، والمحافظة على الأشجار كإرث طبيعى. وسيتم حصر وتوثيق الأشجار النادرة والمعمرة، مع العمل على حمايتها ودمجها ضمن التراث الطبيعى الوطنى كجزء من الهوية البيئية والتراث الثقافى. ووضعها ضمن المواقع الطبيعية إذ سيساهم ذلك فى الترويج للسياحة البيئية، بجانب دعم الاقتصاد المحلى. ويهدف المشروع لدعم فرص للتعاون مع المنظمات العالمية مثل: اليونسكو، وتسجيل الأشجار التراثية ضمن قائمة الأرشيف الوطنى للتراث، وحمايتها من التعديات والمخاطر الطبيعية والبشرية، مع وضع سياسات للحفاظ عليها. كما سيضع جهاز التنسيق الحضارى معايير واضحة لاختيار الأشجار النادرة ومنها: العمل على توافر بعض الشروط لتسجيل الأشجار التراثية ومنها: القِدم، ونوعها النادر، وقيمتها الثقافية، أو التاريخية. مع تقديم دراسة تاريخية لكل شجرة بهدف تحديد الأحداث التاريخية أو الشخصيات المهمة التى ارتبطت بتاريخ الشجرة. وسيتم العمل مع وزارة البيئة والاتصالات ومركز التوثيق للتراث الطبيعى، لتحديد المواقع ذات الأولوية خلال الفترة المقبلة. وكجزء من خطة الترويج للمشروع سيتم وضع لوحات تعريفية بجانب كل شجرة لتوضيح أهميتها والمعلومات التاريخية عنها. وسيتم أيضًا استخدام التكنولوجيا الحديثة عبر تطوير تطبيق رقمى يسمح للسياح والباحثين بالتعرف على مواقع الأشجار التراثية، واستخدام نظم المعلومات الجغرافية لحفظ البيانات وتحديثها. وهى الخطوة التى ستساهم فى وضع معلومات عن الشجرة، مثل: نوعها، والعمر التقديرى، والحالة الصحية، وتحديد القيمة التاريخية والثقافية. صياغة الفضاء العام الدكتور نبيل الهادى أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة رحب بفكرة المشروع لكنه اقترح حصر عدد الأشجار الموجودة داخل مصر بغض النظر عن تاريخها من عدمه. كما يرى ضرورة معرفة خرائط الأشجار وتوزيعها على المدن. يقول: «لن نستطيع دفع الناس للاهتمام وحب الأشجار الأهم معرفة ما نمتلكه، فعلاقة الناس بالفضاء العام المصرى ليست أولوية للمجتمع. المجتمع لا يشعر أصلًا أن له رأياً فى صياغة الفضاء العام، ولا يشعر بامتلاكه. وبشكل عام يجب ألا يقتصر المشروع الأخير على نوعية معينة من الأشجار سواء كان لها قيمة تاريخية أو لا». ويكمل: «منذ عامين قمنا بعمل ورشة باسم «خرائط الأشجار» وهى تهدف لتوثيق أشجار حديقتيّ الأورمان والحيوان، ووثقنا من خلالها ما يقرب من 2000 شجرة بهدف إنشاء قاعدة بيانات يمكن تطبيقها فيما بعد على مختلف المدن المصرية. لكننا وضعنا ملاحظات ومنها أنه بالرغم من أن شجر حديقة الحيوان تاريخى إلا أنه شجر غير محلى ولا ينتمى لمنظومتنا البيئية؛ لذلك ما يجب القيام به هو الاهتمام بالشجر البرى والمحلى. حاليًا يعانى العالم من تدهور التنوع الطبيعى، وهى نقطة تدعونا للاهتمام بالنباتات البرية المصرية، والتى من المهم الحفاظ عليها وإعادتها مرة أخرى للمدن الموجودة داخل العمق المصرى، هذه المهمة تتطلب معرفة واسعة بالمجال. ونحن نمتلك أكاديمية البحث العلمى التى يمكن استشارتها بالفعل، لكن بطبيعة الحال فإدارة مثل هذه المشروعات تتطلب دعماً، مع ضرورة إشراك المجتمع. لن نستطيع تقديم رؤية خاصة بها وفرضها على الناس بل يجب إشراكهم عند صياغة هذه المشاريع، من خلال تقديم الأبحاث والمعرفة الكاملة حول النباتات والأشجار المصرية. تحديات ويرى «الهادي» أن المدن المصرية فقدت فى السنوات الأخيرة جزءاً كبيراً من مسطحاتها الخضراء لكنه يصف المشكلة بالمركبة. «أغلب الأشجار الموجودة داخل مصر أشجار غير محلية ومُستوردة؛ وبالتالى فتأثير هذه النوعية من الأشجار سلبى لكونها تعمل على تفكيك الروابط البيئية بينها وبين المنظومة البيئية مثل: الحشرات والنباتات، والطيور والكائنات الأخرى. هذه النوعية من الأشجار لا تساعد فى مواجهة التحدى الأكبر من التغير المناخي؛ أى تدهور التنوع الطبيعى، وهى أمور مرتبطة بوجودنا كبشر فى هذه المرحلة. لذلك من المهم ضم هذه المقترحات للمشروع الجديد. لأن عمليات التشجير لابد أن تكون بوعى شديد، فأغلب الأشجار المحلية المصرية لا تستخدم الكثير من كميات المياه بعكس النباتات والأشجار والأخرى». مواجهة الجزر الحرارية الدكتور عباس الزعفرانى أستاذ التصميم البيئى والعميد السابق لكلية التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة وصف أيضًا الخطوة التى أعلن عنها التنسيق الحضارى بالمهمة، كونها محاولة لتصويب أخطاء الماضى. ويقول: «الشجر له دور مهم فى عملية التبريد. فتشجير المدن بشكل كثيف يساهم فى استقرار درجات الحرارة داخلها، وغياب التشجير يدفعنا لمواجهة ظاهرة الجزر الحرارية؛ أى ارتفاع درجات الحرارة داخل المدينة بنسب أعلى من محيطها العمرانى، وهو الأمر الذى ينطبق على القاهرة، التى ترتفع درجات الحرارة فيها بنسبة أعلى من محيطها بمعدل 6 درجات مئوية، وهى أمور تدفعنا لإعادة تشجير المدن مرة أخرى». يرى الزعفرانى أن ما يميز مصر هو تنوع عدد الأشجار والنباتات داخلها، هذا التنوع يمكنه أن يجعل منها مدينة لا مثيل لها بالنسبة لعدد النباتات والأشجار داخلها بجانب التنوع البيئى «المدن الأوروبية لن تجدد داخلها سوى أربعة أنواع من الأشجار. بينما القاهرة قد تصل عدد أنواع الأشجار الموجودة فيها لما يقرب من ال40 نوعًا. وهى نسبة لا يمكن تجاهلها بل ينبغى الاستثمار فيها بشكل أكبر؛ لذلك فخطوة التنسيق الحضارى جيدة من حيث البدء لكن من المهم الاستثمار فيها بصورة أكبر، لأن مناخ مصر يسمح باستيعاب هذا التنوع الكبير». فكرة غير سليمة ويرفض «الزعفراني» الاتهامات التى تربط بين الشح المائى وعمليات تشجير الشوارع والمدن داخل مصر قائلاً: «هذه الفكرة غير سليمة فكمية المياه المُستخدمة فى التشجير لا تمثل شيئاً بالنسبة للكمية الإجمالية المُستهلكة من المياه والتى يذهب أكثر من 86% منها فى عمليات الرى الزراعى، و5% للاستعمالات المنزلية، والرقم ذاته بالنسبة للاستخدامات المنزلية. أما بقية النسبة فهى موزعة على الصناعة والاستخدامات الحضرية الأخرى ومن ضمنها: رى الحدائق. هذه الأرقام تعنى أننا ببساطة لا يمكننا ربط الشح المائى بكثافة التشجير لأننا أصلًا لا نملك عدداً كافياً من التشجير داخل مدننا. فنصيب الفرد من المساحات الخضراء داخل مصر لا يتجاوز عُشر الحد الأدنى المتُعارف عليه على مستوى العالم. كذلك فعمليات رى الأشجار بالمياه يساهم فى تبريد المدن، من خلال عمليات التبخر التى تقوم به». ثقافة مجتمعية وبسؤاله عن تجريم قطع الأشجار داخل المشروع أجاب: «خلق ثقافة مجتمعية بالنسبة لعمليات الحفاظ على الأشجار لابد أن تسبقه أولًا ثقافة رسمية تتبناها الجهات الحكومية. فالمصريون لا يملكون ثقافة للتعامل مع الأشجار خصوصًا داخل المناطق التجارية، فهم يفضلون عادة قطع الأشجار ظنًا منهم أن الأمر قد يفيدهم، وفى رأيى لسنا فى حاجة لقانون، لأن القوانين موجودة أصلًا منذ زمن لذلك نحتاج لتفعيل القانون على الجميع بدون أى مواربة أو تساهل مع تنفيذه».