حينما تهل علينا نسائم شهر مايو الحارة فإن ذلك يُعنى أننا دخلنا إلى أجواء امتحانات نهاية العام الساخنة بما فيها من شد أعصاب وتوتر واستعدادات مكثفة ممن لديهم ارتباط مباشر بالمنظومة التعليمية، وهى أجواء يمكن وصفها بأنها طبيعية نتيجة لتقديس الامتحانات باعتبارها من تربط مصير الطلاب ومستقبلهم بخاصة فى الشهادات الأساسية والثانوية العامة، لكن يبقى هناك مجموعة من العوامل السلبية التى تتكرر سنويا وتبقى بحاجة إلى تدخلات مختلفة للتخفيف من حدة درجة السخونة لحماية الطلاب والمجتمع أيضا. تبقى أول هذه المشكلات ما يرتبط ببزنس الدروس الخصوصية، وليس من المنطقى أن يتحمل رب الأسرة أضعاف الميزانية التى يحددها لأبنائه طوال العام خلال شهرى مايو ويونيو، سواء فى مراحل النقل أو إذا ما كان لديه طلاب فى المرحلة الثانوية، وفى ظل الأوضاع المعيشية الضاغطة على المعلمين أن يراعوا ظروف أولياء الأمور، وليس من المنطقى أن يبقى ثمن حصص المراجعات أضعاف حصص الشرح العادية، بل إن تزايد معدل الحصص اليومية والأسبوعية يضع الكثير من الأسر فى مأزق يجب التعاطى معه إنسانيا قبل أن يكون تنفيذيا أو رقابيا فى ظل وضعية الدروس الخصوصية الحالية فهى ليست مجرمة ولا مقننة وتخضع لأهواء المعلم. المشكلة الثانية تتعلق بسلوكيات أولياء الأمور أنفسهم تجاه أبنائهم، فليس من الممكن أن يتضاعف الضغط النفسى والعصبى على الطالب فى وقت يحتاج فيه للهدوء والتركيز، بالطبع ما يتعرض له ولى الأمر أيضا من ضغوط قد ينعكس على الطالب لكن هذا ليس ذنبه، وأثبتت التجربة على مر العصور والسنين أن كثرة الضغط تولد الانفجار ولا تقود للتميز أو التفوق، وبالتالى ليس مستغربا أن تشهد الامتحانات حالات انتحار وإصابات وإغماءات نتيجة لهذا الضغط الهائل. أما ثالث هذه العوامل فهو يرتبط بالمعلمين الذين يشاركون فى منظومة الامتحانات وهؤلاء يقع على عاتقهم جزء كبير من المسئولية لأنهم الطرف الذى ينفذ التعليمات الخاصة بضبط لجان الامتحان وخلال السنوات الأخيرة تعرض هؤلاء لضغوط كبيرة دفعت لأن تتزايد معدلات الغش وتداول الامتحانات على مواقع التواصل الاجتماعي، وأرى أن وزارة التربية والتعليم عليها دور مهم فى حماية هؤلاء وتوفير سبل الراحة والنجاح لهم، وكذلك فإن الوازع الأخلاقى والإنسانى يضع على عاتق هؤلاء المعلمين مسئولية كبيرة فى تخفيف الضغط عن الطلاب والتعامل مع أى مؤثرات خارجية تستهدف تشتيت تركيزهم. نصل إلى الضلع المهم فى المنظومة التى ترتبط بوزارة التربية والتعليم والتى تسير بوتيرة واحدة منذ عدة سنوات بشأن تنظيم عملية الامتحان، وتبدأ بامتحانات النقل ثم الشهادات الأساسية والدبلومات الفنية ثم تتفرغ إلى الثانوية العامة، غير أن التجربة أثبتت أن إجراءاتها التنظيمية للامتحانات تعانى ثقوبا وثغرات ينفذ منها ضعاف النفوس والغشاشون والفاسدون للاستيلاء على جهد الطلاب وضمان النجاح والانتقال للصف التالى بالنسبة لصفوف النقل والشهادات أو الاستحواذ على مقاعد كليات القمة بالنسبة لمرحلة الثانوية العامة. حتى كتابة هذا المقال لم ألحظ تغييرا ملموسا فى طبيعة تعامل وزارة التربية والتعليم مع الامتحانات وأن اللقاء الذى عقده الوزير محمد عبداللطيف أخيرا مع مديرى المديريات التعليمية بشأن الاستعدادات لها خرج بتعليمات تتكرر تقريبا بنفس الصيغة كل عام لكن دون حلول ناجزة، وانتظرنا هذا العام تعديلا على المستوى الإجرائى لامتحانات الثانوية العامة لكن يبدو أن خطط الوزير لعقد الامتحانات داخل مدرجات الجامعات ذهبت أدراج الرياح، كما أن الإقبال على مدارس أولاد الأكابر والتخطيط المسبق لعملية الغش تستمر أيضا على قدم وساق منذ بداية العام الدراسى وتأخذ فى التصاعد الآن مع قرب إجراء الامتحانات. من الصعب تصور إجراء الامتحانات بنفس الطريقة التى تثبت كل عام أنها تعانى مشكلات وبحاجة للتحسين والتصويب ودون أن يكون هناك تدخل فاعل وحقيقى من وزارة التربية والتعليم باعتبارها تتولى الجزء الأكبر من العملية التنظيمية، ومثلما أدخل الوزير محمد عبداللطيف تعديلات عديدة على مواد الامتحان ومناهج المواد الدراسية بالنسبة للثانوية العامة كان يستوجب ذلك أن يصاحبه تغيير فى إجراءات التعامل مع الغش. يبقى السؤال مطروحا: متى يمكن أن نُغير من استراتيجية التعامل مع الامتحانات وتأمينها ودقتها؟ ولماذا نغفل طوال العام عن إصلاح أخطاء السنوات السابقة ثم نفيق مجددا على كابوس الغش والتداول والانتحار وغيرها من الظواهر السلبية؟