إنه لا يكفى أن تطالب بإنهاء الحرب التى وصفها ترامب أخيراً بالبشعة وإنما يتعين أن نرى ضغوطاً أمريكية واضحة وملموسة بينما كان البعض ينتظر أن تكون مفاجأة ترامب التى وعد بها بمناسبة زيارته الخليجية ستكون فلسطينية ، جاءت هذه المفاجأة سورية عندما قرر أن يستجيب لطلب ولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان برفع العقوبات الأمريكية على سوريا بعد أن التقى بالرئيس السورى أحمد الشرع .. أما بخصوص الفلسطينيين فإنه لم يتحدث عن حل الدولتين وحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة وإنما اكتفى بتعهد له بأن تستمر أمريكا فى جهودها لوقف الحرب فى غزة التى وصفها بالوحشية قبل أن تبدأ زيارته الخليجية، وهو ما يعد تغيراً ملموساً فى الموقف الأمريكى بنى عليه البعض توقعاتهم المتفائلة بخصوص زيارة ترامب للخليج التى تشمل السعودية وقطر والإمارات ،بالإضافة إلى الأنباء التى ترددت مؤخراً حول خصام ترامب مع نتنياهو أو على الأقل ضيقه منه، واجراء أمريكا محادثات مع ايران حول برنامجها النووى والتوصل إلى اتفاق مع الحوثيين فى اليمن لا يشمل إسرائيل. غير أن هذا التغير فى الموقف الأمريكى تجاه الفلسطينيين لا يرقى إلى مستوى الإقرار بحقهم فى التحرر من الاحتلال البغيض وإقامة دولتهم المستقلة بعد .. إنما التغير يتركز الآن على وقف الحرب ضد أهل غزة والتى تقترب من العامين الآن والتى تحولت إلى حرب إبادة جماعية استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة والتجويع والحرمان من الغذاء والعلاج. وهذا ما يمكن رصده فى الجديد الذى يحمله مبعوث ترامب للمنطقة ويتكوف هذه المرة ، فهو لا يحمل معه اتفاقاً لهدنة مؤقتة كما فعل فى المرات السابقة وإنما يحمل معه اقتراحاً بصفقة تفضى إلى وقف الحرب بشكل دائم مع الإفراج عن كل المحتجزين الإسرائيليين فى غزة ، وتشمل أيضا ابتعاد حماس عن حكم غزة وتخليها تدريجياً عن سلاحها .. وتقضى هذه الخطة الجديدة التى أبلغ بها نتنياهو بهدنة طويلة نسبياً فى مرحلتها الأولى تمتد من سبعين إلى تسعين يوماً يتخللها مفاوضات للوقف الدائم للحرب ، وتقديم أمريكا ضمانات لحماس بان تلتزم حكومة نتنياهو بالانخراط فى مفاوضات الوقف الدائم للحرب . وإذا كان نتنياهو استجاب للضغوط الأمريكية وأرسل للدوحة وفداً للتفاوض حول مقترح ويتكوف الجديد الذى يحاول استثمار زخم الإفراج عن الجندي الإسرائيلى الأمريكى ألكسندر بلا مقابل من جانب ، إلا أن نتنياهو استبق محادثات الهدنة بالإعلان عن عزمه توسيع العملية العسكرية فى غزة لاحتلال مزيد من الأرض فى القطاع .. بل إنه هدد بوضوح أنه إذا تم التوصل إلى هدنة للإفراج عن عشرة محتجزين جدد فإن قوات الاحتلال سوف تستأنف بعدها عملياتها العسكرية فى القطاع حتى يتحقق القضاء كما قال على حماس. وهكذا أمريكا وإدارتها فى اختبار الآن أمام الفلسطينيين والعرب .. فإنه لا يكفى أن تطالب بإنهاء الحرب التى وصفها ترامب أخيراً بالبشعة وإنما يتعين أن نرى ضغوطاً أمريكية واضحة وملموسة على حكومة نتنياهو لكى توقف تلك الحرب .. وايضاً لا يكفى أن يخاصم ترامب نتنياهو ولا يرد على اتصالاته التليفونية وإنما الأمر يحتاج لإجباره على الذهاب إلى هدنة تفضى إلى وقف الحرب فى نهاية المطاف لا إلى هدنة يتم خرقها وعدم الالتزام بتنفيذ كل مراحلها بعد تسليم بعض أو كل المحتجزين الإسرائيليين فى غزة إذا كانت أمريكا كما تعهد ترامب تريد إنهاء تلك الحرب البشعة فإنها يجب أن تُمارس ضغوطاً فاعلة ومؤثرة وواضحة على حكومة الاحتلال لكى يتحقق ذلك .. إن ترامب هدد روسيا بعقوبات اقتصادية جديدة إذا لم تمض فى طريق إنهاء حرب أوكرانيا ، وبالتالى عليها أن تفعل ذلك مع نتنياهو الذى يصر على استمرار الحرب لتنفيذ مخططه وحكومته لتهجير الفلسطينيين من غزة ثم الضفة وإقامة إسرائيل الكبرى التى يحلم بها الصهاينة ويسعى المتطرفون اليهود لتحقيقها . إن ترامب وعد الناخبين العرب فى أمريكا خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب على أهل غزة ، وفى السعودية جدد هذا الوعد مرة أخرى بعد أن كان يتوعدها بالجحيم ولابد أن يترجم تعهده هذا إلى أفعال تجبر نتنياهو وحكومته على إنهاء هذه الحرب خاصة أنه ظفر بما يرجوه من زيارته الخليجية وقبل أن تبدأ .