الخبراء: ظاهرة تنتشر وتتوغل والسر فى السوشيال ميديا أسباب عديدة أدت إلى تأخير سن الزواج لدى الرجل، فى مقدمتها: تحول الأدوار الاجتماعية وتوقعات الشباب حول الشريك المثالي، إضافة إلى الطموحات الشخصية التى أثرت على فكرة الارتباط، حيث يسعى العديد من الشبان لتحقيق أهدافهم المهنية والتعليمية قبل التفكير فى الزواج، فضلًا عن العوامل الاقتصادية، مما يساهم فى زيادة معدل العزوف عن الزواج. بالإضافة إلى أن هناك فئة كبيرة من الشباب لا ترى الزواج خيارًا ضروريًا، ويفضلون الاستقلالية والحرية.. هذه ليست كل أسباب تفضيل الرجل للعزوبية، فكل رجل لديه سبب مختلف عن غيره، لكنهم يتفقون جميعًا على عدم اقتناعهم بالدخول إلى عش الزوجية. يقول خالد محمود -35 عامًا- إنه يخاف من خطوة الزواج بعد أن عايش انفصال والديه وهو فى سن صغيرة، ويخشى أن يكرر نفس السيناريو، والخوف من الفشل، مما جعله يؤجل القرار رغم ضغط أسرته عليه. أما عصام محمد -40 عامًا- فيرى أن التجارب المحيطة به لا تشجعه على اتخاذ القرار، فمعظم أصدقائه منهكون بعد الزواج، بل وتعرض بعضهم للطلاق وخسارة أطفاله، وهو لا يريد هذه المخاطرة. ويحكى محمد عبد السلام -34 عامًا- أنه أمضى سنواتٍ طويلة فى دراسة الطب ثم التخصص، وأغلب الفتيات المحيطات به وفى عمره متزوجات، والصغيرات يفضلن شابًا أصغر سنًا منه، ويشعر أن عمره قد سُرق منه دون أن يدري. ووفق تقرير صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مصر، فإن نسبة العزوبية بين الرجال فى الفئة العمرية من 30 عامًا فما فوق قد ارتفعت إلى 28٪ عام 2023، مقارنة ب 21٪ عام 2015. وتؤكد د. هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية، أن الحرية الزائدة لها دور كبير فى عنوسة الرجال، إضافة إلى حالة الترويج لعدم الثقة بين الأزواج على وسائل التواصل الاجتماعي، والتركيز على حوادث العنف الأسري، مما يشجع الرجل على عدم الزواج، وصرف النظر عنه نهائيًا. السينما والدراما.. أحد الأسباب وتتهم زكريا السينما والدراما بأنها أحد الأسباب التى تحرض الرجل على أن يظل بعيدًا عن الزواج، نتيجة لما تطرحه من موضوعاتٍ حول المشاكل بين الأزواج، فى الوقت الذى تصوِّر فيه الرجل العازب على أنه يتمتع بكل شيء محروم منه المتزوج. وطالبت بالعودة إلى الأفكار القديمة التى كانت تطرحها السينما، وتقديم نماذج سواء فى المسلسلات أو الأفلام أو حتى البرامج التليفزيونية، لا تشجع الشباب على العزوف عن الزواج، وهو العلاقة المرتبطة بالود والتراحم، والمعاشرة الحسنة. وترى أستاذ علم الاجتماع أن الزواج نظام اجتماعى فى كل المجتمعات الإنسانية، من أجل البقاء فى الحياة، وحرصت المجتمعات قديمًا على الزواج المبكر للأبناء حفاظًا على فكرة امتداد العائلة، حيث يسكن فى البيت الواحد المكون من عدة أدوار العائلة بأكملها: الأب، والأم، والأبناء، وزوجاتهم، وبناتهم، وأزواجهن، والأحفاد، وهو ما كان يحدث فى الأرياف ولا يزال موجودًا حتى اليوم ولكن بنسبة أقل، على عكس ثقافة الأسرة المنعزلة المتواجدة فى المدن، فكل أسرة صغيرة فى المدينة منغلقة على نفسها وتعيش منفصلة عن بقية العائلة. وتشير إلى أن الشباب أصبح لديهم كم كبير من الطموحات والأحلام، بالإضافة إلى الاستقلال المادى لدى الفتيات والشباب على حدٍ سواء، مما قلل من قيمة الزواج وضعف الاتجاه للإنجاب، وبدأت تطرح أسئلة: هل الزواج حاليًا مهم مثل الأيام الماضية؟ وغالبًا ما تكون الإجابة: نعم، ولكنه مهم بعد الانتهاء من خطوات كثيرة قبله، خاصة وأن الطلاق بدأ يصبح ظاهرة اجتماعية. الخوف من فشل العلاقة العاطفية وتقول: «الكثير من الرجال ينظرون إلى الزواج على أنه أسلوب حياة، ومن المُفترض أن يتعايشوا معه طيلة العمر كله، والبعض الآخر يعتقد أن الشخص حين يرتبط بإنسانة واحدة طول الحياة فإن ذلك يصيبه بحالة من الملل، وهناك من يخاف من فشل العلاقة العاطفية قبل الزواج، فيتولد لديه عدم الرغبة فى الزواج خوفًا من الفشل، وأحد أهم عوامل عنوسة الرجال يرجع إلى إبراز دور المرأة فى المجتمع الآن عكس الماضي، لأنها أصبحت تحظى بمكانة عالية وراقية، فلا تفكر فى الارتباط بأى شخص لمجرد الزواج، وإنما تختار الشخص الذى يتناسب مع مستواها الفكرى والمجتمعي». التوعية بنظام الزواج وتقترح د. هدى إنشاء مؤسساتٍ اجتماعية هدفها توعية الشباب والفتيات بنظام الزواج، وهو ما يحدث فى أمريكا، حيث إن هناك برامج يشارك بها المقبلون على الزواج لمدة أسبوعين، يحصلون خلالها على ورش تدريبية على الحياة الزوجية وتربية الأبناء، ويتعرضون خلالها لكل الضغوط التى تحدث بعد الزواج والأمومة والأبوة. يتم بعدها تحديد ما إذا كان هؤلاء الشباب قادرين على تحمل المسئولية ورعاية الأبناء أم لا، وهو ما يجعلنا ندرك أنه من الأفضل أن يكون سن الزواج متأخرًا وليس مبكرًا، ليكون الشاب والفتاة ناضجين بما يكفى لتحمل تلك المسئولية الضخمة، وطلب المعرفة بمسئوليات الزواج حرصًا على استمراره، وأن يكون هناك تدخل اجتماعى وثقافى وتعليمى للتحسين من حالة العلاقة. تحريض من وسائل التواصل ويقول د. على النبوي، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر: إن تأخر سن الزواج لم يعد الآن وصمة مثل الماضي، لأن وسائل التواصل الاجتماعى تساعد على دعم الأفراد عن طريق وجود أقران لهم يشبهونهم، فتجد مجموعات للمطلقات، ومجموعات لغير المتزوجات، وحركات نسوية كثيرة تنادى بأن الابنة فى الأسرة تعتمد على نفسها وليس على أهلها. بالإضافة إلى تغير فكر الآباء والأمهات، فأصبحوا يبحثون لابنتهم عن عمل تؤمِّن به مستقبلها أفضل من الزواج، وقد كان أول عامل فى تأخير سن الزواج هو تعليم البنات والشباب، لأن قبل التعليم كان الاهتمام الأول بالزواج، ولكن بعد التعليم أصبحت جمل مثل «لما تخلص دراستها» أو «لما تكمل الماجستير أو تنتهى من تحضير الدكتوراة» هى السائدة. الهجرة إلى الخارج أما المشكلة الخطيرة التى يعانى منها الجيل الحالي، فهى حب أشياء جديدة عليه، بالنسبة له أفضل من الزواج، مثل الهجرة للخارج، لذلك لا يفكر فى بناء أسرة فى بلده. بالإضافة إلى أنه جيل مرتبط جدًا بالسوشيال ميديا لدرجة تجعله يغضب ويتذمر عند قطع الإنترنت، فنجد شباب اليوم يجلسون على مائدة الطعام وفى يدهم الهاتف المحمول، ويضحكون ويعبرون عن مشاعرهم مع مجموعة ليست موجودة بالواقع ومنعزلين عن أسرتهم فكريًا. وذلك موجود فى جميع الطبقات الاجتماعية، لأن وسائل التواصل الاجتماعى موجودة بين كل طبقات الشباب ولا تفرق بين فئة وأخرى. السخرية من العلاقات الزوجية ويضيف: «الكارثة التى تهدد الشباب وتجعلهم يبتعدون عن الزواج هى السخرية من العلاقات الزوجية على وسائل التواصل الاجتماعي، فنجد منشوراتٍ كثيرة وصوراً ملونة تسخر من الزواج وتستبدله بأشياء أخرى، مما يجعل الشاب أو الفتاة يحجم عن هذه الفكرة، لأنه شاهد خبرات سيئة لمن تزوجوا قبله، بالإضافة إلى انتشار فيديوهات كثيرة تحذر من الزوج النرجسى والزوجة النرجسية، وتزرع فى عقول الشباب أنهم عندما يتزوجون كأنهم مقبلون على حرب، وليس على بناء أسرة سعيدة». ويوضح: «للأسف، تغيرت أولويات الشباب، وأصبح يفكر بطريقة أن الزواج نظام اجتماعى فاشل، وأمام أعينهم أمثلة مثل لاعب الكرة الشهير مارادونا الذى تزوج وأبناؤه يحضرون معه زفافه على زوجته، وكريستيانو رونالدو الذى يعيش مع جورجينا، أم أولاده، بدون زواج. وبرغم معرفة الشاب أن هؤلاء من ثقافات وأديان أخرى، إلا أنهم يتأثرون جدًا بهذه الأفكار وأنماط الحياة فى الغرب.. لذلك فإن مشكلتنا الحالية هى أن الشاب يعيش فى مصر، ولكن بعقلية غربية، نتيجة لما يتلقاه من ثقافة أجنبية وينبهر بها وتشكل كيانه ووجدانه».