في جنوب آسيا، يتجدد التوتر بين القوتين النوويتين الهندوباكستان، وعلى إيقاع الحروب القديمة والاتهامات المتبادلة، أطلقت الهند صواريخها مستهدفة ما وصفته ب"البنى التحتية الإرهابية" داخل الأراضي الباكستانية، في خطوة تصعيدية أثارت قلق المجتمع الدولي وأعادت إلى الأذهان مشاهد المواجهة العسكرية في عام 2019، خلف هذا المشهد الناري، تكمن معادلات عسكرية متطورة وتحولات استراتيجية عميقة تزيد من مخاطر الانزلاق نحو حرب شاملة، قد لا تبقي ولا تذر. ضربات "سندور" في خطوة عسكرية مثيرة للجدل، أعلنت الحكومة الهندية اليوم الأربعاء تنفيذ ضربات صاروخية "دقيقة" ضد تسعة أهداف قالت بحسب وصفها إنها تضم "بنى تحتية إرهابية" داخل الأراضي الباكستانية، وفي بيان رسمي، كشفت الحكومة عن إطلاق ما وصفته ب"عملية سندور"، مشيرة إلى أنها استهدفت مواقع كان يتم فيها "تخطيط وقيادة الاعتداءات الإرهابية" ضد الأراضي الهندية. ورغم وضوح العملية من حيث الأهداف المعلنة، فقد أحجمت السلطات الهندية عن تقديم أي تفاصيل بشأن نتائج هذه الضربات أو حجم الأضرار التي خلفتها، واكتفى البيان بالتأكيد على أن هذه الضربات جاءت كرد مباشر على هجوم دامٍ وقع في 22 أبريل في مدينة باهالغام، الواقعة في الجزء الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه، وأدى إلى مقتل 26 شخصاً، معظمهم من المدنيين والسياح المحليين. باكستان من جهتها سارعت إلى نفي أي ضلوع لها في الهجوم، ووصفت الاتهامات الهندية بأنها "ادعاءات لا أساس لها" تهدف إلى تبرير تصعيد عسكري غير مبرر. أخطر مناطق النزاع في العالم لطالما كانت كشمير القلب النابض للصراع الهنديالباكستاني، فمنذ استقلال البلدين عام 1947، خاضت نيودلهي وإسلام آباد ثلاث حروب شاملة في أعوام 1948 و1965 و1971، إضافة إلى عدد لا يحصى من الاشتباكات الحدودية والتوترات المسلحة، كان معظمها بسبب هذا الإقليم الجبلي الاستراتيجي. وفي تسعينيات القرن الماضي، دخلت المعادلة عنصرًا أكثر خطورة، حين امتلكت الدولتان السلاح النووي، مما جعل من كشمير واحدة من أخطر مناطق النزاع في العالم، ويشير مراقبون إلى أن أي تصعيد في هذه المنطقة قد يشعل فتيل حرب نووية كارثية، خاصة في ظل غياب آليات فعالة لضبط التصعيد بين الجانبين. تصعيد بعد تطوير القدرات العسكرية منذ آخر مواجهة عسكرية كبرى بين الجارتين النوويتين في فبراير 2019، والتي شهدت تبادلاً للضربات الجوية وأسقطت فيها طائرات، شهدت القدرات الدفاعية والهجومية في البلدين تطورًا نوعيًا ملحوظًا. وبحسب تقرير نشرته وكالة "رويترز" في 5 مايو، أكد عدد من الضباط العسكريين السابقين والخبراء الأمنيين أن الهندوباكستان استثمرتا بشكل مكثف في تحديث أسلحتهما الجوية والدفاعية، ما يزيد من احتمالية التصعيد السريع حتى في حال اندلاع نزاع محدود. ويقول محمد فيصل، الباحث في شؤون أمن جنوب آسيا بجامعة التكنولوجيا في سيدني، إن "كل طرف بات يعتقد أنه في وضع أفضل من المرة السابقة، وهذا قد يفتح الباب على مصراعيه لمغامرة عسكرية جديدة.. لكن النتيجة لن تُعرف إلا عند اندلاع المعركة فعلاً". رافال في مواجهة J-10 من أبرز التحولات العسكرية التي طرأت على المشهد، امتلاك الهند 36 طائرة مقاتلة فرنسية من طراز "رافال"، تُعد من أحدث الطائرات الغربية المتاحة للتصدير، وقد طلبت البحرية الهندية أيضًا المزيد منها لتعزيز قدراتها الجوية. في المقابل، لم تقف باكستان مكتوفة الأيدي، بل حصلت منذ عام 2022 على دفعات من طائرات "جي-10" الصينية، التي تُعد من أفضل الطائرات الحربية الصينية وتشكل نظيرًا قويًا لطائرة رافال، ووفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، فإن القوات الجوية الباكستانية تمتلك الآن ما لا يقل عن 20 طائرة من هذا الطراز. من الناحية التقنية، تتميز طائرة رافال بصواريخ "ميتيور" جو-جو ذات المدى البعيد، القادرة على إصابة أهداف خارج نطاق الرؤية، بينما تُجهز طائرات J-10 بصواريخ PL-15 المماثلة، وفقًا لما أكده مصدر أمني باكستاني طلب عدم ذكر اسمه بسبب عدم تخويله الحديث إلى وسائل الإعلام. صواريخ إس-400 مقابل HQ-9 ولم يقتصر التطوير العسكري على الطائرات فقط، بل شمل أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ بعيدة المدى، فقد حصلت الهند على نظام "إس-400" الروسي المتطور، والذي أثبت فعاليته في ساحات القتال ويُعد من أقوى الأنظمة المضادة للطائرات في العالم. أما باكستان، فقد حصلت على نظام HQ-9 الصيني، الذي يعتمد في تصميمه على النسخة الروسية من نظام S-300، وإن كان أقل تطورًا من نظيره الهندي. تهدف هذه الأنظمة إلى سد الثغرات الدفاعية التي كشفتها مواجهات عام 2019، خصوصًا بعد تمكن طائرات هندية من اختراق المجال الجوي الباكستاني، والعكس صحيح. بوادر تصعيد واسع أشارت تقارير إعلامية إلى أن الهند تُعد لتوغل عسكري محتمل في المناطق الحدودية، في خطوة استباقية لمعاقبة من تصفهم ب"الداعمين للإرهاب"، وفي هذا السياق، تعهد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ب"معاقبة كل من تورط في الهجوم بشكل يفوق تصوراتهم"، في لهجة توحي بأن الأزمة قد تتدحرج نحو مواجهة مفتوحة. من جهتها، تراقب باكستان التطورات بحذر شديد، حيث اعتبرت تصريحات نيودلهي بمثابة تمهيد لعدوان عسكري، ملوحة بالرد في حال تم المساس بسيادتها أو أراضيها، وكررت إسلام آباد تأكيدها أنها "لم تكن طرفًا في الهجوم الذي وقع في باهالغام"، متهمة الهند بمحاولة تحويل الأنظار عن مشكلاتها الداخلية عبر تصعيد خارجي. في ظل هذا التوتر المتصاعد، يُحذر مراقبون دوليون من أن أي خطأ في الحسابات أو سوء تقدير قد يؤدي إلى اندلاع نزاع شامل بين قوتين نوويتين، مما قد يهدد استقرار المنطقة برمتها، بل والعالم أجمع. وإلى حين تتدخل الدبلوماسية لاحتواء الموقف، تبقى السماء بين نيودلهي وإسلام آباد مرشحة لاشتعال جديد، قد يكون أخطر من كل ما سبق.