أصبحت قضية البحث عن العداءة الفرنسية أجاثا هيلاريت، الشغل الشاغل للسلطات الفرنسية ووسائل الإعلام خلال الأيام الماضية، بعد اختفائها المفاجئ أثناء ممارستها لرياضة الركض حول منزل والديها، وفتحت السلطات الفرنسية تحقيقًا لمحاولة التوصل إلى أسباب الاختفاء والتي وضعت على إثره عدة فرضيات، أكثرها تشاؤمًا هو الاختطاف والقتل. كانت الساعة العاشرة والنصف صباحا، عندما قررت الشابة الفرنسية أجاثا هيلاريت، 28 عاما، الخروج في نزهة صباحية والركض على مسار منتظم حول منزل عائلتها في منطقة فيفون، وهي عادة قادرة على قطع مسافة 20 كيلو مترًا خمس مرات على الأقل في الأسبوع للتخلص مما وصفوه ب «الأفكار المظلمة». ومنذ ذلك الوقت، بحسب وسائل الإعلام الفرنسية، دفعت الشرطة الفرنسية بموارد واسعة وتقنيات متطورة، شملت مروحيات هليكوبتر وطائرات بدون طيار، وكلاب تعقب، وغواصين، ودراجات نارية، وفرق بحرية، وجنود من الجيش، ومئات من عناصر الخدمة المدنية بخلاف تعزيزات مستمرة من رجال الإطفاء. بدأت حركة بحث واسعة النطاق في محيط مساحة تقدر ب100 كيلومتر مربع، وعلى بعد 10 كيلومترات من نقطة انطلاق أجاثا، تمكنت السلطات من العثور على هاتفها الذي كان في الوضع الصامت، وخلاف ذلك لم تعثر السلطات على أي أثر أو مكالمة منتظرة أو حتى رسالة منها. وبعد خمسة أيام من البحث المكثف، تم تضييق نطاق البحث في مسافة تبلغ مساحتها 3 كيلومترات مربعة حول منطقة فيفون، واسترشدت السلطات بالكلاب المتخصصة للبحث في الأحراش، في الوقت الذي كان يبحث فيه الغواصون في نهر كلاين على طول تلك المسافة، ولكن بدون أي نجاح. مع مرور أسبوع من اختفائها، اتخذ التحقيق بعدًا جديدًا، فبعد أن كانت السلطات في البداية قد فتحت تحقيقًا بتهمة الاختفاء المقلق، إلا أنها غيرت استراتيجيتها، وفتحت النيابة العامة في بواتييه تحقيقًا قضائيًا ضد مجهولين بتهمة الاختطاف والحجز، وأحيلت القضية إلى قاضي التحقيق . وعلى الرغم من غضب الأسرة من فتح تحقيق بتهمة الاختطاف، والذي أفضى إلى توقف عمليات البحث تماما، إلا أن النيابة العامة الفرنسية في المدينة، أكدت أن ذلك التغيير في تصنيف القضية يهدف إلى تعزيز وسائل التحقيق وتوسيعها، ويجعل كل الفرضيات مفتوحة من أجل البحث عنها. وبموجب التحقيق الجديد، سيتم عمل تحليل للحمض النووي وتحليل رقمي والقيام بجلسات استماع للشهود والمشتبه فيهم، وتمكنوا من جمع 90 تقريرًا من الشهود، تحلل من قبل الشرطة، وبحسب وسائل الإعلام أشار أحد تلك التقارير الموثوقة إلى مشاهدة شخص ذو سلوك مشبوه يعبر طريق العداءة المختفية في منطقة مليئة بالشجر. كل الفرضيات مفتوحة وباتت بسبب التحقيق الجديد، كل الفرضيات مفتوحة أمام جهات التحقيق الفرنسية، والتي كان أسوأها تعرض أجاثا ما يعرف باسم اللقاء السيئ، وهو افتراض أن العداءة الشهيرة تعرض لها طرف ثالث واختطفها، ولكن هذا الأمر كما تؤكد صحيفة «لو باريزيان»، يحتاج من الشرطة التحقق منه بالحصول على أدلة محتملة أو خطيرة. الفرضية الأخرى تمثلت في أن العداءة أجاثا، يمكن أن تكون قد تعرضت لحادث دهس عن طريق سيارة طائشة، ولكن استبعاد هذه الفرضية يأتي من منطلق أنها تعرف المسارات والطرق المسطحة جيدا، كونها تسلك ذلك الطريق منذ سنوات، ولم يعثر على أي دليل رسمي يدعم هذه الرواية. أيضا، يفترض المحققون أن تكون الشابة الفرنسية المختفية، قد شعرت بالتعب البدني، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى حالة إغماء أو سقوطها، أو انخفاض حاد في سكر الدم، أو إصابة غير مرئية، خاصة أنها معروفة بأنها نحيفة جدا، ووزنها يقترب من 35 كيلو جرامًا فقط، وهو ما يصبح الجسم وقتها أكثر عرضة للانهيار البدني، ولكن عدم العثور عليها عبر المسار المعروف، أفشل تلك الفرضية بالنسبة للمحققين. فرضية الانتحار أيضا، وضعت على طاولة المحققين، كونها افتراضية محتملة، مبنية على فكرة أنها حاولت الانتحار عدة مرات من قبل، لكن خططها لحضور احتفالات عائلية، بخلاف استعدادها لتغيير مسيرتها المهنية كما أعلنت على صفحاتها الاجتماعية، جعل الشرطة تستبعد تلك الفكرة. من هي أجاثا هيلاريت؟ كانت أجاثا قد بدأت ممارسة رياضة الجري منذ أن كانت في السابعة عشرة من عمرها، وبعد حصولها على شهادة البكالوريوس، درست القانون في جامعة بواتييه لمدة عام قبل أن تنتقل إلى التدريب كمساعد، وتوقفت لعدة سنوات، لكنها عادت إلى ممارسة هذه الرياضة بشكل جدي في مايو 2024. وبحسب منشوراتها على وسائل التواصل الإجتماعي، كانت تلتقي مع رفقائها كل أحد في رحلات طويلة تبلغ مسافتها 20 كيلومترا، ووصفها أصدقاؤها بأنها ديناميكية، وكانت معروفة بإنتظامها وحكمتها ومعرفتها الكاملة بالمسارات المحلية، وكانت منخرطة بشكل كبير في العمل. كانت العداءة المختفية تعمل سكرتيرة استقبال في جمعية تعمل على تسهيل التكامل المهني لسكان منطقة بواتييه الكبرى، وقبلها كانت تعمل لدى العديد من العلامات تجارية، بما في ذلك متاجر رياضية شهيرة، كما شغلت منصب مساعدة تنفيذية في مجمع رياضي في بواتييه. وأبدى أصدقاؤها استغرابهم واندهاشهم من هذا الاختفاء وفرضية انتحارها أو هروبها، مشيرين إلى أنها تشارك في السباقات بشكل منتظم وتتمتع بحافز كبير ولديها أهداف كبيرة، ولم يروها يومًا حزينة، ولكنهم في الفترة الأخيرة كانوا يشعرون بالقلق بسبب فقدانها لوزنها ونحافتها، التي كانت يمكن أن تشير إلى أنها تعاني من مشكلة صحية. حالات اختفاء مماثلة لكن اختفاء العداءة الفرنسية، لم يكن مجرد قصة إخبارية بالنسبة لملايين من الفرنسيين، ووفقا لصحيفة لوموند، فإن ذلك الاختفاء تردد صداه مع حالات اختفاء مماثلة أخرى حدثت في السنوات الأخيرة في مختلف أنحاء فرنسا، مع نفس الأسئلة، ونفس مخاوف بشأن النتيجة التي تستغرق أحيانا أشهر حتى تكشف الحقيقة. وأعاد اختفاء أجاثا إلى أذهان الفرنسيين الذكرى المؤلمة لاختفاء باتريشيا بوشون البالغة من العمر 49 عامًا التي أثارت غضبًا عميقًا وحركت الرأي العام في المنطقة نفسها، حيث كانت تذهب للركض الصباحي في تولوز واختفت فجأة، ليتم العثور عليها بعد 42 يومًا وحُكم على رجل في عام 2023 بالسجن لمدة 20 عامًا بتهمة قتلها. كما أثار اختفاء العداءة الفرنسية، أسئلة حول ما تتعرض له المرأة في فرنسا، وأشار الخبراء لوسائل الإعلام أن تلك الاختفاءات تعتبر علامات تحذيرية حول الحرية التي اكتسبتها المرأة الفرنسية منذ عشرات السنين، حول حريتها في الوجود الكامل بمفردها في الأماكن العامة. ففي فرنسا لا يزال حتى الآن يتعين على العديد من النساء توقع النظرات والتعليقات وحتى العدوان أثناء ركوب المترو أو الحافلة، أو المشي إلى المنزل في الليل، أو السفر بمفردهن، أو الجلوس في صالة السينما، والتفكير مليًا في الوقت والمكان والملابس وحتى الطريق الذي ستتخذه عند الذهاب للركض. دراسة وبحسب دراسة نشرتها صحيفة «لو دوبوش» فإن نحو 15% من ممارسي رياضة الجري من النساء يشعرن بعدم الأمان أثناء ممارسة هذه الرياضة، ويصل هذا الشعور إلى 27% بين الفئة العمرية بين 18 و24 عاما، وتعرض واحدة من كل اثنتين من العداءات بواقع 56%، واجهت بالفعل مواقف صعبة أثناء السباق، ما بين التعليقات المسئية والتهديدات والإعتداءات وحتى متابعتهم حتى منزلهم. وفي الوقت ذاته قالت 72% من النساء الفرنسيات اللواتي يمارسن رياضة الركض إن الشعور بعدم الأمان يؤثر على ممارساتهن للرياضة، ويدفعهن ذلك لوضع استراتيجيات لتجنب المواقف الخطيرة، بينما قالت 66% من النساء أنهن اخترن الطرق المناسبة، ويتجنب منهن 61% الركض في وقت متأخر من الليل. وفي الأخير تعيش مدينة فيفون التي اختفت فيها العداءة الفرنسية ويبلغ عدد سكانها 4 آلاف نسمة، في حالة من الصدمة والانتظار لنتائج التحقيق، الذي يشرف عليه نحو أربعين من رجال الشرطة، بهدف البحث عن الحقيقة وراء اختفاء أجاثا، وكما أكد المدعي العام الفرنسي في بواتييه سيريل لاكومب؛ فإن جميع السبل يتم اكتشافها لمعرفة مصير أجاثا والعثور عليها، وبات المسار الجنائي هو المحرك الرئيسي للقضية. اقرأ أيضا: بعد شهور من المطاردات .. القبض على المطلوب الأول لفرنسا فى رومانيا