لم يكن فجر ذلك اليوم مختلفًا عن غيره في تفاصيله البسيطة، لكنه كان مختلفًا في قدره، نزل أحمد من بيته مبكرًا كعادته، يستقل سيارة الميكروباص التي يعمل عليها ليجمع بضع جنيهات يشتري بها دواء الصدر لطفله المريض، لم يكن هذا الشاب يعلم أن الدنيا لن تعطيه فرصة ثانية، وأن آخر ما ستسمعه أذنه في الحياة هو صوت طعنة غدر أودت بحياته. "توكلت عليك يا رب"..تعود احمد أن يرددها على مسامعه كل صباح وهو يخرج من بيته ليكد ويكدح قبل أن يعود ليلا إلى بيته واسرته الصغيرة. أحمد حامد الفار، شاب بورسعيدي، لم يتجاوز العشرين من عمره، وُلد يتيم الأم، ونشأ في كنف جدته شادية، ووالده المسن المريض، فكبر قبل آوانه، وتولى مسئولية البيت صغيرًا، تزوج مبكرًا، ورُزق بطفلتين: واحدة في عامها الثاني، والثانية لم تكمل 8 أشهر. تقول جدته باكية: "أنا اللي ربيته، وكان بيقول لي كل يوم توكلت على الله، ويمشي يشتغل.. رجع لي جثة، ووشه ساكت ودمه سايح"، لكن ما الذي حدث في هذا اليوم؟! في يوم الحادث، كعادته أحمد يعمل على سيارة ميكروباص، ليكفي علاج ابنه المصاب بحساسية على صدره، لكن مشادة بسيطة مع سائق آخر بسبب راكب في الشارع – لا يتجاوز أجره 5 جنيهات – تحوّلت إلى خلاف دموي. بحسب رواية الأسرة، حاول أحمد الابتعاد، رفض الاشتباك، وسار في طريقه، لكن القاتل لم يتركه، استعان بزملائه، وأعدّ له كمينًا على الطريق، ثم اتصل به صاحب الميكروباص لدعوته للتصالح، ذهب أحمد بنيّة طيبة، فلم يجد أحدًا، فغادر، لكنهم لاحقوه. وفوجئ الشاب الصغير بطعنة سكين في فخذه كانت طعنة نافذة في شريان الفخذ، تركوه ينزف في الشارع هي دقائق وسقط بعدها على الأرض غارقا في دمائه، حاول زميله إنقاذه فتلقى طعنة هو الآخر احتاجت 5 غرز، ثم فرّ الجناة هاربين. "عاد جثة" قالت إحدى قريباته: "الناس قالوا إن البلطجية ضربوه، ولما جه واحد ينقذه، ضربوه هو كمان علشان ميقربش.. أحمد كان نازل يجيب دواء لابنه.. ابنه عنده أزمة صدر، والفلوس كانت ناقصة.. نزل علشان لقمة عيشه.. مات عشان يوفر جنيهات قليلة يشتري بيها دوا لابنه". كان المشهد في الجنازة مهيبًا، الجميع يبكيه وليس على لسانهم إلا عبارة واحدة "كان ابن موت"، أما الجدة شادية فقد انهارت، وهي تصرخ وسط الزحام: "قتلوا عائلنا الوحيد.. عاش يتيما وقدر ولاده أنهم يعيشوا كمان ايتام"، بينما كانت الصغيرة تطرق باب الغرفة على أبيها المسجى وتتمتم: "بابا نايم ليه؟"، لحظة دفنه، نطقت الرضيعة كلمتها الأولى: "بابا"، لتكون آخر صرخة للحب في حياة لم تُكتمل. الأمن يتحرك تحركت أجهزة الأمن في بورسعيد بسرعة، وتمكنت من ضبط المتهمين، وإحالتهم إلى النيابة العامة التي باشرت التحقيقات وقررت حبسهم على ذمة التحقيق. يقول أحد أقاربه: "مش عايزين غير حقه.. مفيش حد بيساعدهم.. لا مرتبه كبير، ولا أم سند، ولا أب قادر.. هو كان العائل الوحيد.. ومات علشان 5 جنيهات." أصدقاء أحمد قالوا عنه: إنه لم يكن يحتفظ بجنيه لنفسه، وإنه "اللي في جيبه مش ليه، فهو ابن بار بأسرته وجدته ووالده المسن المريض"، وأكدوا أن الخلاف لم يكن يستدعي الدم، لكن القاتل طعنه بكل برود، ومشى وكأن شيئًا لم يحدث. اقرأ أيضا: بضربة فأس.. مصرع مزارع في مشاجرة بقنا