فى زوايا الشوارع والحواري، وفى ظل انشغال الناس عن تكريس الأخلاق، تتكرر مشاهد مؤلمة تعكس خللًا تربويًا عميقًا : أطفال وصبية يطاردون قطًّا، يضربون كلبًا بالحجارة، أو يربطون حيوانًا أعزل ويضحكون على أنينه. قد تبدو هذه التصرفات للبعض مجرد «لعب عيال»، لكنها فى حقيقتها إشارات أولية لمنحدر خطير يُفضى فى بعض الحالات إلى التحول لاحقًا إلى قتلة وسفاحين. وليس هذا مجرد افتراض نظري، بل حقيقة موثقة فى ملفات الجريمة والطب النفسي. إن الطفل الذى يُشاهد يُعذِّب حيوانًا صغيرًا، لا يُلام وحده. الملامة تقع على أسرة لم تعلّمه معنى الرحمة، ومدرسة لم تزرع فيه القيم، ومجتمع لم يُدرك بعد أن الرحمة ليست ترفًا تربويًا بل ضرورة أخلاقية لحماية مستقبلنا من مجرمين محتملين. من واجب الإعلام والمدارس والمؤسسات الدينية أن تسهم بدور جاد فى التوعية بهذه الظاهرة، والتنبيه إلى أن من يعتاد القسوة على الحيوانات سيتطبع مع القسوة ذاتها فى علاقاته الاجتماعية والإنسانية. لكنى لا أكتفى بالتحذير من القسوة ضد الحيوان، بل أدعو إلى ما هو أسمى وأجمل: التبنّي. نعم، لماذا لا نتبنى حيوانا أليفا؟ ليس بالضرورة أن نحوله إلى فرد دائم داخل البيت، بل أن نمارس نحوه مسئولية إنسانية بسيطة: طبق ماء فى يوم حار، أو بقايا طعام توضع له بعيدًا عن أقدام المارة، أو رعاية إذا أصيب فى حادث أو ظهر عليه الضعف. إن مشهد طفل يحمل الطعام لقطة الشارع، أو فتاة تضع كرتونة صغيرة للاحتماء من المطر لكلب ضال، هو مشهد يزرع بذور الرحمة فى النفوس، ويعيد توازن القيم فى مجتمعنا. فالرحمة لا تتجزأ، ومن لا يرحم الحيوان، يصعب أن يُؤتمن على إنسان. إن القطط والكلاب، وإن كانت بلا لسان يتكلم، إلا أن نظراتها تستغيث، وصراخها حين تتألم يهز الفطرة السليمة. وإن كانت لا تكتب شكاوى، فإن السماء تقرأ صمتها، وتحاسب عليه. فلنربِّ أبناءنا على أن يكونوا رُحماء، لا أن يتحولوا إلى جلادين صغار. ولنجعل التبنى للحيوان منهج حياة، لا مجرد استثناء عاطفي. فبذلك، نحمى أنفسنا من مجتمع قاس، ونبنى أجيالًا تتنفس الإنسانية.