المقولة الشهيرة «لا يُفتى ومالك فى المدينة» مقولة صحيحة، فلم يكن فى المدينة من هو أعلم من الإمام مالك وأفقه منه.. قانون تنظيم الفتوى الذى يناقشه مجلس النواب هذا الأسبوع يترجم هذه المقولة، قصر حق الفتوى فى الشئون العامة على مؤسستى الأزهر ودار الإفتاء، بمرجعية هيئة كبار العلماء عند الاختلاف، واختلافهم رحمة. لا يفتى والمفتى (د. نظير عياد) فى المدينة، الفتوى أمانة، ولا يحملها إلا مؤتمن، والقانون يحدد الأمناء على الفتوى، ويقطع ألسنة المفتين بغير علم، ويكبح سيل الفتاوى البائسة التى أغرقتنا، مررت عيشة الناس الطيبة، وينقى الفتوى من سوءات تنطع بها نفر من المجترئين على الفتوى. القانون الذى يناقشه مجلس النواب فى أربع جلسات حوارية (مجتمعية) مع طائفة من المعنيين بأمر الفتوى وتنظيمها، قانون طال انتظاره، أن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى أبداً، وحسنا تقدمت وزارة الأوقاف بمشروع القانون، ومرره مجلس الوزراء بعد مراجعة عميقة لمواده عبر مختصين إلى البرلمان. الأمانة صارت بين أيدى نواب الشعب، ومستوجب نفرتهم العقلانية لمناقشة القانون، وتقليب مواده على أوجهها، وإقراره على ما فيه من مواد تنظيمية للفتوى التى باتت تترى على بعض أفواه لا تفقه ما تفتى به فى أمور الدين والدنيا. القول بأن القانون يمس حرية التعبير، ويقصر الفتوى على الأزهر والإفتاء، قول يراد به باطل، أخشى قول مخاتل، هذا قانون ينظم لا يمنع، يجيب على سؤال، من له حق الفتوى، الفوضى الضاربة فى حقل الفتوى تفتن الناس فى دينهم ؟ لقد تأذى الطيبون كثيرا من مثل هذه الفتاوى التى تصدر جزافا مجافاة للشرع الحكيم، تصدر جهارا نهارا عن من لا يحسنون الفتوى أو يتبضعون ظهورا بفتاوى تخدش الحياء الديني، و لا تستسيغها النفس السوية، دون خجل ولا وجل أخلاقي، ولا لياقة ولا لباقة مجتمعية، للأسف أوغل بعضهم فى فتاوى ذات رائحة كريهة تأنفها النفوس الزكية. لن أذكر بمثل هذه الفتاوى التى تكاثرت شيطانيا على شواطئنا الطيبة، وتصدر من منصات يمتطيها غير المختصين والمتبضعين لمشاهدات عبثية، وللأسف محسوبين ظلما وعدوانا على العلماء، وما هم بعلماء، وإن اعتمروا العمامة الأزهرية، ولكنهم متبضعين بالدين، ويجولون ببضاعتهم الفاسدة (منتهية الصلاحية) على المنصات الإلكترونية التى تقتات على الجيفة (الترند الفاسد)!! ابتلينا بجماعة من المفتين، يفتون فى كل شىء وأى حادث، ولأى عابر سبيل، حتى الفتوى الشخصية صارت على أفواههم عامة، وتفننوا فى الفتوى التى تخدش حياء المجتمع، وتتسلل إلى غرف النوم، تفتى فى ما بين المرئ وزوجه فى المضاجع. كله بيفتى فى كله، حالة مخيفة من البغبغة السقيمة، تخلف غيمة من المرويات تتسلل فى ثناياها أحكام فقهية خبيثة تبثها دوائر تستهدف الإرباك، حالة من البلبلة والتشتت والخداع، عنعنات ومرويات، وكله يقطع ويجزم، وينسب الهراء إلى الهراء، هذا قانون مطلوب على وجه السرعة لقطع دابر الفتوى بغير علم..استقيموا يرحمكم الله .