«خالى واكل ورث أمي».. «الولد يكسب».. وغيرها من الأمثال التى عبّرت عن المشاكل التى تقع فى تقسيم التركة والميراث بعد الموت أو حتى على قيد الحياة.. رغم أن الميراث حق شرعى وقانونى، إلا أنه غالبًا ما يتحول إلى مصدر للنزاع والتفكك الأسرى فى العديد من المجتمعات، لا تزال قضايا تقسيم التركة تشهد صراعات مريرة بين الورثة، تتخللها الخلافات، والخصومات، وحتى القطيعة التى قد تمتد لسنوات. الحكاية الأولى بطلتها «هيام أحمد» سيدة تزوجت فى سن صغيرة بداية العشرينات من عمرها، وكان زوجها حب العمر، وشاء القدر أن يختاره الله فى حادث ويترك زوجته وابنتيها وسط عائلة صعيدية وعم لا يخشى الله فى بنات أخيه، وبدلا من حمايتهن إذا به يطمع فيهن وستولى على حقهن فى ميراث أخيه لمجرد أنهما بنات وسيدة ضعيفة لا حول لها ولا قوة، وبعد نزاعات كثيرة بين الأهل على «شقة» فى بيت عائلة يعيش فيه الأم والأخ وزوجته وأولاده قرر أن يتقاسم شقة شقيقه المتوفى مع زوجته وبناته ليعطيهن غرفة واحدة منها وباقى الشقة له هو وأسرته، رغم أنه يمتلك شقة مثلها فى نفس المنزل، ولكنه الطمع ، وهنا قررت «هيام» الاستسلام لهذا الوضع لمجرد حماية بناتها من العيش فى الشارع حيث لا مأوى بعد زوجها، وعملت فى أشغال كثيرة بسيطة حتى قامت بفتح «كشك» صغير لها ولبناتها لتستطيع الصرف عليهن، لأنها ليس لديها القدرة المادية على الخوض فى معارك المحاكم التى تستمر لسنوات. أما الثانية فكانت لأب اسمه «محمد حسان» ليس لديه فى الحياة غير ابنتين وكل تفكيره كيف يؤمن لهما حياتهما بعد مماته، فقرر أن يكتب كل أملاكه باسم ابنتيه فى حياته بيعًا وشراء وهو القرار الذي يثير الكثير من الشكوك من الجانب الدينى ولكنه توجه لدار الإفتاء للمعرفة وقيل له إنه ليس عليه أى ذنب فى ذلك فهو حر القرار فى التصرف فى أملاكه، فهى لم تعد تركة، فالتركة هى ما يتركه بعد الموت. والثالثة والأخيرة كانت للخال «م. أ» الذى عاش طيلة حياته بجانب الأخت الكبيرة التى ربته واعتبرته ابنها الأكبر، واعتبره البنات والدًا إلى أن توفيت الأم وتركت مبلغًا ماليًا كبيرًا دون وصية لتقسيمه، فأصبح ميراثًا شرعيًا له ولبناتها وزوجها وأختها الصغرى، ولكن بعد موت الأم بساعات بدأ الأخ بالتساؤل عن الميراث وكم يبلغ ومتى يتم تقسيمه وكأنه كان فى انتظار الموت لأخته للحصول على مالها، وظل فى مشاكل مع البنات والجرى وراء الأوراق الرسمية لمعرفة التفاصيل لعدم ثقته بهن وكأنهن سيأكلن عليه حقه فى ميراثها، وبعد حصوله على نصيبه بدأ البحث عن المشغولات الذهبية لأخته ليتقاسمها مع بناتها، والتى ليس له الحق بها فمن المعروف أن الذهب للبنات كما تقول الأعراف، ولكنه صُدم عندما علم أنها لا تملك ذهبًا وبدأ فى تكذيب البنات فيما يقلن. وأصبح الخال الوالد ليس خالًا ولا والدًا لهن بعد موت الأم وتركهن دون سؤال بعد ما أخذ كل حقوقه. وردًّا على كل هذه الروايات الحزينة والتى لا تذكر ضمن روايات كثيرة فى محاكم الأسرة والتساؤلات الكثيرة التى طُرحت على السوشيال ميديا بخصوص كتابة الأملاك للأبناء فى حياة الأم والأب، قالت المحامية «مها أبو بكر» عضو لجنة المرأة فى نقابة المحامين إن الرأى القانونى يقول إن الميراث هو ما يُترك بعد الوفاة، أما ما يمتلكه الأب أو الأم فى حياتهما فهو أملاك، فبالتالى من حقه كتابتها لمن يريد وهو على قيد الحياة، بينما هناك مسميات أخرى للميراث مثل الوصية أو الهبة، إذ من حقه أن يوصى بعد وفاته بتقسيم أملاكه كما يريد، وهى تُحقق بعد الوفاة.. وأضافت أن القضايا الخاصة بالميراث إلى وقت قريب كنا نتعامل معها فى المحاكم المدنية بالسنوات حتى نستطيع إثبات الحق وإعادته لأصحابه، ولكن منذ عام 2019 حصل تجريم جنائى فيما يتعلق بموضوع منع الميراث عن الورثة، وهذا قام بحل الكثير من هذه النوعية من المشاكل، ولكن ما زلنا نعانى من أزمة عدم وجود فرز وتجميد للتركة لم يحدث فيها بت وتعيدنا إلى نقطة الصفر فتأخذ الكثير من الوقت فى المحاكم، مؤكدة أن العقوبة وصلت من الغرامة إلى حالة العود، ومن حق من تقدم بالدعوى التنازل عنها فى حالة الصلح. أما عن التفسير النفسى للأشخاص الذين يستأثرون بالميراث من الأشقاء والأبناء، فيقول الدكتور على نبوى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، إن الذى يفعل ذلك لا يرى نفسه ظالمًا أو منحرفًا عن الحق، وإنما لديه تبريرات كثيرة لفعل ذلك، وأنه يرى أنه ضحى كثيرًا لكى لا يذهب هذا المال فى جهة غريبة لأنه يرى أن أخته التى تأخذ الميراث ليس بصفتها وإنما بصفة الزوج، فكيف ينتقل مال أبيه إلى أسرة أخرى، وهذا يكون متغلغلًا فى وجدانه وينطبق على سلوكه ويجد تبريرات غريبة منها مثلًا أنه لا يظلمها ولكنه يعطيها مالًا بدلًا من نصيبها فى منزل أو قطعة أرض، أو قد يأتى بشكل التضييق عليها مثل أن يعطيها قطعة أرض زراعية لكن فى وسط الأرض فلا تستطيع استغلالها أو بناءها أو بيعها للأغراب، فبالتالى هو يضع مواقف تُرضى ضميره ألا تذهب أرض أبيه إلى أسرة أخرى لأنه يعتبر هذه الأموال قد تعب الأب فيها وعليه أن يحفظها بعد وفاته. ويرى أيضًا أن أخته لا تستحق الميراث لأنها مقتدرة فهى ليست فى حاجة لميراث الأب، وغيرها من الأسباب، إذًا فالفكرة المسيطرة على الذى يأكل الميراث هى التبرير بحجج كثيرة أو التسويف أو التأجيل لمدة سنوات، ومن هنا يتضح لنا الانشقاق فى السلوك، وأن آكل الميراث يصلى ويصوم ويقوم بأداء الفرائض الدينية على أكمل وجه، ومن هنا يتضح أن الفكرة النفسية هى التى تسيطر على الشخص لأنها لم تُعالج من الأصل وعليه العلاج والتوعية أو تغيير نمط التفكير وجعل الشخص يؤمن بأن الحقوق والواجبات تُؤدى كما هى، لأنك عندما تعطى أختك حقوقها سوف تنال أنت أيضًا حقك من زوجتك. وهذه المشكلة النفسية ناتجة عن حب اختزان واحتكار وعدم الشعور بالأمان وعدم التفريط فيما فعله الأب وكأنها رسالة مهمة يقوم بها الابن أن والدى قد تعب فى هذا المال وعليَّ أن أحفظه، وبهذا يبرر مثلًا استيلاء الأخ الأكبر على ميراث الأب، فتكون البداية فى أول الأمر بأننى الكبير وعليَّ الحفاظ عليكم وهذا اتفاق بينى وبين والدى أن أحفظ الأرض والمال وأنكم لا تجيدون التعامل معه. ومن الجانب الدينى قال الشيخ إبراهيم رضا، أحد علماء الأزهر الشريف، إن هناك فرقًا بين الميراث للمتوفى وبين الأموال للشخص الحى، فالميراث يُترك على المال الذى مات صاحبه وتركه فتُسمى «تركة»، أما الشخص الحى فتُسمى أمواله هبة أو عطية وليس ميراثًا، وليس هناك أى ذنب على من يعطى أبناءه من أمواله وهو حى على أن يعدل بينهم فى القسمة، مثل الحديث الصحيح للنبى عليه الصلاة والسلام قال: «اذهب فأشهد على ذلك غيرى، فإنى لا أشهد على جور»، أما الميراث فلا يتم التعامل معه هكذا فالميراث هو أمر توقيفى جاء من الله، الذى حقه فقط أن يحكم ويقسم فيه، فقال الله تعالى: «تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه»، فلا يجوز التلاعب بالميراث. أما عن الوصية بعد الموت، فقال «رضا»: لا وصية لوارث، لا نعترف بوصية تحدد من يأخذ ما له من الميراث، حيث قام القانون المصرى عام 1946، بجعل الوصية ملزمة فى حالة وفاة الأب فى حياة الجد، فللأبناء الحق فى ميراث الجد بعد وفاته. مؤكدًا على أنه أصبح هناك خلط فى المصطلحات كما قيل بالمطالبة بالمساواة المطلقة بين الذكر والأنثى فى الميراث، أولًا الدين فى الميراث لا يتعامل فى قضية ذكر وأنثى بدليل أن الرجل يحصل أكثر من المرأة فى الميراث فى 4 حالات، ولكن المرأة تحصل على نصيب أكبر من الرجل فى 34 حالة، فهنا لا تقع كلمة «للذكر مثل حظ الأنثيين» فهذا أمر توقيفى فى حالات محددة، ألزمنا الله بها ولكن ليست للتعميم، فالإسلام «افعل» و»لا تفعل».