بعد مسيرة حافلة مع الشعر والنقد حققت الأديبة الكويتية د. نجمة إدريس مكانة راسمة فى المشهد الثقافى الكويتي، وأثمرت الرحلة خمسة دواوين إلى جانب كتب تتنوع بين النقد والترجمة، إلا أنها اتجهت إلى السرد خلال السنوات الأخيرة، وأصدرت روايتين: «حدائقهن المعلقة» و»سيرة الغائب» عن دار صوفيا للنشر، وكانت أحدث تجاربها السردية المجموعة القصصية كنفاه التى حصدت جائزة ملتقى القصة القصيرة فى الكويت فى مستهل هذا العام، وهى ليست الجائزة الأولى فى مسيرتها، حيث حصلت من قبل على جائزة الدولة التقديرية فى مجال الأدب فى دولة الكويت، وكذلك نالت جائزة المرأة العربية فى الأدب، وفى حوارنا معها سألناها: فى «كنفاه» هناك لقطات من الحياة اليومية تتقاطع مع أشكال مختلفة من المعاناة المجتمعية، فهل كنت معنية بكتابة نصوص للمسكوت عنه؟ - أى عمل أدبى لابد أن يخوض فى الهم الاجتماعي، ويحفر وراء الندوب الإنسانية، أما نسبة التعبير عن المسكوت عنه من صور المعاناة، فمرهونة فى رأيي، بفهم الأديب العميق لحياة مجتمعه، وحسن مقاربته لها، ثم بمهارته فى الإشارة إلى هذه الندوب والتشوهات دون فجاجة فى اللفظ أو مبالغة فى التجريح أو اللجوء إلى الانحطاط وما يجافى الذوق من المشاهد الرخيصة، بحجة فضح المسكوت عنه، صحيح أن مساحة الحرية قد يكون لها سقف، وهذا السقف قد يعلو أو يهبط تبعا للثقافة المجتمعية فى المقام الأول، وليس الرقابة الرسمية، والأديب الحاذق يستطيع أن يصنع من الأدوات الفنية ما يعينه على التوغل فى أعمق المناطق الشائكة، دون الحاجة إلى الدخول فى صراعات مع ما تسمح به ثقافة مجتمعه، أو رقابتها، والخلاصة أنه ليس هناك ما هو مسكوت عنه فى المعالجة الأدبية على الإطلاق. فى مجمل أعمالك الأدبية نلاحظ اهتماما مستمرا بقضايا الاغتراب والهوية والهموم النسائية، كيف ترين تطور هذه الموضوعات فى كتاباتك مع اختلاف أنواعها الأدبية؟ - الحديث عن الاغتراب، وعن الهوية، وعن الهموم النسوية ظهر بشكل متفاوت فى مؤلفاتي، ولعله بدأ فى الظهور فى مجموعاتى الشعرية عبر مراحلها المتتالية، إذ فى الشعر مستراح واسع للبحث عن الذات، ومراودة الأسئلة الملغزة، والتعبير عن الهشاشة والغربة، والمجاعات الروحية، وظهرت تلك النزعة أيضًَا عبر الدراسات الأدبية فى كتابى «مأزق المرأة الشاعرة»، وإن بحلة البحث الأكاديمى الذى يستهدى المراجع، ويوظف الإحالات والهوامش، وغيرها من عدة البحث العلمى المتعارف عليها، لكنه فى النهاية بحث يسائل الموروث حول المأزق الإبداعى الذى سقطت المرأة فى شراكه عبر القرون، ولاتزال، برز ذلك التوجه أيضًا فى روايتى المعنونة «حدائقهن المعلقة « والتى تخوض فى سير مجموعة من النساء المغتربات جمعتهن الظروف فى لندن تحت مظلة الصداقة، ليشاركن التحديات والهموم والأحلام فى تقاطعات الحياة وفصولها، ثم واتتنى فرصة ترجمة كتاب «المهذبات لا يرفعن أصواتهن» للعالمة د. لويز فرانكل، وهذا يصب أيضًا فى الهم النسوي، فالكتاب أشبه بدليل أو خريطة طريق للنساء العاملات فى المجالات التى يسيطر عليها الرجال مثل شركات الأعمال والبنوك، وكيف تجعل المرأة صوتها مسموعا، وحضوركم لافتًا وسط الهالة الذكورية الغالبة، دون أن تفقد ذرة من أنوثتها. القصة القصيرة دائمًا ما توصف بأنها فن «غير جماهيري» أو «صعب التسويق»، فكيف ترين هذا الفن بين الأشكال الإبداعية فى العالم العربي؟ - تخضع الأجناس الأدبية إلى البروز والخفوت حسب مزاج المرحلة، وربما تبعًا لظروف المرحلة الثقافية، واشتراطاتها ذات الصلة بالتوجهات الفكرية، فقد مر ردح من الزمن تسيد فيه الشعر الساحة الأدبية، وطغى على المشهد منذ مطالع القرن العشرين، ثم جاء زمن الرواية، واكتسح المشهد، وفيما يخص القصة القصيرة، فلاشك أن لها حضورها الدائم فى اعتقادى منذ عرفت فى الآداب العربية الحديثة، بل سارت فى تواز مقنن مع غيرها من الأجناس الأدبية، ولها مبدعوها ورموزها، أما مسألة التسويق والجماهيرية فغالبًا ما تخضع لتوجه المتحمسين لها، بمعنى أن أى ازدهار لأى نوع من الكتابة ينهض من خلال الدعوة الى مشروع مدروس ومعتنى به، ليتألق بعد ذلك من خلال دور النشر، والمعارض، والمنصات الثقافية، ويقبل عليه المؤلفون والقراء بشهية جديدة، وهذا ما حدث للقصة القصيرة الآن بعد التنادى بتأسيس جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، وهو ما يسهم فى ازدهار هذا الجنس الأدبي.