دار الإفتاء: المساواة المطلقة ستار خادع يراد به إسقاط قدسية النص

رداً على دعوى المساواة المطلقة فى الميراث

أكدت دار الإفتاء أن الدعوة إلى المساواة المطلقة فى الميراث تحت لافتة التطوع أو الاستفتاء الشعبي، ستار خادع يراد به نقض الحكم الشرعي، وإسقاط القدسية عن النص، وإلحاق الأمة بركب مفاهيم دخيلة لم تُنتج إلا اضطرابًا وانهيارًا فى مجتمعاتها، وأن النص القطعي ليس مادة لإعادة التشكيل؛ بل هو نور يُهتدى به، وحدٌّ لا يُتجاوز.
وقالت دار الإفتاء فى بيان لها فى ست نقاط رداً على النقاشات الدائرة دول هذه الدعاوى:
أولًا: التبرع الفردي لا ينتج تشريعًا عامًا يلغي أصل جواز التبرع ويجعله إلزامًا قانونيًّا، حيث إن التبرع باب من أبواب الإحسان، ولكن أن يُتخذ هذا الجواز الفردي ذريعة لاقتراح تشريع عام ملزم يُلغي أصل جواز التبرع علاوة على أحكام المواريث القطعية، فذلك خلط بين التصرف الفردي والتشريع الإلزامي، وهو مغالطة لا تخفى على ذوي العقول والبصيرة.
ثانيًا: الفرضيات الجدلية لا تُنتج أحكامًا شرعية، فحين يُقال «لو تراضى المجتمع على المساواة بين الذكر والأنثى فى الميراث، فلماذا لا يُشرّع ذلك؟»، فهذه فرضية مفتعلة لا تُغير من الحقيقة شيئًا؛ فإن الأحكام الشرعية توقيفية لا تُغيَّر بالتصويت ولا بالتوافق المجتمعى، فأحكام الميراث ليست حقًا فقط لصاحبه التبرع به؛ بل واجب وفريضة وليس رأيًا بشريًّا قابلاً للإلغاء أو التطويع.
ثالثًا: مغالطة القياس على التبرع، حيث إن القياس بين التبرع (وهو مباح) وبين تغيير فريضة الميراث (وهو محظور) هو قياس فاسد، أشبه بمن يقترح توزيع أموال الأغنياء بين الفقراء بالقوة لأنهم «يستطيعون التبرع بها!».
رابعًا: المقصد الحقيقي هو زعزعة قدسية النص، حيث إن المراد فعلياً من هذه الدعوات نزع القداسة عن النصوص القطعية، وتحويلها إلى ساحة نقاش وجدال، ولأنه إذا قُبل هذا المنطق غير المستقيم، فستُفتح الأبواب لكل تأويل باطل، يُقاس فيه المشروع «التبرع» على غير المشروع «تغيير الفرائض»، ويمهد لهدم الضروريات الخمس، تحت غطاء «الاجتهاد المجتمعي»، والواقع أنه إلغاء للشريعة باسم الاجتهاد.
خامسًا: هل يبقى التبرع حقًّا بعد تحويله إلى قانون؟ فإذا ما تم تشريع المساواة فى الميراث، فلن يعود التبرع خيارًا؛ بل يُصبح حقًا قانونيًّا يُمكن أن يُقاضى الأخ إن لم يعطِ أخته ما لم يُفرض عليه شرعًا، فيُسلَب الإنسان ماله، ويُحمّل ما لم يُكلّفه الله به، وهذا هو عين الظلم.
سادسًا: الثوابت ليست محل تصويت، فالثوابت ليست قاصرة على العبادات أو أركان الإسلام، بل كل قطعيات الدين، أي التي ثبتت بنص قطعي الثبوت وقطعي الدلالة- سواء فى كل مجالات التشريع الإسلامي، وإن هذه الدعوى من شأنها قلب الموازين فبدل أن يحمى التشريع القانوني الحق الشرعي ويضمن تنفيذه على خير وجه، يحاول صاحب هذا الطرح أن يجعل التشريع القانوني معتديًا على الحقوق الشرعية وطريقًا لسلب الناس حقوقهم وأموالهم، مستندًا فى سلبه إلى قابلية الحق للتبرع بعد وجوبه، وهو من أغرب أوجه الاستدلال وأبعدها عن قواعد النظر السليم، وتحريفٌ لمفهوم الإحسان عن موضعه الصحيح.