span style="font-family:"Arial","sans-serif""بقلم: حسين الطيب span style="font-family:"Arial","sans-serif"" يظن البعض أن دفاتر التاريخ ما هي إلا كلمات و صفحات نملأ بها دفاتره بلا وعي أو نظر وتعمق فيما تحمله هذه السطور من بطولات يضرب بها المثل ومواقف يشهد لها الله وملائكته بما لها وما عليها وكيف نستخلص منها الدروس والعبر والحكمة.. ولذا فإن التاريخ ليس مجرد صفحات تُطوى، بل هو روح تعيد نسج نفسها بأشكال مختلفة في أزمنة متعاقبة. span style="font-family:"Arial","sans-serif""بالأمس البعيد، وقف النبي محمد span style="font-family:"Arial Unicode MS","sans-serif""صلى الله عليه وسلمspan style="font-family:"Arial","sans-serif"" وأصحابه في ظلام شعب أبي طالب، محاصرين من قريش، يقتسمون لقمة جافة، ويقتاتون على أوراق الشجر، بينما كانت قريش تطوقهم بالظلم والتجويع أملاً في كسر عزيمتهم.. واليوم، في غزة، يتكرر المشهد، وإن اختلفت الأدوات، فالحصار لا يزال هو ذاته، والمقاومة لا تزال عصيّة على الانكسار. span style="font-family:"Arial","sans-serif""في كلا الحصارين، الهدف كان واحدًا.. إطفاء نور الحق وخنق الأمل في الصدور. لكن كما خرج النبي span style="font-family:"Arial Unicode MS","sans-serif""صلى الله عليه وسلمspan style="font-family:"Arial","sans-serif"" وأصحابه من المحنة أقوى، يخرج الفلسطينيون من تحت الركام أشد عزماً، وأكثر إيماناً بأن الفجر لابد أن يبزغ مهما طال الليل. span style="font-family:"Arial","sans-serif""فقد كان حصار شعب أبي طالب إحدى أفظع محاولات قريش لإسكات صوت الإسلام الناشئ. ثلاث سنوات كاملة عاش فيها النبي span style="font-family:"Arial Unicode MS","sans-serif""صلى الله عليه وسلمspan style="font-family:"Arial","sans-serif"" وأصحابه في عزلة قاسية، بلا طعام أو شراب، حتى اضطروا إلى أكل أوراق الشجر والجلود اليابسة، في مشهد يقشعر له البدن، لكنه لم يثنهم عن إيمانهم. span style="font-family:"Arial","sans-serif""وبعد ما ازداد أذى قريش على المسلمين في مكة، قرر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون الاحتماء في شعب أبي طالب، وهو وادٍ بين جبال مكة. فرضت قريش حصارًا اقتصاديًا واجتماعيًا على المسلمين في العام السابع من البعثة (حوالي 616-619 م)، واستمر هذا الحصار لمدة ثلاث سنوات. كان الهدف من الحصار منع وصول الطعام والماء والمستلزمات الأساسية إلى المسلمين لإجبارهم على التخلي عن دعوة الإسلام. span style="font-family:"Arial","sans-serif""وكان من أبرز الشخصيات التي قامت بهذه العمليات البطولية: span style="font-family:"Arial","sans-serif""السيدة خديجة بنت خويلد span style="font-family:"Arial","sans-serif""رضي الله عنها التي تقف في الصفوف الأولى لدعم رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام.. فلم تكن فقط داعمة مالية للدعوة قبل الحصار، بل استمرت في إرسال المؤن رغم الحصار، مستخدمة نفوذها وتجارتها، فقد كان حكيم بن حزام يرسل الطعام لعمته خديجة بنت خويلد سراً، كما كان هناك بعض المشركين الذين يتعاطفون مع أرحامهم المحصورين في الشعب، فكانوا يرسلون إليهم بعض الطعام ليلاً. span style="font-family:"Arial","sans-serif""وأبو البختري بن هشام span style="font-family:"Arial","sans-serif""كان من مشركي قريش، لكنه كان من المعارضين للحصار، وكان يُهرِّب الطعام خفية للمسلمين.. أما هشام بن عمرو وهو رجل كريم من قريش، لم يرضَ بالحصار، وكان يهرِّب الطعام إلى بني هاشم ليلاً ويضعه عند مداخل الشعب كان يحمل البعير بالطعام والثياب، ويأخذ بخطام البعير حتى يقف على رأس الشعب، ثم يخلع خطام البعير ويطلقه في الشعب. span style="font-family:"Arial","sans-serif""أما الزبير بن العوام رضي الله عنه، من أشجع الصحابة، وكان يغامر بإدخال الطعام إلى النبي span style="font-family:"Arial Unicode MS","sans-serif""صلى الله عليه وسلمspan style="font-family:"Arial","sans-serif"" وأصحابه رغم خطر قريش. span style="font-family:"Arial","sans-serif""والمطعم بن عديspan style="font-family:"Arial","sans-serif"".. رغم أنه لم يكن مسلمًا، إلا أنه كان من الرافضين للحصار وساعد في إيصال الطعام للمحاصرين. span style="font-family:"Arial","sans-serif""استمر الحصار حتى السنة العاشرة من البعثة، وانتهى بعد أن قررت مجموعة من رجال قريش، بقيادة هشام بن عمرو، والمطعم بن عدي، وزمعة بن الأسود، وأبو البختري بن هشام، نقض الصحيفة الجائرة التي كتبتها قريش لمقاطعة المسلمين. ووجدوا أن الصحيفة قد أكلتها الأرضة (حشرة) ولم يبقَ منها إلا ذكر الله، فكانت هذه علامة إلهية جعلت قريش تخفف من عدائها، وانتهى الحصار رسميًا. span style="font-family:"Arial","sans-serif""واليوم، غزة تعيش تحت وطأة حصار ظالم، حيث تمنع قوات الاحتلال دخول الغذاء والدواء والماء، وكأنها تحاول إعادة رسم المشهد نفسه، لكن بأدوات أكثر وحشية. أطفال غزة الذين يبحثون عن كسرة خبز يشبهون تماماً أبناء الصحابة الذين ناموا على الجوع والعراء. span style="font-family:"Arial","sans-serif""كيف كانت المساعدات تصل رغم الحصار؟ span style="font-family:"Arial","sans-serif""وكما كان هناك أحرار في مكة، وقفوا رغم المخاطر لإيصال الطعام للمسلمين في الشعب، هناك اليوم أحرار يقفون مع غزة، وعلى رأسهم مصر، تحت القيادة القوية الحكيمة الصارمة للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يخلد اسمه بمواقفه في دفاتر التاريخ بحروف من ذهب حيث تحملت مصر تحت قيادته على عاتقها مسؤولية كسر الحصار وإيصال شريان الحياة لمن يحتاجونه. span style="font-family:"Arial","sans-serif""دعم مصري مستمر span style="font-family:"Arial","sans-serif"" فكان معبر رفح بمثابة المنفذ الوحيد الذي يفتح أبوابه لغزة، حيث تدخله مصر بشاحنات محملة بالغذاء والأدوية، في مشهد يذكرنا بأحرار مكة الذين خاطروا لإيصال الطعام للمسلمين. span style="font-family:"Arial","sans-serif""وكما كان بعض أهل مكة يحمون المسلمين سرًا، تفتح مصر مستشفياتها للجرحى الفلسطينيين، فتنقلهم بسيارات الإسعاف، وتوفر لهم الرعاية. span style="font-family:"Arial","sans-serif""وكما قام أحرار قريش بتحدي الصحيفة الجائرة وقطعوا أوصالها لإنهاء الحصار، تقود مصر اليوم تحركات دبلوماسية لرفع الظلم عن غزة، ووقف العدوان، وإدخال المساعدات بلا قيود. فعلى سبيل المثال وليس الحصر: span style="font-family:"Arial","sans-serif""قامت مصر بتقديم دعم إنساني كبير لأهالي غزة خلال الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة وشعب فلسطين من خلال ارسال أكثر من 200 طن من الأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى أكثر من 20 قافلة طبية تحتوي على أطباء وممرضين متخصص وأكثر من 1500 طن من المواد الغذائية مثل الأرز، القمح، الزيوت، المعلبات، والسكر، بالإضافة إلى أكثر من 5 آلاف طن من الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية في المستشفيات والمرافق الحيوية، بالإضافة إلى الخيام، البطانيات، والملابس لتوفير الإيواء للنازحي span style="font-family:"Arial","sans-serif""بذلت مصر جهودًا دبلوماسية لفتح المعابر الحدودية وتسهيل وصول المساعدات الإنساني وكانت هذه الجهود جزءًا من التنسيق مع المنظمات الدولية مثل الأممالمتحدة والصليب الأحمر لضمان توزيع المساعدات بشكل عادل وآمن span style="font-family:"Arial","sans-serif""بين مكةوغزة.. دروس في الصبر والثبات span style="font-family:"Arial","sans-serif""في شعب أبي طالب، لم ينكسر المسلمون، رغم الجوع والحرمان. كانوا يعلمون أن الصبر طريق النصر، وأن المحن لا تدوم. واليوم، في غزة، رغم الدمار والحصار، لا تزال الحياة تنبض، لا تزال الأمهات تُرضع الأمل لأطفالهن، ولا يزال المقاومون يكتبون بدمائهم أن الحرية تستحق كل تضحية. span style="font-family:"Arial","sans-serif""وكما انقضت أعوام الحصار في مكة، وانتهى الظلم بتمزيق صحيفة المقاطعة، فإن حصار غزة إلى زوال، والمقاومة ستبقى، لأن الحق أقوى من الطغيان، ولأن الفجر لابد أن يأتي مهما طال ليل الظلم.