بدأت منطقة آثار الهرم الثلاثاء الماضى التنفيذ التجريبى لمشروع تطوير منطقة الهرم المشروع الذى بدأ عام 2009 لم ير النور لسنوات إذ كان من المفترض الانتهاء منه فى عام 2012 لكن حالت الظروف السياسية دون إكماله. وفى عام 2016 أعيدت طرح الفكرة مرة أخرى لكنها ظلت حبيسة الأدراج إلى أن وقعت شركة «أوراسكوم بيراميدز» التابعة لرجل الأعمال نجيب ساويرس فى عام 2018 عقدًا مع المجلس الأعلى للآثار لتطوير خدمات منطقة الأهرامات. حيث شمل العقد تقديم خدمات سياحية متطورة، مثل وسائل نقل داخلية للزوار، وتحسين المرافق، وتنظيم مداخل المنطقة، مع الالتزام بعدم التدخل فى الأعمال الأثرية. وفقًا لوزارة الآثار فالمشروع الجديد يستهدف تحويل مدخل الدخول إلى منطقة الأهرامات لطريق «الفيوم- الواحات»، بهدف تحسين تجربة الزوار وتطوير المنطقة الأثرية. المشروع أيضًا يستهدف إنشاء محطة أتوبيس كهربائى داخل المنطقة، فى محاولة لتقليل الاعتماد على وسائل النقل التقليدية المسببة للتلوث، بجانب تحسين البنية التحتية المحيطة بالأهرامات، مع إدخال خدمات جديدة مثل نقاط إرشاد سياحى إلكترونية، وتخصيص مظلات ومسارات مخصصة للمشى والدراجات. ورغم اتفاق الجميع على أهمية الخطوة- من حيث المبدأ- إلا أن وسائل التواصل الاجتماعى لم تخل من النقاشات حول المشروع. فبعد ساعات قليلة من الافتتاح التجريبى، ظهر ما حذر منه المتخصصون لأيام، فقد انتشرت صور تشير لتكدس السياح داخل الأتوبيسات الكهربائية الجديدة، فضلًا عن الانتظار الطويل، وهو الأمر الذى أغضب آلاف من السياح القادمين للمنطقة وهنا بدأ البعض إلقاء اللوم على الجمالة والخيالة الذين قطعوا الطريق. بينما قام البعض بإلقاء اللوم على وزارة الآثار واتهموها بالعجزعن إدارة العملية التى دافعت عنها مرارًا كونها خضعت للكثير من الدراسات لسنوات طويلة. على الجانب الآخر أصدرت وزارة السياحة والآثار بيانًا صحفيًا تراجعت فيه عن خططها الخاصة بمنع دخول الحافلات الديزل الخاصة بشركات السياحة، حيث وجه وزير الآثار بزيادة عدد حافلات نقل السائحين داخل المنطقة الأثرية بواسطة حافلات تعمل بالديزل وذلك حتى وصول باقى الحافلات الكهربائية المتفق عليها مع استمرار السماح بدخول حافلات الرحلات السريعة للمنطقة الأثرية. كما حاولت الوزارة فى بيانها تبرير المشاهد المزعجة التى ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعى والخاصة بسوء التنظيم داخل المنطقة. وذكر البيان أن المنطقة استقبلت 12 ألف زائر من المدخل الجديد بزيادة قدرها 120% عن متوسط المعدلات اليومية لزيارة المنطقة. واعتبرت الوزارة أن عملية التنظيم شهدت انتظامًا ملموسًا فى اليوم الأول من بدء تطبيق التجربة عدا الفترة التى شهدت تكدس لبعض مجموعات السائحين. وأرجعت ذلك لعدم التزام بعض الخيالة والجمالة بالمنطقة التى تم تخصيصها لهم مع إغلاقهم للطريق وهو الأمر الذى أدى لتأخر الحافلات المسئولة عن نقل الزوار. هنا نحاول أن نعرف رأى المتخصصين فيما حدث وكيفية تطوير منطقة الهرم بشكل صحيح خلال الفترة المقبلة. الدكتور محمد عبد المقصود الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار قال فى حديث له ل«أخبار الأدب» إن فكرة تشغيل المشروع بشكل تجريبى تأتى نتيجة للرغبة فى تحسين تجربة زيارة منطقة الأهرامات خلال خلال الفترة المقبلة. يقول: «لو تغافلنا أى خطأ فى مسار الزيارة، فسوف يؤدى ذلك إلى هروب السياح من المنطقة؛ لذلك فالتعامل مع السائح لابد أن يتم وفقًا لاستراتيجية واضحة». ويضيف:هناك انتقادات وجهت للمشروع ومنها تخصيص عديد قليل من الأتوبيسات الكهربائية وهى وسائل النقل الوحيدة التى سيسمح لها بالدخول للمنطقة الأثرية؛ لذلك فشركات السياحة ستكون مجبرة على الوقوف بالحافلات فى ساحات انتظار، وركوب أخرى صديقة للبيئة، لكن المشكلة إن عدد الأتوبيسات الصديقة للبيئة قد لا تكون متناسبة مع حجم طلب الزوار خلال أوقات الذروة والمناسبات؛ وبالتالى فانتقادات المرشدين السياحيين فى محلها، فقد رفضوا الفكرة، كون أن البديل المطروح هو دمج «جروبات» الأفواج السياحية خلال الرحلة الواحدة، وهذه الأفواج بطبيعة الحال غير متجانسة وبالتالى ستكون هناك صعوبة فى شرح الموقع من جانب المرشدين السياحيين نظرًا لعدم تجانس الأفواج السياحية داخل الرحلة الواحدة «يعنى هتلاقى مرشد بيتكلم أسباني، وواحد بيتكلم إيطالي، وفى النهاية محدش هيركز فى الشرح، ولا حد هيستمتع بالتجربة، وهذا ما حدث بالفعل». يطالب عبد المقصود بضرورة الاستماع لوجهات النظر التى عبر عنها العاملون فى المجال السياحى كون أن ملاحظتهم هامة ووضعها فى الاعتبار أمر مهم. «هناك آراء أخرى تعترض على حجم الإنشاءات التى جرت داخل المنطقة، لكن فى النهاية فالحكم على هذه المسائل سيكون مع التشغيل التجريبي، والحكم سيترك للزائر. فالتطوير لابد ألا يقودنا لإهدار وقت السائح، وهذا للأسف ما حدث فى اليوم الأول من التشغيل التجريبي. والأهم منذ ذلك ضرورة التخلص من مشاكل الخيالة والجمالة داخل المنطقة، لأن ظهورهم بشكل عشوائى داخل المنطقة لسنوات طويلة أضر بصورة المنطقة بالكامل. تجاهل سألنا وليد البطوطى الخبير السياحى ومستشار وزير السياحة الأسبق عن رأيه فى المشروع لكنه اعتبر أن مناقشة المشروع أو تقديم أى رؤية حوله أمرًا متأخرًا. يقول: «لم يتم استشارتنا ولم يؤخذ برأينا أصلًا؛ لذلك نتمنى لهم التوفيق فى تنفيذ رؤيتهم. احنا اللى على أرض الواقع، واحنا اللى بنمشى مع الأجنبي، واحنا اللى عارفين طرق التعامل مع الأجنبى كبير السن، واحنا اللى عندنا تفاصيل لا يعرفها المشغل، ولا وزارة السياحة والآثار، ولا شركات السياحة. كان المفروض يتاخد برأينا من البداية، لكن فى نهاية تم تجاهلنا فى مشروع يقع داخل أهم نقطة أثرية فى العالم، وسمعته من سمعة االبلد؛ وبالتالى نحن لن نتحمل أى مسئولية، ونتمنى لهم النجاح فى المشروع». فرص كبيرة الدكتور حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، ومدير عام منطقة آثار الهرم الأسبق يرى أن التحفظات التى قدمها المرشدون السياحيون على مواقع التواصل الاجتماعى فى محلها. لكنه كان أكثر تفاؤلًا إذ اعتبر أن فرص نجاح المشروع كبيرة «لأن الدولة عايزاه ينجح» لكن- من وجهة نظرى- فالمشكلة الحقيقية إن منطقة آثار الهرم يتم إدارتها من جانب العديد من الجهات الإشرافية؛ لذلك أرجو أن تحل المسألة خلال الفترة التجريبية من المشروع وخصوصًا أنه سيتم إعادة تموضع الخيالة والجمالة فى المنطقة، وبذلك سنضمن عدم حدوث أى اختراق أو اعتداء على السياح أو الآثار، فهذه الخطوة هى الأهم لأن الدولة إذا نجحت فى تقنين وضع هؤلاء ففرص إنجاح المشروع ستصبح كبيرة. من جانبنا حاولنا التواصل مع أشرف محيى الدين مدير عام آثار الجيزة والهرم لتوضيح رؤيته حول المشروع والرد على التساؤلات التى طرحها المختصون لكن لم نتلق منه ردًا.