الفن التشكيلى مجموعة متنوعة من الإبداعات البصرية التى تعكس ثقافات وحضارات الشعوب، ولكل مبدع تجربة تحمل بصمته الخاصة التى تترجمها أعماله.. ذكريات الطفولة لها صدى مسموع ومحسوس عندنا جميعًا، كأنها نسمة عليلة تمر عبر مخيلتنا فتعيد إلى الأذهان أيامًا نحتفظ بكل لحظاتها فى قلوبنا، فهى الملاذ السحرى الذى نتكئ عليه ونستعيد من خلاله ذاكرة المكان الذى كان شاهدًا على طفولتنا البريئة، واللحظات الجميلة، تلك التى عشناها ونستعيدها كالحلم الذى نحن إليه رغم مرور الزمن. اقرأ أيضًا | كلية الفنون الجميلة تناقش أبحاث مشروعات التخرج لطلابها 2025 بالمنصورة الفنان أحمد سليم استعاد ذكريات طفولته الجميلة فى معرضه الأخير "أيامنا الحلوة"..، فهو ابن قرية الرمادى إحدى قرى محافظة أسوان الساحرة فى جنوب مصر..، تلك القرية التى تتميز بمزيج سكانى من سلالات نوبية وعربية جعفرية وعبادية وأقباط تتشابه عاداتهم ومظاهر حياتهم اليومية، فضلًا عن بعض الطقوس المتوارثة منذ القدم فى بعض المناسبات الدينية والوطنية وبعض ألعاب الأطفال. انطلق سليم باحثًا عن جماليات نشأته فى تلك القرية ليقدم لنا عدة أعمال تحكى ذاكرة المكان وعشقه لأيام الطفولة ومحاكاته لكل بقعة فى تلك القرية التى داعبته كفنان تشكيلى واعتادت عيناه على صخبها وعاداتها لتسجل أروع اللحظات والأحداث الدافئة التى يستعيد معها فرحة تلك الأوقات، ويهرب إليها من ضغوط الحياة. سليم يرأس حاليًا قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة - جامعة المنيا، وتم عرض أعماله فى لندن، ونابلوى، وفنزويلا، والكويت، وتلقى عدة منح دراسية فى ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.. وحصد عدة جوائز طوال مسيرته أبرزها المركز الثانى والميدالية الفضية فى المعرض الدولى الخامس للابتكار والبحث العلمى عام 2018. جسد أحمد فى معرضه عدة مشاهد عن طفولته فى قرية الرمادى واستعاد الكثير من الذكريات مثل: لهو الأطفال، وحنة وزفاف العروسة، والتحطيب، ولعبة السيجا وقت الغروب، وركوب الخيل.. وغيرها من المشاهد الجميلة التى رسمها بالألوان الزيتية على توال. رسم أيضًا مجموعة لوحات عن لعبة التحطيب.. تلك اللعبة التى كان يطلق عليها لعبة الرجال فى صعيد مصر، فهى أحد الفنون التراثية وأقدمها على مر العصور. من هذه اللوحات لوحة رسم فيها رجلَين مندمجين أثناء اللعب يمسك كل منهما عصاه فى وضع حركة، ويملأ وجهيهما الحماس والترقب، فهى لعبة تحتاج إلى القوة واليقظة، ويلتف حولهما الأهالى من الرجال بزيهم الصعيدي، بعضهم يمسك آلة الإيقاع (الطبلة)، وعلى الجانب المقابل تجلس مجموعة أخرى وهم ينفخون فى آلة المزمار لتحفيز اللاعبين انتظارًا للحظة الاحتفال بالمنتصر. اهتم سليم بتجسيد مشهد القرية بمنازلها الريفية البسيطة التى تظهر فى خلفية اللوحة، فضلًا عن ألوان الملابس الصريحة، وتكوينات أشجار النخيل. مشهد آخر من ذاكرة الطفولة فى تلك القرية جسده سليم من خلال رسمه "رقصة الأراجيد".. وهى من أشهر الرقصات النوبية التى تتجلى فى معظم الاحتفالات، مثل الزواج والخطوبة، وتستمر لساعات طويلة على أنغام الأغانى النوبية الشهيرة. لوحة طولية مقسمة إلى جزئين، الجزء العلوى رسم فيها بعض الفتايات يرقصن فى حركة غير منتظمة، ومنهن من ترفع يدها لأعلى وهى تمسك آلة الدف، وتظهر عليهن حالة من الفرح والنشوة، وفى الجزء السفلى من اللوحة يصطف فيه بعض الفتيان وهم يرقصون، حيث يمسك كل منهم بيد الآخر ناظرين للأمام يتمايلون بجزوعهم ويتحركون بأرجلهم فى خطوة منتظمة للأمام وأخرى للخلف، وقد اختار لملابسهم الألوان الصريحة التى تشع ضوءًا مثل الأصفر الفاقع والأحمر الفاتح، فضلًا عن توظيف اللون الأزرق فى الخلفية ليخلق حالة من التجانس بين الألوان الساخنة والباردة، مع الإهتمام بالظل والنور والتأكيد عليهما. اللوحة بشكل عام تعكس اهتمام سليم بمناطق الجمال عند أهل أسوان، فهو فى طرحه التشكيلى كان مغامرًا، وخاصة فى إختيار الألوان، وكذلك جرأته فى رسم اللوحة فى مساحة طولية عكس المعتاد فى معظم أعماله..، لكنها رؤيته الخاصة التى تتناسب وإظهار عنصرى الجمال والحركة فى هذا المشهد. بالتدقيق فى أعمال أحمد سليم ندرك انها رسالة تحمل فى طياتها مكونات التراث المصرى الأصيل والحنين إليه، رغم حالات التجريد التى انتهجها، وتوظيف شخوصه فى قالب يقترب من الأعمال المجسمة المنحوتة، فضلًا عن المبالغة فى رسم الملامح وقوة البنيان فى بعض الأعمال متأثرًا بالرسومات المصرية القديمة التى يشاهدها منذ طفولته على جدران المعابد فى أسوان.