أكد كيم يانج هيون سفير كوريا الجنوبيةبالقاهرة قوة العلاقات بين مصر وكوريا على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية، وأضاف فى حوار خاص ل« الأخبار» بمناسبة الاحتفال بمرور 30 عاما على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أن تجربته فى مصر غيرت كثيرا من انطباعه عن القاهرة ومنطقة الشرق الأوسط. وأوضح سفير كوريا الجنوبية أن مصر تلعب دورا رائدا فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا ولها جهود مقدرة لتحقيق السلام والاستقرار فى عدد من القضايا أهمها القضية الفلسطينية، وأشار هيون إلى أن الفترة القادمة ستشهد ضخ مزيد من الاستثمارات الكورية فى مصر.. وإلى نص الحوار: اقر أ أيضًا | وزير العمل يشارك في احتفالية السفارة الكورية بعيدها الوطني يصادف هذا العام الذكرى الثلاثين لإقامة الروابط الدبلوماسية بين البلدين.. هل يمكنكم مشاركة بعض الإنجازات الرئيسية فى العلاقات الثنائية خلال الثلاثين عامًا الماضية؟ على مدى العقود الثلاثة الماضية، حققت كوريا الجنوبية ومصر تقدمًا ملحوظًا فى تعزيز العلاقات الثنائية، فقد زاد حجم التبادل التجارى بين البلدين بأكثر من خمسة أضعاف، ليصل إلى أكثر من 3 مليارات دولار فى عام 2022.. وأسهمت الزيارات رفيعة المستوى، بما فى ذلك زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى كوريا عام 2016 والتى تم رفع مستوى العلاقات فيها إلى مستوى الشراكة الشاملة، وزيارة الرئيس مون جاى إن إلى مصر فى عام 2022، فى تعزيز شراكتنا وتوسيع نطاق التعاون ليشمل مجالات جديدة. كما ازدهرت الروابط الثقافية والتبادل الشعبي، لا سيما بين الشباب المصريين الذين يظهرون حماسًا متزايدًا للثقافة الكورية. والأهم من ذلك، أن الاحترام المتبادل والصداقة بين الكوريين والمصريين كانا مفتاحًا لازدهارنا المشترك، كما أن الشركات الكورية الكبرى، مثل سامسونج وإل جى للإلكترونيات، قد رسخت وجودها القوى فى مصر. أهم المحطات الدبلوماسية بمناسبة الذكرى الثلاثين، هل هناك فعاليات خاصة تقيمها السفارة لهذه المناسبة؟ احتفاءً بهذه المناسبة المهمة، تنظم سفارة كوريا الجنوبية فى القاهرة سلسلة من الفعاليات، ستقام فى أولاها ندوة ثقافية فى 30 إبريل بالجامعة الأمريكية بالتحرير، حيث سيجتمع فنانون وخبراء ثقافيون من البلدين لمناقشة سبل تعزيز التعاون الثقافي. وسيتبع الندوة عروض فنية رائعة يشارك فيها فنانون كوريون ومصريون، وتشمل الفعاليات الأخرى عروضًا للموسيقى الكورية الكلاسيكية والتقليدية، وعرضًا لفنون الدفاع عن النفس «التايكوندو» يقدمه فريق كوكيوون الشهير، بالإضافة إلى معرض يستعرض أهم المحطات الدبلوماسية خلال الثلاثين عامًا الماضية. كما سنقيم حفلًا رسميًا بحضور ممثلين رفيعى المستوى من البلدين، إلى جانب مؤتمر اقتصادى يهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة والابتكار فى علاقاتنا الاقتصادية. شهدت العلاقات الاقتصادية بين كوريا ومصر نموًا كبيرًا خلال الثلاثين عامًا الماضية. هل يمكنكم تقديم لمحة عامة عن التعاون الاقتصادى الحالى والخطط المستقبلية؟ لقد كان التعاون الاقتصادى بين البلدين قصة نجاح بارزة. وتعمل السفارة، بالتعاون مع مكتب كوترا فى القاهرة على الترويج لمناخ الاستثمار المصرى لجذب المزيد من الشركات الكورية. ومع استقرار الاقتصاد المصري، نشهد اهتمامًا متزايدًا من الشركات الكورية بالاستثمار، لا سيما فى مجالات مثل الهيدروجين الأخضر والتصنيع والتكنولوجيا المتقدمة والبنية التحتية. والسفارة ملتزمة بتوسيع وتنويع تعاوننا الاقتصادى، خاصة فى الصناعات الناشئة مثل التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة والابتكار الرقمى. ما حجم الاستثمارات الكورية فى مصر؟ وهل هناك اتجاه لزيادتها فى المستقبل؟ يبلغ حجم الاستثمارات الكورية فى مصر مليار دولار والنسبة الأكبر منها لشركتى سامسونج وال جى وهى أسماء أصبحت مألوفة فى السوق المصرى، فكل بيت فى مصر لديه أجهزة من انتاج الشركتين وهو ما يعكس الترابط الاقتصادى الذى يدعمه الترابط الثقافى، كما قامت شركة سامسونج بإنشاء مصنع لها فى بنى سويف عام 2012 لتصنيع الأجهزة الكهربائية ومؤخرا بدأت العمل على تصنيع الهواتف الذكية ويتم تصدير منتجاتها تحت «صنع فى مصر» إلى مناطق فى الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا، أنا فخور جداً أن الاقتصاد الكورى يساهم فى نمو الاقتصاد المصرى. فالاقتصاد فى مصر أصبح مستقر والشركات الكورية ترغب فى زيادة الاستثمارات فى مصر، بالإضافة لذلك تعمل الحكومة المصرية على تقديم حوافز لتسهيل الاستثمار وتعمل على تطوير البنية التحتية كما فى المنطقة الاقتصادية بقناة السويس.مصر لها موقع استراتيجى تربط القارات الثلاث ولها دور رائد فى منطقة الشرق الأوسط. توسيع المشاريع مشاريع التعاون التنموى ل«كويكا» فى مصر معروفة جيدًا. هل يمكنكم توضيح إنجازات الوكالة الحالية والتحديات المستقبلية؟ لعبت كويكا «الوكالة الكورية للتعاون الدولي» دورًا محوريًا فى التنمية فى مصر والتوافق مع رؤية 2030، من خلال مشاريع فى مجالات النقل والتعليم والإدارة العامة والبيئة. ومن أبرز الإنجازات الشراكة فى تطوير الجامعات التكنولوجية المصرية، مثل جامعة بنى سويف التكنولوجية. كما دعمت «كويكا» جهود التحول الرقمى فى مصر لتحقيق الكفاءة والشفافية، بما فى ذلك رقمنة خدمات الملكية الفكرية، وتطبيق نماذج الذكاء الاصطناعى فى التفتيش الجمركي، وإنشاء نظام المشتريات الإلكترونية. وفى المستقبل، نتطلع إلى توسيع المشاريع مع التركيز على التنمية المستدامة، بما فى ذلك قطاع الرعاية الصحية لانه قطاع مهم جدا وحيوى. ويبرز توقيع مذكرة التفاهم الأخيرة بين بنك التصدير والاستيراد الكورى ووزارة التعاون الدولى المصرية، والتى رفعت قيمة صندوق التعاون من مليار دولار إلى 3 مليارات دولار، الإمكانات الهائلة للنمو المستقبلي. وبالشراكة مع مصر يمكننا تنفيذ مشروعات فى دول أخرى فمصر بوابتنا إلى إفريقيا. كيف تقيمون دور مصر فى تحقيق السلام الإقليمى وموقفها تجاه القضية الفلسطينية؟ لطالما كانت مصر لاعبًا رئيسيًا فى تحقيق السلام والاستقرار الإقليمى فى عدد من الدول منها ليبيا والسودان واليمن وفلسطين وتقدم مصر مبادرات لتحقيق الاستقرار. بعد أزمة غزة فى أكتوبر 2023 لعبت مصر دورًا محوريًا فى الوساطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وسارعت إلى اقتراح خطة شاملة لإعادة إعمار غزة وهى جهود مقدرة من القوى سواء على الصعيد الإقليمى أو الدولى والمنظمات الدولية مثل الأممالمتحدة. ستستمر مصر فى لعب دورها وستظل عنصرًا أساسيًا فى تعزيز الاستقرار فى المنطقة. كوريا تدعم حل الدولتين والتوصل لوقف دائم لإطلاق النار وإنهاء المعاناة الإنسانية. وباعتبارها عضوًا منتخبًا فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تولى كوريا أهمية كبيرة للسلام فى الشرق الأوسط. وفى استجابة للأزمة الإنسانية، قدمت الحكومة الكورية 40 مليون دولار كمساعدات للمدنيين المتضررين من الصراع فى غزة. ونحن على استعداد لمواصلة دعم جهود السلام الإقليمى والتعاون مع مصر فى هذه المبادرات. أنا هنا فى مصر أرى بعينى ما ترصده التقارير من أعداد كبيرة للقتلى والمصابين فى غزة وهو شىء صعب ومصر تعتبر مقصدا لكل المهتمين بالقضية الفلسطينية ورأينا زيارة الرئيس الفرنسى ماكرون وملك الأردن الملك عبد الله الثانى والقمة الثلاثية المهمة التى عقدت هنا، فمصر لها الريادة والتأثير ونأمل أن تستقر الاوضاع قريبا «إن شاء الله». تاريخ مصر الحديث توليت منصبك كسفير لكوريا منذ عامين. كيف ساهم العامان فى تكوين انطباعكم عن مصر؟ قبل مجيئى هنا لم أكن أعلم الكثير عن مصر ومنطقة الشرق الأوسط، كانت خبرتى فى تعزيز علاقاتنا مع الولاياتالمتحدة وقضايا الأمن القومى. لقد كانت السنتان الماضيتان رحلة رائعة لاكتشاف الثقافة والتاريخ المصريين الغنيين. قبل تعييني، كانت معرفتى بمصر تقتصر على أهراماتها القديمة وإعلان القاهرة عام 1943، الذى كان له دور فى الاعتراف الدولى بكوريا. لكن إقامتى هنا منحتنى تقديرًا أعمق للدور البارز الذى تلعبه مصر فى السياسة والاقتصاد والدبلوماسية والثقافة. لقد زرت أماكن عديدة فى مصر واستمتعت ليس فقط بتراثها الثقافى والتاريخى ولكن أيضًا بجمالها الطبيعى الخلاب، بدءًا من شروق الشمس فوق جبل سيناء إلى غروب الشمس الساحر فى سيوة، والجمال الهادئ لأبو سمبل على ضفاف بحيرة ناصر، والشواطئ الرائعة على البحر الأحمر والمتوسط. كما أثارنى أيضًا تاريخ مصر الحديث. ففى وقت مبكر من القرن التاسع عشر، أنشأت مصر ثانى أقدم شبكة للسكك الحديدية فى العالم. وشخصياتها العالمية، مثل جراح القلب مجدى يعقوب والحائز على جائزة نوبل الدكتور أحمد زويل، تعكس مساهماتها على الساحة الدولية. وأنا متحمس أيضًا لانضمام الكاتبة الكورية هان كانغ إلى قائمة الحاصلين على نوبل، ما يعزز الروابط الأدبية بين بلدينا. وجودى فى مصر جعلنى أنقل صورة عن مصر الجميلة الآمنة على عكس ما يروج من أن منطقة الشرق الأوسط هى منطقة صراعات. قبل أن آتى لمصر كان هناك قيود كثيرة مفروضة على سفر الكوريين، ولكن بعد قدومى ساهمت فى تخفيف هذه القيود. ما آثار إعجابى كثيرا هو أن المصريين شعب ودود ومتسامح دينيا ومنفتح للثقافات الأجنبية على عكس الصورة التى يتصورها الكوريون أو الآسيويون بشكل عام تجاه دول الشرق الأوسط. أتمنى أن يأتى الطلاب الكوريون إلى مصر لتعلم اللغة العربية والتاريخ والثقافة المصرية. أنا شخصيا أحاول تعلم اللغة العربية ورأيت شهر رمضان فى مصر للعام الثانى واقتنعت أن «رمضان فى مصر حاجة تانية»، ورغم أن العديد من الدول الإسلامية تحيى هذا الشهر الفضيل لكنه فى مصر فعلا مختلف ومميز لما فيه من تجمع الأسرة والصلاة والروحانيات. القيم المشتركة هل هناك أى تشابه بين المصريين والكوريين؟ وكيف يرتبط ذلك بالدبلوماسية الثقافية للسفارة؟ المصريون يقدرون الأسرة والمجتمع وهى قيم تتشابه كثيرًا مع الكوريين. وعلى الرغم من البعد الجغرافى، فقد ساعدت هذه القيم المشتركة فى تعزيز الروابط القوية بين بلدينا. هذا التشابه يكون شيئا معنويا وليس ماديا فهو له علاقة بالاعتقادات. كما أن الشغف الذى يظهره المصريون، وخاصة الشباب، تجاه الثقافة الكورية -بما فى ذلك الدراما والأفلام الكورية- أمر مدهش حقًا. وبصفتى سفيرًا، أحرص أيضًا على الترويج للثقافة المصرية فى كوريا. من بين المبادرات الأخيرة، استضفنا أمسية إفطار لإحياء الذكرى الخمسين لوفاة الأسطورة الغنائية أم كلثوم، بالتعاون مع قناة النيل الدولية. وتضمن الحدث عرضًا ثقافيًا شارك فيه فنانون مصريون وكوريون، مما يعكس التقدير المتبادل لثقافاتنا. أخيرًا، هل يمكنكم مشاركة رؤيتكم لتطوير العلاقات الثنائية بين كوريا ومصر فى المستقبل؟ أتوقع أن تتعمق علاقتنا أكثر، لا سيما فى التعاون الاقتصادى والتبادل الثقافي، كما نتوقع نمو الاستثمارات الكورية فى مصر، لا سيما فى قطاعات التصنيع والبنية التحتية والتكنولوجيا. ستستمر الروابط الثقافية بين شعبينا فى التوسع مع انخراط المزيد من المصريين فى تعلم اللغة والثقافة والترفيه الكوري. وعلاوة على ذلك، سيكون تعاوننا فى تحقيق السلام الإقليمي، وخاصة فى الشرق الأوسط، أمرًا بالغ الأهمية. إن قيادة مصر فى الدبلوماسية الإقليمية، جنبًا إلى جنب مع التزام كوريا بالسلام العالمي، سيشكلان أساسًا قويًا لشراكة أكثر قوة. آمل أن تتسم العقود الثلاثة القادمة بازدهار مشترك وسلام وفهم أعمق بين بلدينا.