في ظل الطفرة التكنولوجية التي يشهدها العالم، بات من الضروري استثمار أدوات الذكاء الاصطناعي في خدمة التعليم، خاصة للأطفال، ومن بين المبادرات الرائدة، برز تطبيق «تحوت» الذي أطلقه المركز القومي لثقافة الطفل كأول تطبيق تفاعلي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعريف الأطفال بالحضارة المصرية بأسلوب ممتع وسهل. لاقى التطبيق إشادة من عدد من المتخصصين في مجالي التعليم والآثار ورواد السوشيال ميديا منذ تدشينه مع بداية هذا العام، واعتبروا «تحوت» نقلة نوعية في نقل المعرفة التاريخية للأجيال الجديدة، بطريقة تعتمد على الاكتشاف الذاتي والفضول، مما يعزز من قدرة الأطفال على الفهم والاستيعاب والتفاعل مع التراث المصري. لم يعد التعليم حكرا على الكتب الورقية والفصول التقليدية، بل أصبح بالإمكان نقل المعرفة إلى الأطفال من خلال تجربة تفاعلية تجعل من التاريخ رحلة مشوقة، ومن الهوية كنزا يستحق الاكتشاف. ففي زمن تتسارع فيه التقنيات وتتغير فيه مفاهيم الهوية والانتماء، جاءت مبادرة المركز القومي لثقافة الطفل بتدشين تطبيقا جديدا هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط تحت عنوان «اسأل تحوت»، وهو تطبيق تفاعلي ذكي مصمم خصيصا للأطفال، يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي للإجابة عن أسئلتهم حول الحضارة المصرية القديمة، بطريقة ممتعة، مبسطة، وآمنة. يحمل التطبيق اسم الإله المصري القديم «تحوت»، الذي ارتبط بالحكمة والعلم والكتابة في الميثولوجيا المصرية، ليكون بمثابة مرشد معرفي للأطفال، يرافقهم في رحلة لاكتشاف تاريخ بلادهم العريق، من العصر الفرعوني إلى القبطي والإسلامي، مرورا بالموروث الثقافي والاجتماعي. جاء إطلاق التطبيق بالتزامن مع فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الأخيرة 2025، ويعد جزءا من رؤية شاملة يتبناها المركز القومي لثقافة الطفل، تهدف إلى إعادة تشكيل وعي الأطفال بهويتهم الثقافية والتاريخية، خاصة في ظل التأثيرات المتسارعة التي فرضتها العولمة والثقافة الرقمية العابرة للحدود. فهو تطبيق صمم ليكون أكثر من مجرد وسيلة للترفيه أو اللعب، بل ليكون أداة حقيقية لبناء الهوية وتعزيز الانتماء, يغني عن ألعاب الذكاء الاصطناعي العشوائية التي لا تخدم وعي الطفل، ليقدم بديلا تربويا ومعرفيا موثوقا، تمت مراجعته من قبل خبراء التاريخ والحضارة، لتقديم محتوى علمي مبسط ودقيق. ويعمل التطبيق بطريقة تفاعلية بسيطة، حيث يمكن للطفل طرح الأسئلة صوتيا أو كتابيا، ليجيب «تحوت» باستخدام لغة مناسبة لأعمارهم، مع دعم الإجابة بالكتابة، والصوت، وأحيانا بالصور والفيديو، مما يعزز من الفهم والاستيعاب ويجعل من التعلم تجربة ممتعة وليست مرهقة. يحتوي التطبيق على مكتبة من المعلومات التاريخية المصنفة بدقة، تشمل أشهر الشخصيات المصرية القديمة، أبرز الأحداث التاريخية، والرموز الحضارية والاجتماعية، ويستعرضها التطبيق بلغة عربية فصحى مبسطة، مدعومة بمقاطع صوتية ومرئية، تم إعدادها وفقا لمراجع علمية وتاريخية موثوقة. كما حرص فريق العمل القائم على تطوير التطبيق على أن يتناسب مع مختلف الفئات العمرية، وأن يسهم في تنمية المهارات المعرفية ومهارات التفكير الناقد لدى الأطفال، إلى جانب تعزيز ثقتهم بأنفسهم وفخرهم بتاريخهم. وقد تم تنفيذ المشروع بالتعاون مع كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي بجامعة القاهرة، لضمان أعلى مستويات الجودة التقنية والمحتوى الأكاديمي. كما يهدف التطبيق إلى أن يكون مرجعا مصغرا ومحببا للأطفال، يغنيهم عن المصادر غير الدقيقة المنتشرة عبر الإنترنت، ويساعدهم على تكوين صورة متكاملة عن حضارتهم وجذورهم الثقافية خاصة في ظل طوفان المحتوى الأجنبي والمفاهيم المستوردة التي يتعرض لها الطفل عبر الوسائل المختلفة, يأتي «تحوت» كدرع ثقافي رقمي، يساعد الأطفال على الفهم وزيادة الوعي والانتماء إلى بيئتهم التاريخية والاجتماعية، دون أن يشعروا بالانفصال عن العالم الحديث. مثل هذه المبادرات تمثل محاولة واعية لزرع بذور الفخر بالهوية المصرية في قلوب وعقول الأطفال منذ الصغر، عبر وسائل حديثة تواكب اهتماماتهم، بدلا من الاعتماد فقط على الأساليب التعليمية التقليدية. بإطلاق تطبيق «اسأل تحوت»، يضع المركز القومي لثقافة الطفل قدمه بقوة في ساحة التكنولوجيا التعليمية الذكية، ليكون من أوائل المؤسسات الثقافية في العالم العربي التي توظف الذكاء الاصطناعي في تعليم التراث والحضارة للأطفال. ويأمل القائمون على المشروع أن يكون «تحوت» نواة لمزيد من التطبيقات الثقافية المتقدمة، التي تربط الطفل المصري والعربي بجذوره، وتؤهله في الوقت نفسه لمستقبل أكثر وعيا وثقافة. لكن، ما الذي يتطلبه إنشاء تطبيق تعليمي مشابه؟، وكيف تتحول الفكرة إلى تطبيق فعلي يتفاعل مع عقول الأطفال وينافس المحتوى العالمي؟.. في السطور التالية توضح خطوات إنشاء مثل هذا التطبيق من البداية وحتى الإطلاق. أولا: الفكرة والتخطيط التربوي, كل مشروع ناجح يبدأ بفكرة واضحة, وقد انطلقت فكرة «تحوت» من هدف نبيل وهو تعزيز الهوية الثقافية لدى الأطفال من خلال تقديم التاريخ بلغة تناسب أعمارهم.. وفي هذه المرحلة يتم تحديد الفئة العمرية المستهدفة، وتحديد الأهداف التربوية مثل: تقوية الانتماء، تنمية مهارات التفكير، وتبسيط المعرفة، وأيضا اختيار المحتوى, مثل: الشخصيات التاريخية، الحضارات، العادات والتقاليد. ثانيا: إعداد المحتوى بالتعاون مع الخبراء, لا يمكن تقديم التاريخ للأطفال بنفس الطريقة المقدمة للكبار، لذا تشكل لجنة من المؤرخين، وخبراء تربية الطفل، وأخصائيين نفسيين, ليكتب المحتوى بلغة مبسطة وقصيرة، ويعزز النص بمحتوى بصري من صور، فيديوهات، رسوم كرتونية وتسجيلات صوتية. ثالثا: التصميم وتجربة المستخدم, فالتطبيق موجه للأطفال، لذا يجب أن يكون ملونا، تفاعليا، وسهل الاستخدام, يحتوي على عناصر مرئية متحركة لجذب انتباه الطفل, ويقسم المعلومات في بطاقات مبسطة، مع أسئلة وأجوبة تفاعلية. رابعا: الذكاء الاصطناعي كمحرك للتفاعل, وهذه هي نقطة التميز، وهنا يتم بناء محرك فهم اللغة الطبيعية (NLP) لفهم أسئلة الأطفال المكتوبة أو المنطوقة، وانشاء قاعدة بيانات تحتوي على معلومات تاريخية دقيقة, ونظام للرد الآلي باستخدام تحويل النص إلى كلام، مع قدرة على التعرف على صوت الطفل، يتم في هذه المرحلة توظيف أدوات مثل: ChatGPT أو Dialogflow أو Amazon Polly. خامسا: البرمجة والتطوير, يبنى التطبيق باستخدام تقنيات مثل Flutter أو React Native ليعمل على الهواتف المحمولة, تصمم الواجهة بلغات برمجة حديثة، ويربط بمحرك الذكاء الاصطناعي, ثم يدمج المحتوى المرئي والصوتي بشكل ديناميكي داخل التطبيق. سادسا: التجريب والتطوير المستمر, حيث يتم إطلاق نسخة تجريبية لاختبار التطبيق مع مجموعة من الأطفال لرصد ردود أفعالهم وملاحظاتهم، يعدل المحتوى أو الأسلوب حسب تجاوب الأطفال. سابعا: الإطلاق والتحديثات الدورية, وهي المرحلة الاخيرة حيث يتم اطلاق التطبيق على منصات الهواتف الذكية, ويروج له في المدارس والمعارض والمناسبات الثقافية، وتضاف شخصيات جديدة ومعلومات دورية لتشجيع الأطفال على العودة للتطبيق باستمرار. وختاما، فإن تطبيق «تحوت» لا يعد مجرد ابتكار تقني، بل هو جسر ذكي يربط بين الماضي العريق والمستقبل الواعد، ليمنح أطفالنا هوية راسخة ووعيا ثقافيا يبدأ بخطوة صغيرة على الشاشة, لكنه يمتد أثرا في الذاكرة والوجدان. اقرأ أيضا: جيل «زد» يقود تحول تجربة التسوق عبر وسائل التواصل بدعم من الذكاء الاصطناعي