الرجال مواقف، والدول أيضًا؛ ومصر دولة منذورة لتكون كنانة الله فى أرضه، والسهم الذى يرمى به أعداءه المتجبرين، الخارجين عن طاعته؛ فهى محميّة بحماه، جلّ وعلا؛ لا يعتدى عليها معتدٍ إلا ردَّه الله خاسئًا خاسرًا، أو كانت أرضها مثواه الأبدى حتى يلقى جزاءه الأخروي.. وهذا ما تؤكده أحداث التاريخ لمن لا يفهمون إلا الوقائع المادية ولا يعترفون بالرسائل الروحية والإشارات الإلهية. والمتتبع للخط التاريخى العالمى يُدرك أن فى هذه البقعة المباركة من أرض الله شخصية قوية لوطن تشكّل من روح الله وعلى عينه ليقوم بمهمة وجودية أرادها الله له للمساعدة فى إيصال رسالات السماء إلى الأرض؛ فاحتضنت مصر الأنبياء وفرشت قلبها بساطًا يمشون عليه، وبذلت دمها لحماية دعوة الحق من نكران المُنكرين؛ وحتى فى الدولة الإسلامية كانت هى الملتحد الذى أوى إليه آل البيت هربًا من طغيان المستبدين، فكانت حبيبة لقلوبهم الطاهرة ولهجت بالدعاء لها ألسنتهم. لا تزال مصر تؤدى رسالتها الوجودية بشرف وأمانة دفاعًا عن الحق والعدل والجمال وباقى القيم الإنسانية التى داستها أقدام الطغاة والمستبدين الذين لا يفهمون إلا لغة القتل والتدمير والإبادة؛ وكأنهم لا يُريدون استيعاب أن دائرة التاريخ تدور، وأنه لا يُمكن لمنطق الشرّ أن يسود العالم بالإكراه والفساد والإفساد؛ وأن الله، سبحانه، يُمهل ولا يُهمل: )إنما نُملى لهم ليزدادوا إثما(، وأن انتقامه سيكون شديدًا لمن تخاذل أو تنازل عن نُصرة الحق وأهله. تنبلج شخصية الوطن وتتشكل فى ساحة النور الأسنى؛ ويعلو صوت مصر رافضًا كل محاولات زحزحتها عن شخصيتها الراسخة ومواقفها الصُّلبة للحفاظ على الوجود العربى حيًّا وسط نواهش الذئاب. ترفض القيادة السياسية كل أشكال التخاذل والرشاوى الدولية؛ ويرفض الشعب المصرى الأبيّ أى ارتكاس عن موقفه الأزليّ فى دعم الشعب الفلسطيني، ويقف خلف قيادته السياسية الوطنية درعًا حصينة تحميها من غوائل الإفك وأفانين الاتهامات. تبرز النقاط التى تحدث عنها د. جمال حمدان فى كتابه (شخصية مصر) واضحة جليّة فى تلك التجمعات لأبناء المحروسة بعد صلاة العيد فى ساحات المحافظات، وحول مسجد المشير الذى صلى فيه الرئيس السيسى وقيادات الوطن صلاة العيد، مؤكدين رفضهم لمساومات تهجير الفلسطينيين، ودعمهم الكامل للرئيس فى مواقفه الخالدة الداعمة للقضية الفلسطينية؛ وكذلك تبرز فى تلك المحبة العارمة للرئيس السيسى وضيفه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وهما يجوبان شوارع القاهرة القديمة: يأكلان فى مطاعمها، ويجلسان على مقاهيها، ويتحدثان مع البائ عين وأصحاب المحلات فى أريحية ليست جديدة على المحروسة التى جعلها الله سلامًا وأمنًا للداخلين إليها والعائذين بها.. وهى كلها رسائل مصرية بعلم الوصول للعالم أجمع تقول إن هذا الشعب يملك رأيه ولا يرضخ لغيره؛ وأنه لن يتنازل عن قضاياه القومية ومسئولياته الوجودية؛ كما تؤكد ما يقوله التاريخ دومًا: إنه لا يضيع وطن وراءه مُطالب مستعد للتضحية بروحه من أجله.