زيارة تاريخية يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر، في توقيت دقيق وبالغ الحساسية تمر به منطقة الشرق الأوسط في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومخاطر اتساع رقعة الصراع بالمنطقة، ولذا تعكس زيارة «ماكرون» العديد من الدلالات والإشارات والمواقف؛ ابتداءً من دعم الموقف المصري الرافض لخطة «ترامب» لتهجير الفلسطينيين وتأييد الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة، إضافة إلى ما عكسته جولة الرئيسين «السيسي وماكرون» في شوارع القاهرة التاريخية أن مصر هي «واحة الأمن والاستقرار» في منطقة تموج بالاضطرابات والصراعات. اقرأ أيضا: عبق الماضي وحيوية الحاضر.. دلالات زيارة السيسي وماكرون ل«خان الخليلي» الزيارة أيضا هدفت إلى تعزيز العلاقات العسكرية والاقتصادية والاستثمارية والتعليمية بين أكبر بلد أوروبي «فرنسا» وأكبر بلد أفريقي «مصر»، فضلا عما تحمله من دلالات القوة الناعمة التي لا تغيب عن الدبلوماسية الفرنسية التي تتميز بالتركيز على العلوم والفنون والثقافة والتاريخ. إذًا هي زيارة تليق بحجم البلدين الكبيرين «مصر وفرنسا» ولذا كان لها أصداء كبيرة وواسعة الانتشار في الداخل والخارج، وهو ما تناقلته الصحف ووكالات الأنباء العالمية، عززه أيضا الحضور الشعبي الواسع الداعم للقيادة السياسية في مواقفها للحفاظ على الأمن القومي للبلاد. دعم الخطة العربية لإعمار غزة الخطة المصرية التي تبنتها ودعمتها الدول العربية لإعادة إعمار قطاع غزة؛ تحظى بدعم فرنسي واضح، كما تدعم باريس استعادة الهدوء ووقف إطلاق النار في قطاع غزة. التضامن الفرنسي العربي لوقف العدوان على قطاع غزة تجلى أيضا في حضور العاهل الأردني للقمة الثلاثية المصرية الفرنسية الأردنية، والتي أكدت على الثوابت المصرية من القضية الفلسطينية، ثم الاتصال بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب إشارة واضحة على بلورة موقف موحد ضد مساعي التهجير وتصفية القضية الفلسطينية والتأكيد لترامب على ضرورة الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للعودة لوقف إطلاق النار. زيارة العريش تأكيد على الدور الإنساني تجاه فلسطين زيارة «ماكرون» للعريش في شمال سيناء المكتظة بشاحنات المساعدات التي تنتظر الدخول إلى قطاع غزة لإغاثة الأشقاء الفلسطينيين، تأتي تأكيدا على الدور الإنساني والإغاثي للقاهرة وباريس، وأهمية الالتزام بوقف إطلاق النار لإنفاذ المساعدات. كما أن الحشود الشعبية التي امتلأت بها العريش هي رسائل دعم للأشقاء الفلسطينيين وأيضا تأييد لمواقف القيادة السياسية الهادفة لإغاثة وتخفيف المعاناة عن قطاع غزة، فضلا عما تحمله من ضغط على الجانب الإسرائيلي. التعاون العسكري بين مصر وفرنسا لا شك أن مرافقة طائرات الرافال المصرية ذات الصناعة الفرنسية لطائرة ماكرون فوق سماء القاهرة، ونشر "ماكرون" على صفحته الرسمية بمنصة "إكس" فيديو يُوثق ذلك؛ له رسائل ودلالات تعكس عمق التعاون العسكري بين القاهرةوباريس، وبما يحقق الاستراتيجية المصرية الرامية إلى تنويع مصادر السلاح، فضلا عن أن شراء مصر لطائرات الرافال الفرنسية عزز من سمعتها الدولية وبدأت دول كثيرة تحذو حذو مصر في شراءها. ماكرون أيضا عبر عن فخره بالتعاون العسكري مع مصر قائلا: «وصلنا إلى مصر برفقة طائرات رافال المصرية، فخورون بهذا لأنه يعد رمزًا قويًا للتعاون الاستراتيجي بيننا». إبراز القوة الناعمة لمصر في مجال السياحة في مشهد نادر تجول الرئيسان عبد الفتاح السيسي وإيمانويل ماكرون في منطقة الحسين التاريخية حيث عبق التاريخ المصري، وتجولا في شوارع خان الخليلي حيث التف حولهم الجماهير للترحاب والتقاط الصور التذكارية، وذلك خير دليل على أن مصر هي واحة الأمن والهدوء والاستقرار في منطقة تمتلئ بالصراعات والحروب والاضطرابات. كما تعكس الجولة ما تتمتع به مصر من مقومات القوة الناعمة الثقافية والتراثية، إضافة إلى تشجيع السياحة المصرية. كما أن زيارة المتحف المصري تؤكد أيضا على امتلاك مصر للقوة الناعمة الأثرية والتراثية وتعطي دفعة للسياحة المصرية، فضلا عن التمهيد لافتتاح المتحف المصري الكبير في القريب العاجل. تعزيز التعاون في مجال النقل كما قام «ماكرون» باستقلال مترو الأنفاق ل تعزيز التعاون في مجال النقل خاصة أن فرنسا هي من أنشأت مترو الأنفاق في 1984 ولاتزال تلعب دورا مهما في تشغيله وصيانته، وهو يعد مشروعا حيويا للمصريين ويمكن البناء على هذه التجربة الناجحة في إتمام باقي مشروعات النقل الواعدة. التعاون في مجال التعليم يعزز قوة مصر الناعمة الزيارة التاريخية لجامعة القاهرة تعكس دور التعليم والبحث العلمي في مجال الدبلوماسية، كما تعزز من قوة مصر الناعمة في هذا المجال، خاصة ما تشمله من توقيع اتفاقات علمية وجامعية تدعم علاقات البلدين في هذا المجال خاصة مع سياسة مصر الرامية إلى تشجيع الاستثمار في مجال التعليم الجامعي. التعاون الاقتصادي والاستثماري تعتبر فرنسا أهم شريك تجاري لمصر في أوروبا وهى في المركز الأول من حيث الاستثمارات الأوروبية في مصر باستثناء قطاع المحروقات، كما أن رفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية يعزز من التعاون الاقتصادي بين البلدين خاصة أن مصر تعتبر بوابة فرنسا نحو القارة السمراء وسوق واسع وكبير ومليء بالفرص الاستثمارية. كيف تناولت الصحافة الفرنسية زيارة ماكرون؟ أفردت الصحف ووسائل الإعلام الفرنسية مساحات واسعة للحديث عن أهداف وتفاصيل زيارة ماكرون، وركّزت التغطيات على الملف الإنساني في غزة ودعم خطة إعادة الإعمار العربية للقطاع، إضافة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين البلدين. أبرزت صحيفة "ويست فرانس" أن ماكرون يرغب في "إظهار دعم من أجل وقف إطلاق النار في غزة" والاستجابة "للحالة الطارئة"، مشيرة إلى وصف ماكرون لاستئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية في 18 مارس الماضي بعد شهرين من الهدنة بأنه "تراجع مأساوي". من جهته، ذكر موقع "أكتو" الإخباري الفرنسي، أن زيارة ماكرون لمصر تتضمن جانبًا سياسيًا لدعم الخطة العربية للقطاع الفلسطيني في مواجهة طموحات دونالد ترامب المثيرة للجدل، وجانبًا إنسانيًا للمطالبة برفع الحصار عن المساعدات. وفقاً لشبكة "فرانس إنفو" الفرنسية، أن الخطة العربية لإعادة إعمار غزة، التي تم تبنيها في أوائل مارس المنقضي تُقدم كبديل لمشروع دونالد ترامب الذي يقترح وضع القطاع تحت السيطرة الأمريكية. ذكرت صحيفة "ليزيكو" الفرنسية أن الرئيس الفرنسي يأمل في الاستفادة من إقامته لتسهيل أعمال عدد من المجموعات الفرنسية. وأضافت صحيفة "لوفيجارو" أن للزيارة جانبًا اقتصاديًا مهمًا، كما يتضح من حضور وزراء الصحة كاترين فوتران، والنقل فيليب تابارو، والبحث فيليب بابتيست. وأوضحت "فرانس إنفو" أن وفدًا من منظمة أرباب العمل الفرنسية (ميديف) سيشارك في الرحلة، في هذا البلد الذي تعمل فيه نحو 180 فرعًا لشركات فرنسية توظف أكثر من 50 ألف شخص، وفقًا لوزارة الاقتصاد الفرنسية، ويُتوقع توقيع اتفاقيات في عدة قطاعات، من بينها النقل. نشر موقع صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية مقطع فيديو مميزًا بعنوان "صور إيمانويل ماكرون في سوق القاهرة مع الرئيس المصري"، وثّق من خلاله جولة الرئيس الفرنسي في سوق خان الخليلي التاريخية بمصاحبة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقد لفتت الصحيفة إلى أن هذا اللقاء، الذي جاء على شكل عشاء لم يكن معلنًا عنه مسبقًا، يعكس عمق العلاقات بين البلدين ورغبة الرئيس الفرنسي في التواصل بشكل مباشر مع الثقافة المصرية الشعبية. أشارت صحيفة "سود ويست" (Sud Ouest) إلى أن هذه الزيارة ستكون أيضًا مناسبة لرفع العلاقات الفرنسية المصرية إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية".