تتطور الأحداث بسرعة أكبر من القدرة على اللحاق بها، وبما يحتم الاقتصاد فى إطلاق التنبؤات، لكن الشيء الثابت والمثبت فى كل ما يجرى هو عدم اليقين السياسي الذى يقترح احتمالية لكل السيناريوهات، ويبقى المنطقة على صفيح ساخن هو الأخطر منذ عقود. مرة أخرى، يمارس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إرهابه السياسي ضد دول المنطقة، في إطار نموذجه المفضل: «الضغط بأقصى حد من أجل اغتصاب التنازلات». وتبدو إيران بوضوح فى قلب التركيز الأمريكى في الفترة الحالية، إما لاهتمام إدارة ترامب بالفعل بحلحلة ذلك الملف أو من باب التغطية على أمر آخر يجرى بالتوازي، وفى كل الأحوال، فإن «التعامل مع التهديدات الإيرانية» ربما هو أحد محاور الاتفاق بين إسرائيل وأمريكا فى وقت لا يتفق فيه الحلفاء بدقة حول غزة. في غزة ورغم تأييد ترامب لمسألة التهجير، إلا أنه يبدو قد عزف عن التكفل بها رسميا ومباشرة وترك الأمر للإسرائيليين لتدبيره بمعرفتهم، فترامب لا يريد خسارة مصر، أقوى دولة وأقوى جيش في المنطقة، ولن يحل السلام فى المنطقة بدون مصر، ولن يحل الاستقرار بدون مصر.. وبالتالى، لم يختر عداءها علنا رغم اختلاف وجهات النظر فيما يتعلق بأمر غزة. مارس ترامب وأعضاء إدارته ضغوطا كبيرة على إيران، سواء بتهديدات بضرب المنشآت الإيرانية أو ضرب الحوثيين الموالين لها فى اليمن بالفعل أو تحييد الدعم الروسى عبر المصالحة فى الملف الأوكرانى أو حتى بإرسال حاملة طائرات للمنطقة، المهم من وراء كل ذلك لترامب هو تحييد إيران عن أى دور لها بالمنطقة، ومع هذه الضغوط، أثيرت المخاوف من اندلاع حرب لن يعرف متى وكيف ستنتهى. ◄ رؤية ترامب كان تحييد إيران هو جوهر رؤية ترامب لمستقبل الشرق الأوسط التى كشفها مبعوثه ستيفن ويتكوف خلال مقابلة تلفزيونية قبل أسابيع قليلة، أجراها مع الصحفى، تاكر كارلسون، وقال فيها ويتكوف، إن ترامب يرغب فى رؤية منطقة يحل فيها الاستقرار عبر تعزيز الروابط التجارية بين أطرافها، ومحور هذه الروابط هو التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، الذى يظن أن إسرائيل متقدمة فيه، وعلى استعداد لنقله للدول المتعطشة إليه، لكن العنف والقتال، وعدم الاستقرار، هو ما يحول بين ذلك وتحقيقه، ومن ثم فإن من بين الحلول، كما يرى، هو تحييد إيران عن التدخل فى المنطقة، وقطع أواصرها مع وكلائها فى لبنان واليمن والعراق... إلخ، فضلًا عن التأكد من سلمية نشاطها النووى. أما فيما يخص غزة، فلا يرى ترامب أى مستقبل فى الحقيقة لوجود شعب أو دولة فلسطينية، ربما فقط أفراد داخل إسرائيل أو ينتشرون فى دول المنطقة، وهذا بعكس رؤيته فى فترته الرئاسية الأولى حيث كان طرحه المسمى ب«صفقة القرن» يشمل قيام دولة فلسطينية بالفعل، ولو على أراضٍ أقل كثيرا مما يحق لها، وقد أثار ترامب غضب اليمين الإسرائيلى بالمناسبة بذلك الاقتراح، وكان ذلك ضمن أسباب الخلاف مع نتنياهو فى الفترة الأخيرة فى رئاسة ترامب الأولى، لكن هذه المرة، لا يرى ترامب أى وجود للفلسطينيين كشعب واقعى أو دولة فى المستقبل، لكنه لا يعرف بالتحديد كيف السبيل لتحقيق ذلك، كون الأمر يتعلق أخيرًا بالعلاقات مع مصر، وباحتمال وقوع صدام فى المنطقة، حيث لن يحل السلام أبدًا لإسرائيل ما دامت مصر فى غير سلام معها. ◄ اقرأ أيضًا | a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4590791/1/%D8%A3%D9%83%D8%B3%D9%8A%D9%88%D8%B3-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B4%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7" title=""أكسيوس": محادثات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي السبت المقبل""أكسيوس": محادثات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي السبت المقبل ◄ لقاء الشيطان الأكبر وبالعودة للملف الإيرانى، فقد تحدثت تقارير عن تمسك أمريكا بمسألة إجراء محادثات مباشرة مع إيران، أما السبب الواضح من وراء ذلك، فهو حب ترامب فى الظهور بمظهر «رجل المعجزات السياسية»، فقد التقى الزعيم الكورى الشمالى، كيم جونج أون، وذلك خلال فترة ترامب الرئاسية الأولى، وهذه المرة، يترقب تنظيم لقاء بينه وبين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ويبدو أن ترامب لا يستطيع الصبر كثيرًا على مثل تنظيم ذلك اللقاء، فالرجل محب للصور التى تتصدر وسائل الإعلام، كما أنه عاشق لفكرة كونه محور الأحداث، ومركز الجدل السياسى العالمى، ووجهة ترقب الأوساط السياسية والاقتصادية الدولية. للهدف ذاته، يرغب ترامب بشدة فى لقاء المرشد الإيرانى، على خامنئى، الذى يصف أمريكا بالشيطان الأكبر، لكن الأمر مختلف هذه المرة، فإيران ترفض بشدة مثل هذا اللقاء وهذه الصورة، فصورة مثل هذه وحدها كفيلة بإسقاط حجة إيران عن شيطنة أمريكا، فالرجلان، إذا التقيا، سيبتسمان أمام الكاميرات، وهذا كفيل بتهدئة الخطاب السياسى اللاحق بين واشنطنوطهران، وسيجبر الأخيرة على تعديل، أو تخفيف النبرة السياسية تجاه أمريكا، وهو ما لا يتفق مع العقيدة السياسية للجمهورية الإسلامية، ولا تريده بأى حال من الأحوال. من ناحية أخرى، الوضع مُختلف حتى لأمريكا، ولا يُمكن أبدًا مُقارنة الحالتين الكورية الشمالية بالإيرانية، ومرجع ذلك سببين بالأساس، أولا، أن كوريا الشمالية تمتلك بالفعل أسلحة نووية، فيما لا تزال إيران فى مرحلة تطوير برنامج نووى، كما لا يمكن التأكد من كونه مدنيا أم عسكريا (بعكس الحالة الكورية الشمالية)، أما الفرق الثانى، وهو الأخطر، فإن حلفاء أمريكا فى آسيا يدفعون واشنطن تجاه الحوار مع بيونج يانج لتأمين شرها، أى أن التعاون والحوار بين واشنطنوبيونج يانج هو أمر محبب ومرحب به من حلفاء أمريكا فى آسيا وفى مقدمتهم اليابان وكوريا الجنوبية، فى المقابل، فإن حلفاء أمريكا فى المنطقة (إسرائيل) لا يرغبون فى مثل ذلك الحوار، بل يدفعون باتجاه ضرب المنشآت النووية الإيرانية عبر مسار عسكرى فى التعامل مع التهديدات الإيرانية، وبالتالى، فإن صورة تجمع بين ترامب والمرشد الإيرانى لن تكون محل ترحيب أبدا من حلفاء أمريكا. أما إسرائيل، فإذا لم تحصل على ما تريد هذه المرة، فهى ترحب بالضغوط الأمريكية على إيران، (لانتزاع تنازلات)، فسواء تعلق الأمر بضمانات حول برنامجها النووى أو قطع علاقاتها بوكلائها ومن ثم تحييد دورها الإقليمى فهى أمور ستظل محل ترحيب فى تل أبيب، وستعمل إسرائيل دوما على استثارة الأمور بين أمريكاوإيران لتحفز أمريكا تجاه عمل عسكرى على طول الخط ضد طهران. ◄ تمويه بإيران من ناحية أخرى، يُمكن النظر للتصعيد الجارى على الجبهة الإيرانية على أنه وسيلة للتمويه على أمر أخر يجرى، فاستمرار حرب غزة يقدم منفعة سياسية لإسرائيل تغطى بها على ما يحدث فى الضفة من انتهاكات، فالتصعيد فى غزة يستقطب الأنظار بشكل تلقائى حتى إذا ما قورن بالضفة، وبالمثل ربما يهدف التصعيد مع إيران للتغطية على التطورات الخطيرة فى غزة، فإسرائيل تبدو عازمة بشكل أكيد على السعى لإتمام التهجير، رغم عدم سعيها للصدام مع مصر. وفى السياق ذاته، يتحدث الإعلام العبرى عن مسألة التهجير الطوعى وليس القسرى، فهل نرى بنى تحتية من مطارات أو موانئ ستبنيها إسرائيل فى أراضٍ احتلتها فى غزة، تمهيدا لنقل الفلسطينيين عبرها؟! قامت إسرائيل مؤخرًا بإنشاء «محور موراج» لفصل خان يونس عن رفح جنوب قطاع غزة، وسط خطة تل أبيب الجديدة لتقسيم قطاع غزة بالتزامن مع الاجتياح البرى المُحدود، وأظهرت خرائط نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية أن الممر الجديد يمتد بعرض القطاع من الشرق إلى الغرب، فيما جرى نشر قوات إسرائيلية من الفرقة 36. وذكر رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، أنه سيكون «ممر فيلادلفيا ثانيا» مشيرًا إلى الجانب الذى يقع بغزة من الحدود مع مصر جنوبًا، الذى تسيطر عليه إسرائيل منذ مايو الماضى، مُضيفًا: «إنشاء محور موراج الجديد للضغط على حركة حماس»، وأشار إلى أنه سيعزل مدينة رفح جنوب قطاع غزة، التى أمر بإخلائها، عن باقى القطاع. وفى وقت سابق، أعادت إسرائيل التأكيد على السيطرة على ممر نتساريم الذى يفصل الثلث الشمالى لغزة، بما فى ذلك مدينة غزة، عن باقى القطاع، ويمتد ممرا فيلادلفيا ونتساريم من الحدود الإسرائيلية إلى البحر المتوسط. ◄ نقطة ارتكاز ووفقا للتقرير، فإن المحور يشكل نقطة ارتكاز استراتيجية بسبب موقعه الجغرافى، فالمحور الجديد من شأنه اقتطاع مساحة 74 كيلومترًا مربعًا من مساحة قطاع غزة، أى ما يعادل 20 بالمئة من إجمالى مساحة القطاع البالغة 360 كيلومترًا مربعًا. وتنبع أهمية المحور من كونه أحد أهم شرايين الحياة لنقل الأفراد والبضائع بين جنوب القطاع وشماله، حيث تضم مدينة رفح وحدها اثنين من أهم 3 معابر تعمل فى القطاع، وهما معبر كرم أبو سالم المخصص لنقل البضائع والمساعدات من إسرائيل للقطاع، إضافة إلى معبر رفح الفاصل بين القطاع ومصر، الذى يخصص لنقل الأفراد والبضائع من وإلى القطاع. بموازاة ذلك، فإن بقاء الجيش الإسرائيلى فى المحور سيحرم القطاع من أهم موارده الزراعية، إذ تُعتبر مدينة رفح من أهم مصادر الغذاء والخضراوات المتبقية فى القطاع، حيث تغطى المساحات الخضراء أراضى المدينة، وبخاصة منطقة المواصى غربًا. إسرائيل تمضى فى خطتها للقطاع والبعيدة كل البعد عن مسألة استعادة أسراها أو حتى التخلص من حكم حماس فى غزة.. بل إنها تتهيأ لتوسيع أراضيها والاستيلاء على أراضٍ عربية جديدة، وتسعى بشتى الطرق لتمرير ما تخطط له، بدعم أمريكى منقطع النظير، حتى وإن بدا الجانبان فى بعض الأحيان مختلفين.