ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقائه مع صناع الدراما والإعلام عن المحتوى الذي تحمله بعض المسلسلات التى عرضت فى شهر رمضان الماضي وانتقاده لصناع الدراما حول غياب العبرة والدرس مما يذاع، كان تعبيراً عن رأي العديد من الجمهور الذي كان يمنى النفس قبل رمضان بمشاهدة أعمال تعود به إلى الزمن الذي كانت الأعمال تحمل فيه رسائل تربوية أو مجتمعية، وهو الأمر الذى أثلج صدر الكثيرين وإن كان هناك من «اتقمص» من الانتقادات التى وجهها السيد الرئيس لهذه الأعمال ليعلن بشكل طفولى «مش لاعب معاكم بعد كده». ودراما رمضان هذا العام رغم أنها تخطت الأربعين عملاً فى سابقة أولى منذ سنوات، إلا أن ما يمكن أن نصفها به أنها قوالب طينية صُبت فى قالب واحد لتخرج بنفس الهيئة، وبعدها يتم تشكيلها بألوان ورسومات متباينة حتى يُخيل للمشاهدين أنها مختلفة. وبعيداً عن بعض الأعمال التي وضعت نفسها في قالب مختلف وإطار يبتعد عن التيمة التي درجت عليها أعمال البطل الشعبى الخارق التى انتشرت خلال السنوات الماضية، سنجد أن أغلب الأعمال التى عرضت في رمضان الماضي تحمل في طياتها «التجعير والتبريق والصوت العالي والقصص الخرافية، وبعد أن خلصنا الله من الأعمال التي تدور فى وسط لا يمثل إلا واحداً فى المئة من الشعب المصرى وهم الطبقة العليا التي تتحدث بالملايين والمليارات وكأنها الفكة التي نسير بها فى جيوبنا وإحنا بنتشعبط فى الأوتوبيس، خرجت عليا دراما هذا العام بمنظور مختلف عن البيئة الشعبية، وهى التى ترسخت قبل عامين فى مسلسل «جعفر العمدة» فبعد أن كان المليارديرات يسكنون فى الأماكن الراقية الجديدة والكمبوندات الشهيرة، انتقلوا إلى المناطق الشعبية كالسيدة زينب وبولاق أبو العلا وشق الثعبان، وأصبح حديث هؤلاء بالملايين وكأنهم يتحدثون عن الفكة التي في جيوبهم. فأين ذلك البيت الذى يقع فى منطقة السبتية ببولاق أبو العلا ويستحق أن يكون ثمنه خمسة ملايين دولار، أى أكثر من 250 مليون جنيه، حتى لو كان أثرياً، وأين ذلك المكان فى السبتية أيضاً الذى يشبه «بيت أبو العباس» الذى هو فى الحقيقة قصر؟!. واستمراراً لتجاوز الأحداث فى المسلسل الحقائق الثابتة وإمعاناً فى التيمة الخيالية، نجد رجلاً تخطى الأربعين من العمر لا يعرف اسم أمه الذى أخفاه عنه والده رغم أنه يمتلك شهادة ميلاد وبطاقة رقم قومى فهل هذه الأوراق استخرجت له من دون تسجيل اسم الأم فيها أم أنها مزورة، بل الأدهى أنه كان يمكن أن يذهب لأى سجل مدنى ويسأل عن أسماء زوجات والده وهو الأمر الذى أصبح متاحاً بكل سهولة وعندها سوف يعرف اسم والدته، ما دام الزواج تم بشكل شرعي. أغرب ما رأيته فى هذا العمل الذى أعتبره ينتمى لأعمال الخيال غير العلمى أن منطقة السبتية بعد كل هذه الأعوام تنتمى لقسم شرطة الأزبكية، رغم أنه معروف أنها تقع فى نطاق قسم شرطة بولاق أبو العلا، لكن المؤلف والمخرج لم يكلفا نفسيهما للسؤال حتى لا يقعا فى هذا الخطأ الجغرافي، إلا إذا كانت محافظة القاهرة قد غيرت تقسيم المنطقة ليقع منزل أبو العباس فى السبتية ضمن دائرة قسم الأزبكية. وهناك مسلسل آخر حمل نفس تيمة البطل الشعبى الذى يحاول أن يفرض نفسه فى المنطقة التى يعيش فيها بالصوت العالى وقوة الذراع، وإن كانت القصة تميل قليلا إلى الواقعية لكنها الواقعية المغلفة بأسطورة البطل الشعبي. الغريب فى بعض الأعمال التي وجهت لفئة معينة من الجمهور أن ظهور الأسلحة النارية أصبح شيئًا عادياً، بل إن غياب دور الأمن فيه كان عن قصد واضح لتغييب دور الشرطة فى المرحلة الحالية التى تحتاج منا جميعاً أن نتكاتف خلفه لكن صناع بعض الأعمال الدرامية قصدوا بشكل متعمد تهميش هذا الدور فى أعمالهم وإن أظهروه فى نهاية الأحداث على استحياء. ورغم ظهور هذه الأعمال غير المنطقية فى الشارع المصرى لا يمنعنا من الإشادة ببعض الأعمال التى حملت على عاتقها توجيه رسائل هادفة لتوعية المجتمع لأخطار تحيط بأبنائنا مثل «لام شمسية» الذى أرفع لصناعه القبعة لطرحه قضية شائكة من دون أن يجرحوا أعين وآذان المشاهدين بلفظ خارج أو مشهد يؤذي. أيضاً هناك مسلسل «ولاد الشمس» الذى طرح قضية مهمة عانى منها المجتمع كثيراً وهى استغلال الأطفال اليتامى فى بعض الدور لمصالح شخصية. في الحقيقة أن الملاحظات التى ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسى الضوء عليها أمام صناع الدراما تعطى إشارة إلى رفض القيادة السياسية وعدم رضائها عما قدم هذا العام ويقدم منذ أعوام، فهل سوف نرى في الأعوام المقبلة نموذجًا مختلفاً للأعمال الدرامية يعود بنا إلى الأعمال التى تحمل هدفًا ومضموناً تربوياً؟.