الفرق بين السجن والسكن حرف واحد، ومئات الاختلافات.. والفرق بين النجاح والفشل شعرة واحدة ومئات الأسباب.. والفرق بين الدراما الناجحة والدراما الفاشلة، فنانون أبدعوا فسكنتهم الدراما وآخرون كرروا أنفسهم فحبستهم القوالب فى سجن الدور الواحد..
مما لاشك فيه أن مسلسل «سجن النسا» كان الحصان الذى راهن عليه العدل جروب هذا العام، فالمسلسل قدم للناس قمة المأساة فى قالب ممتع وعلى يد مجموعة أبدعت تحت قيادة مُخرجة عرفت كيف تُسلط عصاها السحرية على فريقها لتحولهم إلى فراشات تُحلق فى الضوء دون أن يحرقها وميضه..
نيللى كريم التى كتبت شهادة ميلادها الفنية فى العام الماضى من خلال مسلسل ذات، تخرج علينا هذا العام فى حالة مختلفة وأداء مُبهر، فكانت نظرة عينيها الحالمة ونبرة صوتها الذى يفيض بالعشق فى الحلقات الأولى حالة.. ونظرة عينيها الانتقامية ونبرة صوتها الشرس وملامحها التى حولتها قسوة القدر إلى الجمود حالة أخرى، حالة كتبتها بخبرة الفنانة الموهوبة بحق التى طالما حبستها السينما فى دور الفتاة الدلوعة..
إن القصة رسالة إلى القدر حين يقسو على البشر فيأخذهم من دنيا السكون إلى شهوة الانتقام.. لم يكن سجن النسا مجرد مكان تلاقت فيه أقدار كل تلك النساء اللاتى اختطفهن النصيب من دنياهن ليُلقيهن خلف الأسوار فيتحول نبض قلوبهن إلى حجر ونظرة عيونهن إلى صمت وابتسامتهن إلى سراب.. لكنه كان دُنيا قهرت تلك النساء.
وإذا كانت رسالة المسلسل قد اقتحمتنا بقوة، فأداء الممثلين المتميز الرفيع قد أجبرنا على المتابعة والانحناء أمام موهبتهم جميعا بل والتغاضى عن المط والتطويل المُرعب فى الكثير من الحلقات..
وتنطلق روبى فى دور لم نتصور أبدا أنها كانت قادرة على أدائه، فاجأتنا بحرفية صانع الزجاج الذى ينفخ فى قطعة عجين ليشكل منها تحفة فنية، حين أمسكت بتلابيب الدور بدءا من لكنتها الصعيدية المُتقنة، إلى انفعالات الشخصية الواقعية جدا، إلى انكسار إرادتها ونفسها أمام إذلال صاحبة البيت الذى عملت فيه، ثم التحول الذى غالبا ما يُصيب أبناء تلك الطبقة حين تنفذ الغيرة بين ضلوعهم ويسكن الطمع نفوسهم.. أجبرتنا روبى على التصفيق لها كل يوم، فكنت كلما تكلمت أو انحنت أو ابتسمت.. أهتف: «عظمة على عظمة يا ست!»..
أما المعلمة عزيزة الشهيرة بسلوى خطاب فأجدها قد أجبرتنى على أن أنسى تماما أنها ممثلة أو حتى إننى قد رأيتها من قبل! وأصبحت صورة تاجرة المخدرات القوية الحنونة المُسيطرة الناعمة، هو كل ما بقى من دورها فى ذهنى.. سلوى خطاب نجحت بامتياز فى أن تكسر كل القوالب التى سكنتها طويلا وقدمت الجديد المتميز..
زينات اللى بتزوق البنات أو نسرين أمين لم تكن سوى إضافة للمسلسل بل أضافت لمستقبلها الفنى لبنة لتعلى به جدار موهبتها إلى قمة النجاح.. إنها معجونة بالفن وعيناها تفيضان بالحياة أحيانا، وتنطفئ بنظرات الانكسار فى الأحيان الأخرى..
لم تكن دُرة أقل نجاحا لأنها أمتعتنا بأدائها المتميز على الرغم من أن ملامحها الارستقراطية ظلمتها فى أن تُقدم بسهولة دور فتاة الليل التى تأتى من القاع..
ثرية جبيل فتاة أمامها طريق مفروش بالنجاح لو استطاعت أن تُضيف إليه بموهبتها.. وسلوى عثمان فنانة ترسخ أقدامها كل يوم على طريق التميز..
إننى هنا أقدم النقد بعين مُشاهدة كان لها حظ متابعة بعض الأدوار ولكن ولضيق الوقت لم أستطع متابعة الكُل وهذا ليس تقليلا من شأن الباقين..
تابعت أيضا مسلسل «صاحب السعادة» بابتسامة على وجهى لا أعرف مصدرها، فهل هو أداء الزعيم عادل إمام السلس وكلماته التى تحمل رسائل سمحة لكل المتعصبين المتشنجين الذين هزمتهم الحياة وأخذت منهم أكثر مما أعطتهم؟ أم هو تألق لبلبة بابتسامتها الممتعة الشيقة المتفائلة؟ الحقيقة أن المسلسل ككل أشاع حالة من التفاؤل والسعادة فى البيوت وبث ذبذبات من الطاقة الإيجابية بين ضلوع المشاهدين الذين لم ينتظروا قصة ولا تمثيلاً ولا حتى أحداثاً.. بل أصبحوا ينتظرون كل يوم فى شغف أن يأخذوا جرعتهم من السعادة من بين مشاهد هذا المسلسل.. فتحية لطاقم العمل صُناع تلك السعادة.
وقدمت أنوشكا فى مسلسل السيدة الأولى دوراً شديداً الصعوبة فى مشاهد قليلة اتسمت بحرفية الممثل الذى فهم الدور وامتلك خيوطه، فأنوشكا التى تُصر على أنها ابنة مفتاح صول لأنها ولدت من رحم الغناء، استطاعت أن تسرق الكاميرا بأداء دور الأم التى أصابتها حالة من الانفصام العائلى حين تعارضت طموحات زوجها مع أحلامها، وقدمت مشاهد شديدة الإنسانية والصعوبة حين هربت من نكستها إلى أحضان تعاطى الخمر، قدمت أنوشكا تلك اللوحة باختلاف الفنانة التى أدركت قيمة دورها على الورق فسكنت سطوره..
يحيى الفخرانى.. على الرغم من عدم استطاعتى أن أشاهد (دهشة) كاملا إلا أن عدة مشاهد كانت كافية لتؤكد عبقريته فى الأداء وتغزل بخيوط من حرير إبداع فنان يكتب تاريخ الفن المصرى بنظرة من عينيه.. فلو كانت نيللى كريم هى ميريل ستريب هذا الموسم، فسيبقى يحيى الفحرانى هو ألباتشينو الدراما المصرية للأبد..
ويبقى سؤال يُحيرنى.. لماذا تُصر ليلى علوى على أن تبقى مسجونة داخل قالب درامى واحد تقدمه كل رمضان، فمن شمس إلى فرح، تبقى ليلى الفتاة الساذجة المبتهجة الباحثة عن الحب فى قلوب من حولها.. كيف استطاعت ليلى بعد نابليون والمحروسة أن تدخل فى هذا النفق المظلم؟ ومتى تدرك أن تاريخها الفنى لا يسمح لها بتقديم نفس التيمة فى رمضان المقبل؟ علها تراجع حساباتها..
تحية لكل من سكنوا الدراما فتألقوا.. وهارد لك لكل من سجنتهم الدراما فأخفقوا..