رفعت القوات المسلحة الفلبينية درجة استعدادها تحسّبًا لاحتمال اندلاع صراع عسكري واسع النطاق بين الصينوتايوان، في وقت بدأت فيه الدول المجاورة تدرك أن الحرب القادمة قد لا تبقى محصورة في المضيق. حيث أمر رئيس أركان الجيش الفلبيني، الجنرال روميو براونر، بتهيئة قيادة شمال لوزون – المنطقة الأقرب جغرافيًا إلى تايوان – للتعامل مع سيناريو حرب صينية وشيكة، مؤكدًا أن مانيلا "لن تكون بمنأى عن ألسنة اللهب إذا اشتعلت الحرب"، بحسب موقع المعهد البحري الأمريكي « USNI News». لكن ما لا يُذكر كثيرًا هو أن جزيرة مافوليس الفلبينية تقع على بُعد أقل من 150 كيلومترًا فقط من الساحل الجنوبيلتايوان، ما يجعلها أقرب جغرافيًا إلى تايوان من عاصمة الفلبين نفسها، وقد أُدرجت هذه الجزيرة مؤخرًا ضمن خطط الانتشار الطارئة لواشنطن ومانيلا ضمن اتفاقية المواقع المعززة (EDCA)، ما يفتح الباب أمام استخدامها قاعدة متقدمة في حال تصاعد النزاع. تاريخيًا، لم تكن الفلبين طرفًا مُباشرًا في صراعات مضيق تايوان، لكنها اليوم تجد نفسها، بحكم الجغرافيا والعمالة والاتفاقيات العسكرية، في مسار نيران معقد، أكثر من 150 ألف فلبيني يعملون حاليًا في تايوان، مما يضع مانيلا أمام مسؤولية مزدوجة، بين إنقاذ أرواح رعاياها، وتحديد تموضعها العسكري في صراع قد يعيد تشكيل خريطة المحيط الهادئ. وفي ظل ما يشبه تقاطع العواصف بين الأطماع الصينية والردع الأمريكي، قد تصبح لوزون – هذه الجزيرة الخضراء الهادئة – ساحة اختبار مبكر لحدود النفوذ الإقليمي في آسيا. ◄تايوان على شفير الخطر... والفلبين في قلب المعادلة أعلن رئيس أركان القوات المسلحة الفلبينية، الجنرال روميو براونر، عن أن بلاده لن تكون بعيدة عن دائرة الصراع إذا اندلعت الحرب في تايوان، قائلاً: "في حال تعرضت تايوان لأي مكروه، فإننا سنكون متورطين لا محالة". وأضاف مُحذرًا أن هناك نحو 250 ألف عامل فلبيني يعملون حاليًا في تايوان، مما يفرض على مانيلا استعدادًا طارئًا لعملية إجلاء واسعة النطاق في حالة تفاقم الأزمة. ◄خطط الإجلاء قيد التنفيذ.. وتحركات على الأرض كجزء من هذا السيناريو المُتوقع، وضعت القيادة الفلبينية بالفعل خططًا طارئة لإعادة المواطنين الفلبينيين من تايوان، وهي خطط جرت تجربتها فعليًا خلال مناورات "كامانداج 8" المشتركة مع الولاياتالمتحدة، والتي أُجريت في مقاطعة باتانيس، أقرب نقطة فلبينية إلى الجزيرة المهددة. ◄«السلام بالقوة».. شعار المرحلة الجديدة في العقيدة الدفاعية رغم أن براونر، لم يوضح صراحة الأسباب الكاملة التي تدفع الجيش الفلبيني، إلى هذا الاستعداد المكثف، إلا أنه كرر تصريحات وزير الدفاع الأمريكي/ بيت هيجسيث، حول ضرورة تبني سياسة "السلام من خلال القوة". وأشار المسئول الفلبيني، الجنرال روميو براونر، إلى أن الصين تُمارس حربًا غير تقليدية ضد الفلبين، تشمل الهجمات الإلكترونية، والمعلوماتية، والمعرفية، وحتى السياسية، ما يُلزم مانيلا برفع جاهزيتها الدفاعية على مختلف الجبهات. وقال هيجسيث، خلال خطاب له: "السلام لا يأتي بالتمني، بل بالقوة، والقوة لا تُكتسب إلا بالاستعداد للحرب,, لذلك نسير في هذا الاتجاه دون تردد." ◄تحركات عسكرية مفاجئة.. وصراع النفوذ في مضيق لوزون تزامنت تصريحات براونر، مع إطلاق مناورات بحرية وجوية مفاجئة نفذتها قيادة المسرح الشرقي في الجيش الصيني بالقرب من تايوان، شملت عبور مجموعة حاملة الطائرات "شاندونج" التابعة لبحرية جيش التحرير الشعبي عبر مضيق لوزون، ما أثار مخاوف مانيلا ودفعها لإرسال زورق حربي وفرقاطة إلى المنطقة في مارس الماضي. وفي عام 2024 وحده، نفذت القوات الفلبينية 217 دورية بحرية في شمال لوزون، في مُؤشر واضح على تنامي القلق الأمني من تحركات بكين آنذاك. ◄«جزيرة مافوليس».. نقطة الانطلاق المحتملة لأي تدخل تحولت جزيرة مافوليس، وبقية جزر باتانيس إلى بؤر استراتيجية تتصدر اهتمام المخططين العسكريين في كل من الفلبينوالولاياتالمتحدة، ففي مناورات باليكاتان 2024، انتشرت القوات الأمريكية بأنظمة HIMARS الدفاعية، وأجهزة استشعار متقدمة، وطائرات استطلاع على امتداد هذه الجزر الحساسة التي تفصل تايوان عن الفلبين، وفقًا لموقع المعهد البحري الأمريكي « USNI News». وخلال زيارته الأخيرة إلى مانيلا، أكد وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، أن التدريبات الخاصة التي جرت في باتانيس تأتي في إطار استراتيجية جديدة تهدف إلى "إعادة ترسيخ سياسة الردع في وجه التهديدات الإقليمية المتصاعدة." ◄إجلاء محفوف بالمخاطر.. احتمال التصادم مع الخطوط الحمراء الصينية كشف بن لويس، المؤسس المشارك لمنظمة PLATracker المختصة بمراقبة الأنشطة العسكرية والتحديثات الصينية، أن خطة الفلبين لإجلاء رعاياها من تايوان قد تدخلها في منطقة اشتباك حساسة. وأوضح لويس، في حديثه لشبكة «USNI News» أن هذه الجهود "قد تجبر القوات الفلبينية على عبور الحدود البحرية والجوية التي تعتبرها الصين جزءًا من نطاقها السيادي حول تايوان"، ما قد يؤدي إلى تصعيد غير مقصود. لويس أشار أيضًا إلى أن القوات الأمريكية يمكنها الاستفادة من اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز (EDCA) المُوقعة عام 2014، والتي تتيح للولايات المتحدة استخدام خمس قواعد عسكرية موزعة في لوزون، في حال اندلاع صراع على تايوان. ورغم تأكيد مانيلا، عدم استخدام هذه القواعد لأي عمليات هجومية، فإن موقعها الاستراتيجي يمنحها مزايا عملياتية كبرى، حسب تعبيره، في حال تفجر الوضع عسكريًا. ◄«لوزون الشمالية».. رأس الرمح في أي نزاع عبر المضيق تُعدّ لوزون الشمالية بمثابة بوابة استراتيجية لأي تطور في الأزمة التايوانية، فهي تقع على مسافة عملياتية قريبة من الجنوبالتايواني، بما في ذلك ميناء كاوهسيونج – أحد أهم الموانئ التايوانية، كما تُشكل الحدود الجنوبية لقناة باشي، المعبر البحري الحيوي الذي يربط مضيق تايوان بغرب المحيط الهادئ. وأوضح لويس، أن هذه المنطقة يمكن أن تستخدمها القوات الأمريكية لنشر أنظمة صاروخية وطائرات متقدمة، ما يعزز قدرتها على إحباط أي إنزال برمائي صيني محتمل على سواحل جنوبتايوان، بحسب موقع المعهد البحري الأمريكي « USNI News». ◄تايوان على رادار الأمن القومي الفلبيني حتى 2028 حددت إدارة الرئيس الفلبيني، فرديناند ماركوس الابن، النزاع عبر مضيق تايوان كأحد أبرز مصادر القلق في استراتيجية الأمن القومي للفترة ما بين 2023 و2028، وجاء في التقرير الرسمي أن "أي تصعيد عسكري في مضيق تايوان سيؤثر بالضرورة على الفلبين، نظرًا لقربها الجغرافي من الجزيرة، ووجود أكثر من 150 ألف فلبيني هناك." ومن المقرر أن تستضيف قيادة شمال لوزون غالبيّة مناورات باليكاتان 2025، التي تشمل مجموعة واسعة من التدريبات العسكرية متعددة الأطراف، بمشاركة شركاء إقليميين ودوليين. فيما أوضح الجنرال براونر، أن هذه التدريبات ستركّز على تعزيز الدفاع الساحلي، وتكتيكات الهليكوبتر، والوعي بالفضاءين الجوي والبحري في المناطق الشمالية من البلاد – المناطق التي كانت في السابق هادئة، ولكنها أصبحت اليوم في مرمى التوترات الجيوسياسية....