مجرد التفكير مرعب.. التخيل هنا يصبح كابوسًا يضيق معه الأفق.. يرفض رسم أى سيناريوهات أو طرح حلول.. العقل يتوقف عن إنتاج الصور أو تقديم بدائل.. فقط توتر.. قلق.. رهبة.. ضيق تنفس.. تسارع ضربات القلب.. نهجان.. عين شاخصة. كل هذه الأعراض المزعجة أصابتنى عندما حاولت أن أتخيل.. كيف يمكن أن يكون المواطن بلا وطن؟ حقيقة لم أجد إجابة.. فقط صورة سوداء.. ومع كل محاولة أخرى.. لا نتيجة جديدة.. نفس الصورة السوداء فقط هى التى أنتجتها كل محاولات التخيل رغم تغيير معطيات التفكير مرارًا، ومحاولة تغذية الخيال بالبدائل وإطالة مدة الشرود.. لا فائدة.. العقل عاجز كليًا.. كأن لم يعمل من قبل. مشاعر مضطربة ضربت وجدانى بعد أن تخيلت ما يمكن أن يمر به كل فلسطينى من خوف وقلق بعد طرح المشروع الإسرائيلى الأمريكى بتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم.. كيف بين ليلةٍ وضُحاها يمكن أن تتغير صفة صاحب الأرض إلى لاجئ؟.. كيف لمَن تحدى الموت ليحيا وطنه أن تجبره قوة مهما بلغت من جبروت على أن يتحول من مواطن إلى مستوطن؟.. كيف لمَن أبهر العالم بمشهد عودته من جنوب قطاع غزة إلى شماله - بعد وقف إطلاق النار - أن يكون فى يوم من الأيام نازحًا أو مهاجرًا؟! تلك الصورة السوداء تلاشت.. هذه المشاعر المضطربة سكنت أمام تطمينات الأمة المصرية التى تقف وحيدة تجدد التأكيد على موقفها الثابت برفض أى اقتراحات بتهجير الفلسطينيين.. الأمة المصرية بما تمتلكه من مخزون ثقافى تعى تمامًا أن الأوطان إن ضاعت لا تُعوض، وتؤمن بأن الوطن أبدًا لم يكن يومًا «حفنة تراب».