كن أنت الاستثناء الجميل، والاستثناء اللافت فى دراما رمضان مسلسل «حسبة عمرى»، رسالة، والرسالة بعلم الوصول. القضية فى المسلسل منصفة تمامًا للمرأة، تعطيها بعض حقها، تطالب لها بحق مهدور، طمره فقهاء الذكورة، مناصرو القوامة على إطلاقها، وعلو كعب الزوج على زوجته بالضرورة. مسلسل معتبر، يناقش قضية محجوبة بفعل فاعل، من المسلسلات التنويرية الهادفة التى تنتصر للمرأة، وتطالب لها انصافًا بحقوقها، وتمكينًا لها فى تطبيق راق لمعانى الشرع الحنيف. القصة ببساطة، تتفاقم الخلافات بين (هند) وزوجها (فاروق) ويطردها من المنزل، فتسعى للحصول على الطلاق، والمطالبة بحق (الكد والسعاية)، نصف ممتلكاته، فتبدأ بينهما حرب ضروس، وتتدخل فيها أطراف كثيرة ما بين مؤيد ومعارض.. الأدوار مرسومة بعناية والفنانة (روجينا) تمثل الطرف النسائى بإجادة، تتنفس الدور على قسوته النفسانية من فرط الظلم الذكورى الواقع عليها، تدافع عن بنات جنسها بدور مكتوب باحترافية ومعلوماتية وانفتاح حميد على الفقه الإسلامي. حق الكد والسعاية، قضية المسلسل هو مصطلح مذكور (وإن كان عمدًا مطمورًا) فى التراث الإسلامى لحفظ حقوق المرأة العاملة التى بذلت جهدًا كبيرًا فى تنمية ثروة زوجها، ولأن الإسلام من شأنه حفظ الحقوق لا سيما حق المرأة وكرامتها، فكان حريًا بالمشرع حفظ ذلك الحق. ومسألة الكد والسعاية فى الإسلام لها وجهان: وجه أصولى ووجه فقهى، خاصة لدى فقهاء المالكية، ويعود حق الكد والسعاية إلى اجتهاد قام به الفاروق «عمر بن الخطاب»، عندما جاءته سيدة تدعى «حبيبة بنت زريق» تحكّمه فى قضية ميراث من زوجها عمر بن الحارث، حيث كان يتاجر فيما تنتجه وتصلحه من عملها فى الطرازة، واكتسبا من ذلك مالًا وفيرًا، فلما مات زوجها ترك مالًا وعقارًا وتسلم أولياؤه الخزائن، فنازعتهم الزوجة فى ذلك، وحين اختصموا إلى الفاروق قضى للمرأة بنصف المال وبالإرث فى النصف الباقي. واعتبر رضى الله عنه الزوجة شريكة لزوجها فى الربح والعمل والكسب، واستند علماء المذهب المالكى إلى هذا الاجتهاد، وأفتوا بحق الزوجة فى اقتسام ثروة زوجها التى اكتسبها خلال فترة زواجهما بقدر جهدها وسعايتها. الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر يعالج القضية بدعوته إلى حفظ حق «الكد والسعاية» للزوجة فى ثروة زوجها، وفى عامٍ تالٍ لهذا التصريح كرَّر الأزهر الشريف دعوته إلى إحياء هذه الفتوى فى بيانه الختامى لمؤتمر التجديد المُنعقد فى يناير من عام 2020م. ومما جاء فيه: «يجب تعويض المُشترِك فى تنمية الثَّروة العائلية، كالزَّوجة التى تخلِط مالَها بمال الزوج، والأبناء الذين يعملون مع الأب فى تجارة ونحوها، فيُؤخَذ من التَّركة قبل قسمتها ما يُعادِل حقَّهم، إن عُلِمَ مقداره، أو يُتَصَالَح عليه بحسب ما يراه أهل الخِبرة والحِكمة إن لم يُعلَم مقداره». أعلاه يبرهن أن الدرما من محفزات تشكيل الوعى الجمعي، وإذا تولاها الواعون كان تأثيرها عميقًا، مسلسل «حسبة عمرى» يكمل مسلسل «تحت الوصاية» ل»منى زكي»، وكلاهما ينحو نحو فيلم «أريد حلًا» ل»فاتن حمامة» ومضاف إلى رصيد الفنانة «روجينا» رغم تجاهل النقد لمسلسل هادف.