تواجه فرنسا منعطفا خطيرا، يتمثل في زيادة بالإتجار واستهلاك المخدرات خاصة الكوكايين والهيروين، المعروف بإسم "المسحوق الأبيض" بين الفرنسيين، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى ما وصف ب "موجة التسونامي المخدرة" القادمة من أمريكا الجنوبية، وتستهدف القارة القديمة. وعلى الرغم من أن السلطات الفرنسية والأوروبية، عملت على إغلاق ما يسمى بالتقاطعات التاريخية بين أوروبا وأمريكا الجنوبية، إلا أن تدفقات المواد المخدرة تسللت عبر طرق جديدة، حيث يلعب تجار المخدرات من "غيانا"، ثالث أصغر بلد في أمريكا الجنوبية، دورا رئيسيا في نقل المخدرات من عصابات أمريكا الجنوبية إلى المنظمات الباريسية. تحطيم الأرقام القياسية وفي قلب سلسلة التوريد، في منطقة الإرتداد التي تسمى قوس جزر الأنتيل، يقومون بتجنيد "العمال" الذين يحصلون على أجر يتراوح بين 3000 و5000 يورو لكل رحلة إلى البر الرئيسي الفرنسي لنقل الكوكايين بشكل فردي، إما عن طريق وضعه في كبسولات صغيرة أو إخفاؤه في ملابسهم أو أمتعتهم. وفي أحدث إحصائية حطم الإتجار بالكوكايين الأرقام القياسية من حيث الإنتاج والإستهلاك والضبط في فرنسا، وارتفع عدد المستهلكين للمسحوق الأبيض، من نحو 600 ألف إلى أكثر من مليون فرنسي، بينما زادت الكميات المضبوطة في كامل الإقليم من 23.5 طن إلى 47 طن. وشهدت عمليات ضبط الكوكايين في فرنسا زيادة مستمرة وكبيرة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وفقا لموقع ofdt، ففي الفترة من عام 2003 إلى عام 2023، زادت الكميات بمقدار 6.2 ضعف، وصلت إلى 23.2 طن عام 2023،، بانخفاض قدره 16% مقارنة بعام 2022، ولكن الحد الأقصى المتمثل في 20 طن تم تجاوزه رسميا منذ عام 2021، بشكل منهجي. مضبوطات كبيرة ومنذ أيام أعلنت الجمارك الفرنسية عن ضبط أكبر كمية كوكايين على الإطلاق في فرنسا، حيث تم العثور على 10 أطنان داخل حاوية بميناء دونكيرك شمال فرنسا، تقدر قيمتها السوقية ب300 مليون يورو، وهي الكمية التي تم اعتبارها ضخمة ولكنها شكلت ضربة لسوق المخدرات. أما الهيروين، ورغم أن العدد والكميات المضبوطة انخفض في فرنسا في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين، إلا أنها زادت بإطراد بين عامي 2001 و2008، حتى وصلت إلى نحو طن واحد كل عام، وفي الفترة ما بين عامي 2010 و2013، انخفضت عمليات ضبط الهيروين بشكل حاد مقارنة بالسنوات السابقة. ومع ذلك، زادت بشكل حاد كميات الهيروين المضبوطة منذ عام 2014، وفي عام 2022، بلغت عمليات ضبط الهيروين في فرنسا مستوى قياسي يتجاوز 1.4 طن، وفي عام 2023، انخفضت بشكل طفيف إلى 1.1 طن، بإنخفاض قدره 21% مقارنة بالعام السابق. اتفاقية تعزيز الشراكة وفي الواقع، يمثل عام 2023 العام السادس على التوالي الذي تتجاوز فيه ضبطيات الهيروين طناً واحداً، وكان أحدث عمليات الضبط في نهاية فبراير الماضي، عندما تمكنت الشرطة من ضبط كيلو و300 جرام من المسحوق الأبيض بمنزل زوجين في منطقة بروفانس. كانت المخدرات المكتشفة قد تم تعبئتها في أكياس ومجمدات في عدة غرف من المنزل، وتقدر قيمتها السوقية بنحو 40 ألف يورو، وفي 1 مارس حكم على الزوج بالسجن 14 شهرا، بينما حكم على زوجته البالغة من العمر 50 عاما بالسجن ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، وتم الإفراج عنها. وفي محاولة لمواجهة ذلك الأمر وقع الإتحاد الأوروبي والبرازيل اتفاقية تهدف إلى تعزيز الشراكة بين اليوروبول وأجهزة إنفاذ القانون البرازيلية، مما يتيح تبادل المعلومات العملياتية، والتي من شأنها تعزز الجهود المشتركة في التصدي للجرائم المنظمة الخطيرة والإرهاب، وتعزيز الأمن على جانبي الأطلسي. وستعمل هذه الاتفاقية على تعزيز إنفاذ القانون، مما يساعد في تعطيل الشبكات الإجرامية ومكافحة الجريمة العابرة للحدود الوطنية بشكل أكثر فعالية في الدول الأوروبية، والتي أكد اليوروبول أنه يقف على أهبة الإستعداد لدعم تنفيذها بالكامل، كونها تشكل فصلا جديدا لمكافحة الشبكات الإجرامية التي تعمل عبر الحدود. وتخضع الإتفاقية لموافقة البرلمان الأوروبي قبل تنفيذها النهائي، وترى فيها فرنسا حجر الزاوية لتعزيز الأمن الداخلي للإتحاد الأوروبي وبالتالي زيادة دعم اليوروبول للتحقيقات الجنائية عبر الحدود في الدول الأعضاء، بجانب معالجة التهديدات الأمنية الأكثر إلحاحا. وأكد الخبراء في سياسات المخدرات العامة الفرنسية؛ أن تلك العملية كانت بمثابة لدغة بعوض بالنسبة للمتاجرين، مشيرين إلى أن خسارة البضائع أمر متوقع اقتصاديا من قبل "تجار المخدرات"، ووصفوها بأنها بالنسبة لهم "مخاطر مهنية"، وبخلاف ذلك لا تشكل الكمية المضبوطة سوى جزء ضئيل من المخدرات التي تدخل الأراضي الفرنسية، أي "أقل من 10%". ويرى الخبراء الفرنسيين، وفقا لصحيفة le dauphine، أنه على الرغم من تزايد عمليات ضبط المخدرات بنسبة 130 % بين عامي 2023 و 2024، إلا أن عمليات الإتجار مازالت تزدهر بصورة كبيرة، وهو ما يعني أنه كلما زاد الإتجار كلما زادت عمليات الضبط، مما يعني أن زيادة عمليات الضبط تعد مؤشرا على الفشل وليس النجاح. اقرأ أيضا: عصابات أمريكا الجنوبية تسيطر على شوارع الولايات المتحدة