يرى الدكتور إبراهيم بن صالح النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان أن المسلمين لا يمكن إلا أن يكونوا أمة واحدة، مهما اختلفت بلدانهم أو بعدت المسافات بينهم أو اللغات وأنه ينبغى علينا التمسك بالاتحاد كمانع ضد الفرقة والتقسيم.. وينطلق النعيمي- فى حواره ل «الأخبار»- من رؤية لمركز الدوحة لحوار الأديان تتمثل فى ترسيخ الحوار؛ لتحقيق السلام و التعايش بين كافة البشر،ولنثبت للعالم كله كيف أن الإسلام دين تسامح ومحبة، ويفند كل ما يشاع عنه كالإرهاب وغير ذلك من الاتهامات الباطلة..تطرق الحوار لاستراتيجية المركز فى تحقيق أهدافه. ◄ الحوار الديني ضرورة.. ويجب التعامل مع قضايانا بالاتحاد ووحدة المصير ◄ نهدف لتحقيق السلام والتعايش بين جميع البشر ■ بكونكم على رأس أحد أهم مراكز الحوار الديني وأقدمها في العالم العربي.. حدثنا بداية عن حوار الأديان وكيف يسهم فى تحقيق التعايش والاستقرار فى المجتمعات والتعاون بين بنى البشر؟ - بدايةً، فإن حوار الأديان هو فرع من الحوار بصورة عامة، والحوار ما هو إلا تفاعل معرفى بين متحاورين يتم فيه قراءة فكر الآخر بوضوح وعن قرب، والتعرف على نظرته للمختلف معه فى الدين أو الثقافة أو العادات والتقاليد. أما سؤالك عن الحوار الدينى واستثماره كوسيلة للتقارب والتأكيد على كونه وسيلة مهمة لتحقيق التعايش بين بنى البشر؛ فإن الحوارَ الدينيَّ هو ضرورةٌ مهمة جداً وملحة لبيان حقيقة الأديان وتحديدًا بالنسبة لنا الدين الإسلامي، وموقفه من المختلف معه سواء فى العقيدة أو الثقافة، ومنهجه فى الحوار معه بالحكمة والموعظة الحسنة، ورفضِه للصراع والتصادم وكلِّ من يدعو إليهما، والدعوة لخلقِ روحِ السلام بين كافَّة البشر على اختلاف أجناسهم ودياناتهم، والاتفاقِ على قيمٍ إنسانيةٍ مشتركةٍ تهدفُ للتعايشِ والتسامحِ والتعاونِ والسلام، وقبول الآخر والاعتراف بحقوقه، وحريته سواء الدينية أو المدنية. وللأسف فإن الصورة النمطية عن الدول الإسلامية والعربية ظلت لفترة طويلة تُبنى على أنها دول لا تعنى بغير الدين الإسلامي، وهذه صورة غير صحيحة، فنحن دول إسلامية نفتخر بديننا ولكن بين ظهرانينا يعيش العديد من أتباع الديانات الأخرى، والإسلام حثنا على احترام أتباع هذه الأديان، والغرب يعرف ذلك ويعلم أن ما يشاع عن الإسلام والدول العربية غير صحيح. ولذلك فقد كانت لمراكز الحوار الديني فى الدول الإسلامية ومنها مركز الدوحة الدولى لحوار الأديان ومركز حوار الأديان بالأزهر الشريف ومركز الملك عبد الله بالمملكة العربية السعودية دور كبير ومسؤولية لتغيير هذه الصورة لدى الغرب عن الإسلام والمسلمين. ■ حدثنا عن نشأة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان ؟ - مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان هو ثمرة لتوجيهات كريمة من صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى حين نشأ مبدأ الحوار بين أتباع الأديان السماوية فى دولة قطر؛ وكان ذلك عندما عُقد المؤتمر الأول لحوار الأديان فى عام 2003م، وكما تعلم فقد كانت الظروف الاستثنائية التى مر بها العالم، وما زال- كما نرى- فى ظل تنامى ظاهرة التطرف والتعصب والشحن الطائفى والعرقى والدينى والمذهبي، وما نتج عن ذلك من صراعات؛ ظهرت حاجة ملحة لنا كشعوب عربية للتحرك بجدية لنقل ثقافتنا للآخر بصورة صحيحة، وتعزيز ثقافة الحوار معه، والتى من أهمها بالطبع حوار الأديان والثقافات المنتمية للحضارات المختلفة؛ خاصةً وقد أصبح العالم اليوم كقرية صغيرة، ومصير سكانها مترابطًا ومتداخلاً، بحيث أنّ ما يجرى فى شرق العالم له صدًى فى غربه؛ وذلك بسبب انحسار المسافات وانتشار الإعلام ولغة تكنولوجيا تواصل المعلومات، وقد كان هذا دافعًا مهمًّا ليتواجد بالعالم الإسلامى مراكز للحوار، ومن بينها مركز الدوحة الدولى لحوار الأديان. ■ ماهي استراتيجية المركز ووسائله لتحقيق أهدافه ؟ - من أهم الأهداف المعنى بتحقيقها مركز الدوحة الدولى لحوار الأديان أن يكون منصة للحوار الإيجابى المفضى لمزيد من التعاون بين أتباع الأديان، بهدف تحقيق السلام والتعايش بين كافة البشر،و يبرز للعالم كله كيف أن الإسلام دين تسامح ومحبة، ويفند كل ما يشاع عنه كالإرهاب وغير ذلك من الاتهامات الباطلة، وأن الإسلام معنى عناية تامة بالحوار بين أتباع الأديان، وهذا هو الأساس الأول الذى نرتكز عليه ونبنى استراتيجية المركز فى السعى لتحقيق أهدافه،ولتحقيق ذلك نحن نعمل فى اتجاهين: بخطة داخلية وخارجية. الخطة الخارجية: ترتكز على أن يظل المركز أحد المنصات العالمية التى تعنى بالحوار، ويشارك فى أغلب الأنشطة للمساعدة فى نشر السلام وبناء العلاقات والتعايش المشترك السليم بين أتباع الأديان. كما أطلق المركز جائزة الدوحة الدولية لحوار الأديان منذ عام 2013م، والتى تُعد مبادرةً فريدةً من نوعها فى هذا المجال على مستوى العالم، وتهدف الجائزة إلى دعم وتشجيع جهود ومبادرات الأشخاص والمؤسسات التى لها أثرٌ بارزٌ ودور كبير واضح للعيان فى تعزيز الحوار وترسيخ ثقافة السلام، والجائزة مستمرة وتُمنح مع كل انعقاد لدورة جديدة من دورات مؤتمر الدوحة لحوار الأديان. كذلك استطاع المركز عبر حوالى عشرين عامًا تأسيس شبكة تواصل عالمية مع القادة الدينيين والنشطاء فى مجال الحوار الدينى على مستوى العالم نتمكن من خلالها من متابعة القضايا الإنسانية العالمية، والعمل مع المؤسسات والمنظمات الدولية للتعامل مع قضايا الأقليات الدينية،وفى القلب منهم بالطبع المسلمون فى الغرب، أما داخليًا: فأولًا نحن نهدف إلى إنشاء جيل من أبناء قطر ومن المواطنين والمقيمين يكون التعايش والسلام سمة من سماتهم والعمل على احترام الأديان الأخرى والرأى الآخر. ولذلك يعقد المركز بصورة دورية (دورات تدريبية لطلاب المدارس وأخرى للمعلمين) بهدف نشر ثقافة الحوار والتسامح الدينى مع الطرف الآخر فى البيئة التعليمية بما يتناسب مع المفاهيم الإسلامية لتنشئة جيل منفتح بفكره الإسلامى ثقافيًّا وحضاريًّا على الآخر. وعلى الجانب الآخر فنحن نعقد كذلك فى فتراتٍ زمنيةٍ متقاربة (الطاولات المستديرة للجاليات)؛ لمناقشة قضايا الحوار والقضايا الاجتماعية التى تهم الجاليات الموجودة فى قطر؛ وذلك لترسيخ ثقافة التعايش السلمى بين كل مَن يعيشون على أرض قطر. وأما عن الجانب الأكاديمى: يقوم المركز بإعداد ونشر الأبحاث العلمية وكذلك الترجمة لكتب ودراسات متخصصة حول الأديان، ونظرتها تجاه الآخر. كما ينشر المركز العديد من المنشورات المتمثلة فى: مجلات وكتب ونشرات وإصدارات، وأما وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد تم إنشاء موقع للمركز، وصفحات رسمية فى كلِّ من: منصة X، وفيسبوك ويوتيوب وإنستجرام ليتم من خلال ذلك التواصل مع كل المهتمين بحوار الأديان. ■ للأزهر الشريف دور كبير ومشهود في نشر مبادئ الحكمة والتعاون والتسامح بين الأديان والثقافات حدثنا عن التعاون معه؟ - الأزهر الشريف منارة إسلامية عريقة جامع وجامعة، ولا يمكن لأى مؤسسة دينية وإسلامية فى العالم الإسلامى أن تتأسس ولا يكون الأزهر الشريف الوجهة الأهم لها لتحقيق رسالتها، ونحن فى مركز الدوحة الدولى لحوار الأديان منذ مؤتمرنا الأول عام 2003 ونحن حريصون على مشاركة الأزهر الشريف بدءاً من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ودعوته هو أو منَ يمثله فى الجلسة الافتتاحية لمؤتمرنا، وكذلك من الجانب الأكاديمى فإن علماء الأزهر ومشايخه ومفكريه دائماً ما يشاركون معنا فى أهم جلسات مؤتمراتنا. وهنا أشير إلى أننا لم نتعاون فقط مع الأزهر الشريف وإنما مع كافة الجامعات المصرية والأكاديميين بها. وأيضاً تعاوننا الدائم والمهم لنا مع دار الإفتاء المصرية، وفضيلة مفتى الديار المصرية فضيلة الدكتور نظير عيَّاد من الشخصيات المهمة التى ندعوها دائماً للمشاركة فى مؤتمراتنا، ونحن بصدد الإعداد لتعاون مستقبلى فى كل ما يخدم ديننا وأمتنا. ■ اتحاد المسلمين واجب وهو أمر إلهى وهو أوجب فى ظل عالم أصبح لا يعترف-إلا ما رحم ربى- إلا بلغة القوة..كيف يمكن تحقيق ذلك؟ -أنا أرى أنه لا يمكن إلا أن يكون المسلمون أمة واحدة مهما اختلفت بلدانهم أو بعدت المسافات بينهم أو اللغات؛ فهذا وصف الله سبحانه وتعالى لنا ولا يمكن تغييره : « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ»، والشيء الواحد لا يصح ولا يمكن تقسيمه أو فصله إلا بالقضاء عليه؛ ولذلك فإن قولك فى بداية سؤالك (اتحاد المسلمين واجب وأمر إلهي) هو قول بليغ جدا وحقيقة علينا جميعا أن ندركها، ونتعامل مع قضايانا كلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلالها، بكل ما نملك من أدوات الاتحاد، والدعم والمناصرة ووحدة المصير وكل هذه المعاني، وهذا ما كانت عليه الحضارة الإسلامية العريقة فى أوج ازدهارها كانت رايتها واحدة هى راية الإسلام والأخوة الإسلامية.