تميزت الشخصية المصرية على مر عصور طويلة بسمات كانت أقرب إلى الثبات، ولذلك يعتبرها العلماء سمات أصيلة وذلك لتمييزها عن سمات فرعية أو ثانوية قابلة للتحريك مع الظروف الطارئة، فالمصري تميز بكونه «ذكيا، متدينا، طيبا، مبدعا، فنانا، ساخرا، عاشقا للاستقرار».. وكان هذا يشكل الخريطة الأساسية للشخصية المصرية فى وعى المصريين ووعى غيرهم، وقد أدى إلى الثبات النسبي لهذه السمات ارتباطها بعوامل جغرافية ومناخية مستقرة نسبيا. ◄ المصريون نسيج يجمع بين روح العزة والكرامة والضيافة ◄ شعب يصمد في مواجهة الأزمات من هذا المنطلق جاءت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال زيارتة التفقدية إلى الأكاديمية العسكرية المصرية والتي وجه فيها الشكر للشعب المصري على وحدته واصطفافه بقوة خلف القيادة السياسية، خاصة خلال الظروف الاستثنائية والتحديات الإقليمية الراهنة، الأمر الذي يعكس قوة ووحدة وصلابة الجبهة الداخلية المصرية ومدى مسئولية الشعب المصري الأصيل وحسن تقديره للأمور، مشددًا على الدور المحوري الذي تقوم به القوات المسلحة المصرية في حماية الوطن. ■ د. وسيم السيسي ◄ ثوابت وأبعاد إن هناك ثوابت وأبعادا للشخصية المصرية مستمدة من الشخصية المصرية القديمة وتأثيرها الممتد حتى العصر الحالي وهذا ما يراه «الدكتور وسيم السيسي.. الباحث في علم المصريات» والذي يوضح: هذا شعب عرف الله منذ أكثر من5000 سنة قبل الميلاد ومن لا يدرك هذه الحقيقة هو جاهل، وهناك ثلاثة أبعاد رئيسية هي «الجيني، والزماني، والمكاني»، فالمصريون يحملون جينات أجدادهم العظماء، مما يعكس استمرارية التقاليد الحضارية والثقافية عبر الأجيال.. وقد أثبت العديد من الدراسات العلمية أن الخبرات المكتسبة يمكن أن تنتقل وراثيًا، وساهم نهر النيل في تشكيل الحضارة المصرية، حيث كان أساسا للوحدة الوطنية والتنمية عبر العصور.. كما انه كان مصدرا رئيسيا للزراعة التي ساهمت في تطوير باقي القطاعات مثل الصناعة والدفاع، كما أن الطبيعة الجغرافية لمصر، التي تحيطها الصحراء، كانت عاملًا حاسمًا في احترام القانون والنظام.. حيث شكلت الصحراء حاجزا طبيعيا، مما صعب الهروب وشجع على الالتزام بالقوانين. أضاف، المؤكد أنه منذ فجر التاريخ، ومصر تعد منارة للحضارة والثقافة والفكر، ويشكل المصريون نسيجا متنوعا ومترابطا من الصفات التي تجعل شخصيتهم فريدة من نوعها، وكما يقول الدكتور حسين عبد البصير، المؤرخ وعالم المصريات: يجمع المصريون بين العراقة التاريخية، والتنوع الثقافي، وروح العزة والكرامة، والضيافة والترحاب، والنضال المستمر من أجل الحرية والعدالة، وتتميز الشخصية المصرية بروح العزة والكرامة، حيث يظهر الشعب المصري تفانيا كبيرا في الحفاظ على هويته وثقافته وقيمه.. والمصريون لطالما كانوا مقاتلين شرسين في الدفاع عن أرضهم ضد الغزاة من الحيثيين إلى الفرس، ومن الرومان إلى الفرنسيين والبريطانيين، لم يفتأ المصريون يقاومون كل محاولة للسيطرة على بلادهم. ◄ التحديات الكبيرة تابع: لكن يظل السؤال هل أثر الموقع الجغرافي في تكوين وترسيخ جذور الشخصية المصرية؟! من حيث الموقع فإن مصر تقع جغرافيا فى قلب العالم العربى، وتقف بقدميها فى إفريقيا، وهى واحدة من دول حوض البحر المتوسط وتواجة أوروبا، هذه الدوائر الثلاث «العربية والإفريقية والمتوسطية» تشكل فى مجموعها انتماء مصر، كما تمتلك مصر سواحل بحرين يبلغ طولها نحو 2400 كم؛ فشمالا نجد البحر المتوسط يطل على أوروبا، ويصل إلى المحيط الأطلنطى والغرب، وشرقا نجد البحر الأحمر يصلها بعالم الموسميات فى جنوب شرق آسيا، أما الموضع فهو إمكانات الدولة وقدراتها أرضا وسكانا، وتتحدد قوة الدولة بمساحة أرضها وشكل الدولة وسطحها ومناخها ومواردها الاقتصادية وعدد سكانها وخصائصهم، من حيث التعليم، والصحة، والدين، واللغة، والأقليات، ومعدل الإعالة، والتركيب السكانى..إلخ. كل ذلك يقودنا إلى الحديث عن سمات الشخصية المصرية، كما يقول الدكتور مجدي توفيق، أستاذ الجغرافيا السياسية بكلية الآداب، والذي يسرد أهم صفات الشخصية المصرية المكتسبة من المكان وهى التوحيد والإيمان بالبعث والحساب، والذي بدأ فى مصر قبل نزول الأديان بزمان، وتحديدا منذ عصر «إخناتون»، وقد كانت الحضارة الفرعونية طبقة الأساس أو القاعدة لما تلاها من حضارات وثقافات أخرى مثل اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية بعد الفتح العربى ولا يزال هذا قائما، لذا كان من الطبيعى أن تمتاز شخصية المصرى بالتسامح الدينى على سبيل المثال، وخلق هذا واقعا قوامه التدين والتسامح الدينى والضمير الذى جعل مصر تقبل على الديانات السماوية الثلاث دون صراع، وليس غريبا أن مصر أضافت إلى المسيحية الرهبنة، ومن بعدها أضافت إلى الإسلام التصوف، مضيفا أن ثوابت الشخصية المصرية تتجلى فى أبهى صورها مع الأحداث الجسيمة والتحديات الكبيرة التى تشهدها البلاد، وأفضل مثال على ذلك أنه خلال حرب أكتوبر، لم تسجل أقسام الشرطة بلاغًا واحدًا - وفى ثورة يونيو ضد جماعة الإخوان المحظورة لم تتعرض الممتلكات العامة أو الخاصة لأى ضرر من أى نوع، مما يدعو إلى الاطمئنان على مصر بل والتفاؤل بالمستقبل. ■ الدكتورة هالة منصور ◄ الروح المقاتلة ومن جانبها ترى الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بكلية آداب بنها، أن الشعب المصري يستحق كل التقدير والاحترام في قدرته على تحمل الصعاب وهو ما يحرص الرئيس عبدالفتاح السيسي على تأكيده في كل مرة، صحيح أن هناك بعض الظواهر السلبية قد ظهرت في السنوات الأخيرة لكنها ليست مقصورة على المجتمع المصري وحده بل كل مجتمعات العالم، لكن في لحظة فارقة ستجده على قلب رجل واحد، والمجتمع المصرى له عمق تاريخى ما يزيد الترابط والتعاون، وتجسد ذلك فى المجتمع القديم والحديث، فنرى قديما تعاون الفلاحين فى القرى لمواجهة الفيضان من خلال بناء الجسور الترابية، كما شاهدنا نفس الترابط حديثا فى المجتمع حينما خرج عن بكرة أبيه لدعم الدولة المصرية في أكثر من موقف، فروح المجموعة الواحدة التى يتحلى بها المصريون تساعد فى إنجاز أصعب المهام بكل سهولة، وفي ظل تميز الشخصية المصرية بالصبر أحد المكونات الرئيسية لتلك الشخصية. أضافت، أن صفات الشجاعة وعزة النفس تقترن عند المصريين بتحمل الصعوبات والمشاق، والتي في عز ذروتها يغلفها بصفات خفة الدم والفكاهة والسخرية من أجل التخفيف من وطأة الأزمات والمشكلات التى تواجههم، أضف إلى ذلك صفات الكرم والجدعنة وهي من الخصال المميزة للمصريين على مر الأزمنة، وكذلك تتميز الشخصية المصرية بشكل عام بروحها المقاتلة وتحملها للشدائد منذ القدم، فالشعب المصري من الشعوب التى تتعارك مع الطبيعة وتحفر فى الصخر لتحوله إلى حياة وحضارة.. والكثير من الشواهد التي مر بها المجتمع المصرى تؤكد تلك الروح فهو الفلاح البسيط الذى استطاع تحويل الأراضي الفارغة حول النيل إلى زراعات ومحاصيل متنوعة، وهو الإنسان المتحضر كذلك الذى استطاع تحويل الجبال إلى طرق ومناطق سكنية حضارية. ◄ مجتمع متماسك يقول الدكتور وسام المرسي، أستاذ علم النفس بكلية آداب القاهرة، إن الشخصية المصرية هي الأكثر ثباتا خاصة فى مواجهة تغيرات العولمة، حيث نجد أن مجتمعات عربية أخرى قد ذابت تماما أو تكاد فى النظام العالمى الجديد بكل سلبياته وإيجابياته، وربما يعود ذلك الثبات النسبى للشخصية المصرية إلى تراكم سماتها فى طبقات حضارية عبر عصور طويلة وتأكد هذه السمات مع الزمن رغم التغيرات الطارئة، كما أن المصرى لديه ميل قوى للإبقاء على الأوضاع القائمة يعود لتأثره بالطبيعة الجغرافية والمناخية التى يعيشها، فإذا نظرنا إلى الطبيعة المصرية وجدنا النيل يتمايل فى هدوء بين جنبات الوادى السهل المنبسط، والمناخ المعتدل صيفا وشتاءً والذى يخلو من التقلبات الحادة والعنيفة والمهددة.. هذه هى الطبيعة التقليدية التى عاش فيها المصرى تركت بصماتها على شخصيته فى صورة ميل إلى الوداعة والطمأنينة والهدوء وطول البال والدعابة والمرح والتفاؤل والوسطية وحب الحياة، والمصرى يتحرك ويثور فى حالات قليلة ومحددة حين تنتهك قدسية عقيدته الدينية المتراكمة عبر عصور طويلة، وحين تجرح كرامته الوطنية بشكل مهين، وحين تهدد لقمة عيشه بشكل خطر. ■ د. محمود السعيد ◄ شعب أصيل «الشخصية المصرية» منذ فجر التاريخ كانت وما زالت من أكثر الشخصيات تميزًا في العالم، وتمتلك هذه الشخصية المتميزة مجموعة من السمات الفريدة التي ساهمت بقوة في تشكيل الهوية الوطنية المصرية، هذا ما يؤكد عليه الدكتور محمود السعيد، نائب رئيس جامعة القاهرة للدراسات العليا والبحوث وأستاذ العلوم السياسية، والذي يوضح أن كل ذلك عزز من قدرة الشعب المصري على تجاوز المحن والتحديات المختلفة عبر العصور، كل من تعامل مع الشعب المصري يدرك مدى اعتزازه بإرثه الحضاري والتاريخي، سواء الإرث الفرعوني أو القبطي أو الإسلامي، وهو ما يعزز شعور المصريين بالوحدة والانتماء لتراب وطنهم الغالي، أيضا يميز المصري أنه صاحب شخصية مليئة بروح التعاون، فكثيرا من الأزمات عبرها المصريون بالاصطفاف معًا خلف قيادتهم الحكيمة وجيشهم الوطني العظيم.. فالتضامن والتكاتف دائمًا كانا السمة البارزة للمصريين، ليس فقط في أوقات الأزمات بل أيضاً في الأفراح والاحتفالات. أضاف، كما يتسم المصري بأنه صاحب عزيمة وإرادة لا تلين، ويظهر ذلك جليًا خلال الأوقات العصيبة التي تمر بها البلاد، فقد استطاع المصريون التغلب على التحديات التي واجهتهم خلال العقد الماضي خلال ثورتي 25 يناير و30 يونيو من خلال العزيمة والإصرار والاصطفاف خلف قيادتهم في سبيل الحفاظ على الوطن ومقدراته، كما يتسم المصري بأنه صاحب وعي سياسي كبير ويتفاعل بقوة مع القضايا الإقليمية والدولية وخاصة التي تهدد أمن وسلامة أراضي الوطن، وقد تجلى ذلك بوضوح في تضامنه مع الشعب الفلسطيني في غزة ورفضه القاطع للمحاولات الخبيثة لتهجير شعبها بمزاعم إعادة الإعمار، ودعم قيادته في الخطة التي طرحتها لإعادة الإعمار دون تهجير، تعكس هذه المواقف شعورًا قويًا بالمسؤولية القومية والرغبة في دعم الحق والعدالة، كما يتسم المصري منذ فجر التاريخ بالقدرة العالية على التكيف والتأقلم مع الظروف المتغيرة، وهذه القدرات الخاصة تلعب دورا أساسيا في تماسكه في مواجهة التحديات، فالتحديات المحلية والإقليمية تستدعي استجابة مرنة، مما يعزز من قدرة المصريين على الوقوف صفا واحدا.