منذ أيام مررتُ بجواره، سعدتُ بأنه استعاد تألقه، مقارنة بصورة قديمة عمرها سنوات، كانت مُستقرة بذهنى. إنه الترميم عندما يردّ الروح لمبنى أجهده الزمن، رغم أنه كان يتباهى بجاذبيته قبل قرون. ما بقى من القصر الشامخ مجرد مِقعد فخم البنيان يحمل اسم صاحبه.. ماماى السيفى، الذى كان أحد الأمراء البارزين فى عصر السلطان قايتباى. بعد هذا المرور بساعات صار المكان محور حديث المهتمين بالآثار، اعترضوا على تأجيره لأحد المطاعم، ورأوا أن ذلك لا يتناسب مع قيمته الأثرية، ليتجدد جدل امتد لأكثر من ثلاثين عاما، حول التوظيف الأمثل للآثار. دائما هناك رؤيتان متعارضتان، إحداهما تنحاز للاستثمار وعوائده، والأخرى مصحوبة بقلق مزمن من احتمالات وقوع توابع سلبية، ناتجة عن سلوكيات البشر الخاطئة. وسط تعارض الرؤى، يستعين مؤيدو فكرة استثمار الآثار بتجارب دول أخرى، فعلتْ ذلك وردّت الروح لمبانيها التاريخية، على اعتبار أن بقاء المبانى خاوية على عروشها يجعلها عُرضة للإهمال، لكن قناعتى الشخصية أن الاستغلال الأكثر أمانا لآثارنا هو الترويج لها كمزارات سياحية تُدر دخلا، بخلاف ذلك تنتابنى حساسية مفرطة من ربط الاستثمار بالآثار، لأن التعامل مع حضارتنا كمصدر ربح قد يؤدى إلى ممارسات غير رشيدة، نتيجة السعْى لجنْى أكبر ربح ممكن، فغالبا سيقوم المستأجرون من أصحاب المطاعم والمقاهى، بتقديم الشيشة مثلا لأنها الأكثر إثارة لشهية جيوب الزائرين، رغم أن التدخين ممنوع فى كل المواقع الأثرية، التى تتحمل فى هذه الأحوال ضغوطا إضافية، بإنشاء مطابخ ودورات مياه تنضم مخرجاتها إلى مشكلات مزمنة مثل المياه الجوفية. لم أقرأ تصريحا لأحد مسئولى المجلس الأعلى للآثار، ينفى أو يؤكد تأجير مبنى «مقعد ماماى»، الذى حمل فى العصر العثمانى اسم بيت القاضى، وأنتظر أن يخرج من يُطمئن قلوب الخائفين على آثارهم، ويوضح أن متخذ القرار فى حالة صحته، قد وضع فى حسبانه كل اشتراطات الحفاظ على المكان من أى عبث، مهما كانت احتمالاته بالغة الضآلة.