مع قدوم شهر رمضان هذا العام في الشتاء القارس يتجدد الجدل حول ارتباط اسمه ب«الرمضاء» التي تعني شدة الحر، فكيف يأتى في عز البرد؟! وهل كان العرب في الجاهلية يغيرون توقيت رمضان؟ وما هو شهر «النسيء» الذى استخدموه لضبط السنة؟ وهل يتعارض دوران رمضان بين الفصول مع تعاليم الإسلام؟ وما أنواع المشروبات والأطعمة التي يجب أن يعتمد عليها الصائمون في الشتاء؟ وكيف يمكن التخلص من الآثار النفسية التي يسببها الجو البارد على الصائمين؟ وما السلع التى يقبل عليها الصائمون في الطقس البارد؟ هذا التحقيق يحاول الإجابة عن هذه التساؤلات. ◄ سفرة الإفطار الشتوية «حمام وبط وشوربة كوارع» والحلو بطاطا ◄ الأطباء: الأعشاب الدافئة بطل المشروبات ◄ شهر النسىء: نظام قديم أبطلته الشريعة الإسلامية في البداية، قامت «آخرساعة» بجولة داخل الأسواق لتتعرف على أنواع السلع التي تقبل على شرائها ربة المنزل خلال موسم رمضان في الشتاء. وكانت انطلاقتنا من منطقة «السيدة زينب» حيث تزدحم الأسواق بالمواطنين الذين يقبلون على شراء البط والحمام والكوارع، كما تشهد محلات العطارة والمخابز ازدحامًا ملحوظًا. أسماء محمود (ربة منزل ولديها ثلاثة أطفال)، قالت: «رمضان هذا العام يختلف عنه فى السنوات السابقة، خاصة أنه يأتي في فصل الشتاء ونعيش معه موجات برد قارس، فمنذ الصباح الباكر تزدحم الأسواق بالمواطنين الذين يقبلون على شراء احتياجات رمضان اليومية، خاصة أسواق الطيور واللحوم». وتوضح: «في رمضان هذا العام نعيش أجواء برد شديد، وهذه أول سنة يصوم فيها إبني الصغير.. البرد يجعل لدينا القدرة على تحمل العطش، لكن المشكلة فى البرد الذى يحتاج إلى أكلات تمنحنا الطاقة، وهذا ما أبحث عنه فى سفرة رمضان، وبالتأكيد لا غنى عن الحمام المحشي وصينية الرقائق أو الجلاش باللحم المفروم، وطبعًا ملكة الحلو تكون الكنافة وصينية البطاطا والقرع العسلى الذى يعطى كثيرا من الطاقة على مدار اليوم، بخلاف الفيتامينات التي تحتوي عليها والمفيدة للأطفال». ◄ زحام في الأسواق فيما تقول سيدة محمود (ربة منزل): «ازدحام المواطنين في الأسواق بدأ منذ شهر قبل رمضان، فبمجرد أن تأتي الساعة الثانية ظهرًا تقل الخضراوات والطيور واللحوم كأن الأسواق ستغلق فى رمضان»! وتشير سيدة إلى أن رمضان هذا العام يأتى في جو بارد على عكس المواسم السابقة، مما جعل الكثير من السيدات يلجأ إلى الأكلات التى تمنح الجسم الطاقة مثل المحاشى والحمام والبط، فأسواق الطيور ازدهرت بسبب حلول موسم رمضان في الشتاء، بالإضافة إلى انتعاش أسواق اللحوم خاصة الكوارع والممبار. ◄ الرمضاء والبرد! من ناحية أخرى، يتساءل الكثيرون عن الخلفية التاريخية والدينية لشهر رمضان، وما إذا كانت له علاقة بالشتاء والأجواء الباردة، وهنا يشير الدكتور علاء مشعل أستاذ أصول اللغة بجامعة الأزهر إلى حقيقة الجدل المثار حول اسم شهر رمضان الذى يعنى «الرمضاء» وهى شدة الحر فكيف يأتى فى البرد؟ حيث يقول: يرجع اسم «رمضان» إلى الجذر اللغوى «رمض» أى شدة الحر، بسبب أن أول رمضان صامه العرب كان فى شدة الحر، ولذا أطلقوا عليه رمضان، لكن هذا لا يعنى أنه يجب أن يظل ثابتًا فى الصيف، كما أن الله سبحانه وتعالى فرض على المسلمين صيام رمضان وفق التقويم القمرى، والأمر ليس له علاقة بالطقس الحار أو البرد. ◄ شهر النسيء فيما يعرِّف الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، معنى «نظام النسيء» قائلًا: «يعنى ذلك إضافة شهر كل بضع سنوات إلى نظام السنة القمرية مع السنة الشمسية مثل نظام السنة الكبيسة فى التقويم الميلادي اليوم، وقبل الإسلام كان العرب يستخدمون التقويم القمري، لكنها كانت تظهر مشكلة تغيُّر توقيت الأشهر مع الفصول، ما كان يؤثر على مواسم التجارة والحج، ولحل هذه المشكلة لجأت القبائل العربية إلى نظام النسىء، وكانت قريش تستخدم النسىء لإبقاء شهر الحج «ذو الحجة» فى موسم معين مناسب للتجارة». وتابع الدكتور كريمة: «عندما جاء الإسلام أبطل الله نظام النسىء واعتُبِر تحريفًا للتقويم الطبيعى، وجاء ذلك صراحة فى القرآن الكريم، حيث قال تعالى: «إنما النسىء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدى القوم الكافرين». «التوبة:37». ◄ مشروبات الشتاء قدوم شهر رمضان تزامنا مع موسم الشتاء جعل الكثيرين يشعرون بأريحية كبيرة، لكنه أيضًا وضعهم فى حيرة بشأن عاداتهم الغذائية المرتبطة بشهر الصوم، فهل يمكن الاعتماد على المشروبات الرمضانية المعتادة أم أن المشروبات الدافئة هى الحل الأمثل لصيام الشتاء؟ تقول إكرام إدريس استشارية التغذية العلاجية، إن حاجة الجسم للسوائل خلال فصل الشتاء لا تقل أهمية عن حاجته للسوائل خلال فصل الصيف كما يعتقد البعض، ونقيس على ذلك حاجة الجسم للسوائل خلال الصيام، إذ لا بُد من تعويض ساعات الصوم بعد الإفطار، من خلال الاعتماد على الفواكه الطبيعية الشتوية والمشروبات الساخنة التى لا غنى عنها خلال فصل الشتاء. فيما يوضح الدكتور عمرو ناجى، إخصائى التغذية العلاجية، أن كل شخص له كم معين من السوائل التى يجب الحصول عليها على مدار اليوم، وهذه السوائل منها المياه وباقى السوائل المختلفة التى لا تحتوى على مادة الكافيين، وفى فصل الشتاء يحتاج الإنسان إلى 30 ملى لكل كيلو جرام من وزن الجسم المثالى، وفى الصيف يحتاج إلى 35 ملى لكل كيلو جرام، فعلى سبيل المثال إذا كان وزن شخص 70 كيلوجرامًا فإنه بحاجة إلى 2100 ملى من السوائل على مدار اليوم. يضيف ناجي: «مع حلول شهر رمضان والانقطاع عن السوائل لمدة 13 ساعة ونصف، يكون الإنسان بحاجة إلى السوائل لتعويض هذه الفترة الكبيرة التى يمتنع فيها عن الطعام والسوائل»، مشيرًا إلى ضرورة تجنب تناول السوائل بشكل مفرط فى الساعة الأخيرة قبل الفجر، بل يجب توزيع تناول السوائل على مدار الفترة بين الإفطار والسحور. ويشير إلى أن العادات التى نتبعها ومنها الإفطار على عصائر تحتوى على كميات من السكر بعد الانقطاع كل هذه الفترة عن السوائل خلال ساعات الصيام، تنتج عنه زيادة سريعة فى نسبة الإنسولين بالجسم، بالتالى يكون الشعور بالجوع أكثر بجانب تناول كميات كبيرة من الطعام، فى مقابل ذلك يمكن تناول التمر واللبن لما لهما من فوائد كثيرة، كما أن الصيام في الشتاء فرصة لتناول المشروبات الدافئة التى تساعد الإنسان على تخطى العواقب الصحية التى قد تحدث مع الصيام ومنها آلام وتقلصات القولون نتيجة لعدد ساعات الصيام الطويلة، ومن أهم المشروبات التي يُنصح بتناولها البابونج والشمر واليانسون والنعناع. ◄ شفاء للاكتئاب يعتبر الشتاء من الفصول التى تصيب بعض الأشخاص بالاكتئاب بسبب قصر فترة النهار وبرودة الجو التى تؤثر بشكل سلبى فى بعض الهرمونات المسئولة عن الحالة المزاجية للأشخاص، وتزامن رمضان مع فصل الشتاء يجعلنا نتساءل عن كيفية مواجهة الصائمين برودة الجو. ويوضح الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، أن هناك أشخاصًا أكثر تأثرًا من غيرهم بتغيُّر الفصول، خصوصًا في فصل الشتاء لأن له وقعا خاصا على مزاج وسلوكيات هؤلاء الأشخاص ووصولهم إلى الاكتئاب أحيانًا. ومن حسن حظ هؤلاء الأشخاص تزامن شهر رمضان مع فصل الشتاء، مما يعنى أن الأجواء الروحانية التي تميز شهر الصوم ستكون بمثابة علاج روحانى لمن يعانى الاكتئاب.