نعم رمضان فى مصر حاجة تانية والسر في التفاصيل نعم رمضان في مصر حاجة تانية وعذرا لاستخدامى مدخلا عاميا وأنا من جنود العربية الفصحى بحكم عملى وقبله عشقى لجميلة اللغات وأشملها.. ◄ مؤذن رمضان التاريخي قيثارة السماء .. هكذا لقب الشيخ محمد رفعت رحمه الله وذلك لجمال صوته فى الأذان وقراءة القرآن الكريم، وهو من قال عنه الشاعر الكبير نزار قبانى يوما: «يفتح صوت الشيخ محمد رفعت أمامى أبواب السماء».. إنه الصوت الذى إذا غرد سكتت كل أصوات مقرئى القرآن الكريم فى العالم، وهو الذى يصيب الجسد بالقشعريرة، والروح بالصفاء، والنفس بالسمو. وهو الصوت ذاته الذى جعل الأقباط يطالبون بإعادة صاحبه - الشيخ محمد رفعت - إلى قراءة القرآن فى الإذاعة حين تم منعه منها لأنهم يحبون الاستماع إلى سورة «مريم» بصوته. بصوته الفريد افتتحت الإذاعة عام 1934 إرسالها، وكانت سورة الفتح أول ما تلاه من السور.. ثم استمر فى التلاوة مرتين كل أسبوع، بل إن إذاعات لندن وبرلين وباريس كانت تذيع تسجيلاته أثناء الحرب العالمية الثانية .. لتشد المستمعين فى العالم الإسلامى إلى برامجها ونشراتها الإخبارية.. وسُمى بألقاب كثيرة منها: إمام المقرئين، مقرئ الشعب، ومؤذن رمضان.. وينتشر صوته وتطلب الدول العربية والإسلامية حضوره إليها، ومع هذا يعلن رفض ترك مصر.. فيضطهده مستشار الحكومة الإنجليزية بالإذاعة فيضطر لترك العمل بالإذاعة، فتشتعل ثورة الشعب ويصدر قرار من الملك فاروق بعودته للإذاعة ليذاع صوته ثلاث مرات يوميا، ويقترن صوته بالأذان طوال شهر رمضان ومن يومها عُرف بمؤذن رمضان. ◄ النقشبندي والواد الجن رغم أنه غادرنا منذ عام 1979 إثر إصابته بنوبة قلبية فما تزال تواشيح النقشبندى عقب أذان المغرب من إذاعة البرنامج العام تشكل جزءا من فسيفساء رمضان المصرى المتفردة وتترسخ فى الوجدان وهو يردد «الله ..يارب ..الله يا الله». تلك التواشيح المغناة وأشهرها «مولاى إنى ببابك» لها قصة تعود إلى زمن الرئيس أنور السادات الذى كان من أشد المغرمين بابتهالات الشيخ سيد النقشبندى، وكان يعتبره إماما للمنشدين، ولهذا دعاه لحضور حفل خطوبة ابنته المقام فى استراحة الرئيس بالقناطر الخيرية، وكان من ضمن حضور الحفل الموسيقار بليغ حمدى الذى كان مقربا وقتها من الرئيس السادات، وجاءت تفاصيل قصة أول لقاء بين بليغ والشيخ سيد النقشبندى على لسان الإذاعى وجدى الحكيم فيقول: «فى عام 1972 كان السادات يحتفل بخطبة إحدى بناته فى القناطر الخيرية، وكان النقشبندى موجودًا فى الاحتفال الذى حضره الملحن بليغ حمدى، وكنت حاضرًا هذا الاحتفال كمسئول فى الإذاعة المصرية، فإذا بالسادات ينادى لبليغ ويقول له: «عاوز أسمعك مع النقشبندى»، وكلفنى بفتح استديو الإذاعة لهما، وتحدث بعدها مع الشيخ النقشبندى فى الموضوع، فقال لى ماينفعش أنشد على ألحان بليغ الراقصة. وطلب منى الاعتذار لبليغ، لكنى طلبت منه قبل أن يعتذر أن يستمع للحن الابتهال الذى لحنه بليغ حمدى، وطلبت منه أن ينتقل معى إلى الاستديو، واتفقت معه على أن أتركه مع بليغ لمدة نصف ساعة ثم أعود، وأن تكون بيننا إشارة أعرف من خلالها إن كانت ألحان بليغ أعجبته أم لا؟»، فإذا وجدته خلع عمامته فإن هذا يعنى أنه أعجب بألحان بليغ، ودخلت فإذا بالنقشبندى قد خلع العمامة والجبة والقفطان، وقال لى: «يا وجدى بليغ ده جن». وأتذكر والكلام مازال لوجدى الحكيم أن بليغ قال للشيخ النقشبندى فى أول لقاء تم بينهما: «ثق بى يا شيخ نقشبندى لأنى سوف أضع لك ابتهالات سوف تعيش 100 سنة قادمة، وصدق بليغ فيما قال وفيما توقع». ◄ قمر الزمان مثل طبقات الأرض الجيولوجية تتكون ذائقة المصريين وجيناتهم الوراثية، ولو أخذوا قطاعا طوليا تاريخيا من فلكلور وتراث المصريين فلعلهم يكتشفون تواصلا فريدا مزج بين ماضيهم السحيق وواقعهم القريب. ويتجسد هذا فيما تعود به المصريون أن يستقبلوا رمضان بأغنيتهم التاريخية «وحوى ياوحوى»، التى تعود إلى قدماء المصريين، حيث إن «وحوى يا وحوى» لغة فرعونية بمعنى أهلا ومرحبا»، كما يقول خبراء المصريات القديمة، وإياحا هى أم أحمس التى كونت جيشا عظيما وحاربت الهكسوس وانتصرت عليهم وحين عودتها احتفل بها المصريون واستقبلوها بالترحيب: وحوى يا وحوى إياحا، وفى تأصيل آخر أن أصل هذه العبارة يرجع إلى نهاية الأسرة السابعة عشرة عندما انتفض الشعب المصرى لطرد الهكسوس، وكانت الملكة «إياح حتب» قد قتل زوجها «سقنن رع» أثناء الحرب مع الهكسوس ثم قتل ابنها «كاموس» أيضا، فأقسمت الملكة أن تنتقم من الهكسوس وقدمت ابنها القائد «أحمس» لقيادة الجيش، واستطاعوا أن ينتصروا عليهم، ويطردوهم ويعيدوا مصر للمصريين. وعند عودتهم منتصرين، خرج الشعب يحيى الملكة «إياح حتب» اعترافا بفضلها ودورها العظيم فى تحرير مصر، واستقبلوها بالورود والزينة، وكانوا يقولون: «واح واح إياح» أى «تعيش تعيش إياح»، ويعنى اسم «إياح» وُلِد القمر أو الهلال. وهكذا أصبحت وحوى إياحا، أو أهلًا يا قمر، تعويذة المصريين وشعارهم لاستقبال كل قمر يحبونه وعلى رأسه قمر رمضان، لا فرق بين مسلم يتعبد فيه أو قبطى يستمتع بأجوائه، بل يفتقدها لو عاش رمضان بعيدا عن مصر.